بينما لا تزال دول الاتحاد الأوروبي تعيش هواجس الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في البحث عن حلول ناجعة لمعالجة الأزمة المالية التي تعانيها جراء السياسات الرأسمالية المتبعة من أغلب الحكومات الأوروبية تواصل مجموعة بريكس للدول الناشئة صعودها كقوة محورية تلعب دوراً رئيسياً على الصعيد الاقتصادي والسياسي يحاول معالجة مشاكل وأزمات العالم.
ولعل ما أعلنته مجموعة بريكس المكونة من البرازيل و روسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا عن نيتها بحث إستراتيجية لإنقاذ ما تعانيه منطقة اليورو من عجز مالي واقتصادي يرسم مؤشرات واضحة عن الدور القادم المتوقع لهذه الدول في ميزان القوى العالمي الجديد الذي بات حكماً خارج سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية التي تعاني هي الأخرى من أزمات اقتصادية مماثلة.
ويعيد انحسار دور و نفوذ الاتحاد الأوروبي ككتلة سياسية واقتصادية في الساحة العالمية تساؤلات طرحت عن إمكانية استمراره في ظل إتباعه نظام مالي رأسمالي يسحق غالبية الشعب الأوروبي يرجح مختصون أنه لن ينته إلا بكارثة اقتصادية كبرى ينهار بعدها هذا الاتحاد.
وتشير تقارير المفوضية الأوروبية إلى ركود اقتصاد منطقة اليورو خلال العام الحالي وانكماشه بمقدار 3ر0 % وبهذا الخصوص يتوقع مراقبون أن يعيش الاتحاد الأوروبي أسوأ فتراته منذ ظهوره في الخمسينيات معتبرين أن الأزمة الاقتصادية الشائكة التي يعانيها سترتب عليه أيضاً غياب الاستقرار السياسي الذي بدأت ملامحه في أغلب العواصم الأوروبية.
ويرى متابعون للشؤون الدولية أن استمرار التدهور الاقتصادي الأوروبي سيؤثر بلا شك على الوضع السياسي وعلى البناء الديمقراطي الذي كان الفكرة المؤسسة أصلاً للاتحاد محذرين من بروز ظواهر سلبية تتمثل بمعاداة الأجانب وعودة العنصرية والانغلاق الاجتماعي.
وفي نظرة سريعة على أحدث أرقام اقتصاديات الدول الأوروبية الأكثر قوة نجد أن العديد منها دخل إلى دائرة الخطر حيث أظهرت الأرقام الرسمية الصادرة عن مكاتب الإحصاء الوطنية أن نسبة انكماش الاقتصاد البريطاني في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي بلغ نسبة 2ر0 % بينما دخلت ايطاليا صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو الركود الاقتصادي بعد أن انكمش اقتصادها بنسبة 7ر0 % خلال الربع الأخير من العام الماضي في حين استقر الاقتصاد الألماني على انكماش بلغ 2ر0 % في الربع الأخير.
ورغم محاولات الإصلاح العديدة التي اتخذت لمعالجة هذا الواقع الذي يعصف بالنظام الاقتصادي والسياسي إلا أن إصرار الحكومات الأوروبية على ممارسة نظام الرأسمالية وعدم الاعتراف بانهياره من دون مسؤولية أو تناسب و قيام أغلب سياساتها على مبدأ التبعية للولايات المتحدة جعل من أي محاولة لمعالجة الأزمة إجراء فاشل.
ويعتبر محللون اقتصاديون أنه بالرغم من أن أياً من هذه الحكومات لم تعترف بانهيار هذا الشكل من الأنظمة الاقتصادية إلا أن محاولات الإنقاذ المتبعة مست جوهر النظام الرأسمالي القائم على عدم التدخل الحكومي من خلال محاولة تشريع حق التدخل الصريح والمباشر من جانب الدولة والمؤسسات الاقتصادية الأوروبية في الشؤون الاقتصادية والمالية والاجتماعية لأي دولة أوروبية تعاني عجزاً مالياً أو تهددها أزمة اقتصادية.
وبالعودة إلى مجموعة بريكس ورغم أن الدول المنضوية فيها ليست كياناً جغرافياُ قريبا كالاتحاد الأوروبي إلا أن ما يوحدها هو الاستقرار السياسي ومعدلات النمو الاقتصادي المذهلة التي حققتها بالإضافة لإتباعها سياسات مغايرة لما تتبعه الدول الأوروبية الساعية دائما للتدخل في شؤون بلدان العالم.
وحسب صندوق النقد الدولي فإن المجموعة التي تشكل قرابة ثلث سكان العالم وتمثل ما يزيد على ربع مساحة المعمورة ستحقق ناتجا محليا إجماليا مجمعا بقيمة 6ر13 تريليون دولار العام الحالي وهو ما يقدر بنحو 5ر19 في % من إجمالي الناتج المحلي في العالم.
وتظهر التوقعات طويلة الأجل أن البريكس ستسهم بقرابة 50 في % من أسواق الأسهم العالمية بحلول 2050 وسيتجاوز ناتجها الإجمالي المحلي المجمع مثيله في الولايات المتحدة بحلول عام 2020.
أما على الجانب السياسي فبعد أن عملت المجموعة على التصدي للسياسات الغربية والأمريكية ووقفت في وجه محاولات استخدام القوة لتسوية الأزمات داعية لحلها عبر الطرق الدبلوماسية والسياسية بات ينظر لها كتكتل قوي قادر على لجم التعديات التي اعتادت عليها بعض القوى المتفردة في شؤون العالم.
وكنتيجة لذلك يرى محللون أن العلاقة بين الأهمية الاقتصادية والثقل السياسي لمجموعة البريكس جعلت منها قوة محورية ستصعد من خلالها لتحقيق طموحاتها الدولية في مواجهة التحالفات الدولية الساعية للتحكم بالاقتصاد العالمي عبر شن الحروب للسيطرة على اقتصاديات الشعوب وربطها بالسياسات الغربية الأمريكية.
المصدر: وكالات