لم يشفع ما أعلنت عنه هيئة الإشراف على التأمين أواخر شهر آذار الماضي بأنها انتهت من وضع أربع تعديلات على عقد التأمين الصحي لموظفي القطاع الإداري من تنامي الانتقادات الواسعة لطبيعة هذا العقد وتنفيذه بدءً من الاتحاد العام لنقابات العمال، ثم النقابات ذات الصلة وأولهما نقابتي الأطباء والصيادلة اللتين لم تتوانى عن الإفصاح بما تعدّاه لمقارعة تلك الصيغة من خلال شركتين جديدتين لإدارة النفقات الطبية، بعدما كان المرسوم التشريعي رقم 65 لعام 2009 قد أوعز بتعديل المادة 158 من القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004 بحيث سمح للجهات العامة إبرام عقود تأمين صحية للعاملين لديها وعائلاتهم حسب أنظمتها مع المؤسسة العامة السورية للتأمين بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير المختص واقتراح وزير المالية، وبات مشروع التأمين الصحي في سورية يشمل 750 ألف من العاملين في القطاع العام الإداري.
العقد بصورة جديدة
ملامح تعديل عقد التأمين الصحي لموظفي القطاع الإداري امتدت لتطال تشميل خدمة البدائل الصناعية الطبية بحيث يغطي العقد 100 ألف ليرة من قيمتها، وهذه الخدمة لم تكن مشمّلة سابقاً. بالإضافة إلى إعفاء موظفي القطاع الإداري من رسم 10% من قيمة مراجعة الطبيب أو المستشفى. كما تجيز التعديلات أن يقصد المشمّل بعقد التأمين الصحي مقدم الخدمة دون أن يدفع أية رسوم. كما شملت التعديلات أيضاً السقف المالي الذي يتحمله أي مريض يخضع لعمل جراحي أو يحصل على أي خدمة طبية من مقدم الخدمة سواءً أكان مستشفى أو طبيب يبدأ من 15 ألف ليرة ولا يتعدى 30 ألف ليرة. بعد أن كان المريض يدفع نسبة محددة من قيمة أي خدمة طبية تقدم له في المستشفى. كما تم اقتراح تخفيض قيمة بدل ضائع للبطاقة التي يحصل عليها المشمولون بخدمات عقد التأمين الصحي من 500 ليرة إلى 250 ليرة سورية.
ترخيص مبدئي فقط
لكن ودونما توقع مسبق من اللاعبين الأساسيين في هذا القطاع أعلنت نقابة الأطباء ونقابة الصيادلة ونقابة أطباء الأسنان في سورية تأسيسها لشركة تعنى بإدارة نفقات التأمين الصحي تحت مسمى "شركة الرعاية الطبية" برأسمال 51 مليون ليرة سورية مقسمة على المؤسسين الثلاث للشركة بحيث أن حصة كل من النقابات تبلغ 17 مليون ليرة سورية والتي لتكون هذه الشركة رديفاً للشركات الموجودة في سورية والتي تعمل في مجال إدارة النفقات الطبية، ومنافساً إيجابياً لتلك الشركات. إياد زهراء رئيس هيئة الإشراف على التأمين يشرح لنا الأمر ويقول: "أرادت النقابات الثلاث إنشاء شركة لإدارة النفقات الطبية وفق الأحكام والقرارات الناظمة لتعمل ضمن السوق وفي إطار تنافسي، والمسألة لا ترتبط بأي تقصير من قبل شركات إدارة النفقات الطبية العاملة في السوق السورية. لكن الشركة لم تمنح رخصة المزاولة، ومن المبكر الحديث عنها لأن ذلك مرتبط ببدء مزاولتها للعمل، ولا أعلم ما هي الأسباب التي دفعت النقابات لطلب ترخيص هذه الشركة. التي نالت الترخيص الأولى فقط أما الترخيص النهائي فلا استطيع التصريح بموعد إعطائه".
غير راضيين عن التأمين الصحي
لا يمكن على أي حال تجاهل ما يسبغه جمال القادري عضو مجلس الشعب ورئيس اتحاد عمال دمشق من وصف على التأمين الصحي لموظفي القطاع الإداري حينما يقول بأن ثمة مشكلة حقيقية في تقديم هذه الخدمة ثم يوضح أكثر: "نحن الآن نعالج ملف التأمين الصحي كاملاً بغية الخروج بآلية جديدة لتقديم الصيغة الأمثل له، وأعتقد أن الكثير من العمال غير راضيين عن الطريقة التي تتم بها هذه الخدمة، والمشكلة في طريقة تقديم خدمة التأمين الصحي. أما ملف التأمين الصحي فقد وصل إلى منطقة شائكة يحتاج فيها إلى إعادة نظر ومعالجة جذرية". ثم لا ينكر القادري أن التأمين الصحي في بدايته عُدِّ مكسباً حقيقياً للعمال وخاصة لموظفي القطاع الإداري الذين لم يكونوا مستفيدين قبلاً من أي رعاية أو خدمة صحية، ويقول هنا: "تقديراتنا تدل أن 750 ألف عامل سيستفيد من تغطيات التأمين الصحي بحيث أبرمت العقود مع وزارة المالية والمؤسسة العامة للتأمين أما مبلغ إعادة التأمين فكان 5آلاف ليرة تدفعها وزارة المالية سنوياً عن كل عامل و3آلاف ليرة يدفعها العامل بنفسه أي بمعدل 250 ليرة شهرياً أو تدفعها بدلاً عنه الصناديق التعاونية في الوزارات والمؤسسات في حال وجودها".
إجهاض التأمين الصحي؟!
على أي حال عدنا وسألنا إياد زهراء رئيس هيئة الإشراف على التأمين عن المشكلة التي ذكرها لنا جمال القادري رئيس اتحاد عمال دمشق في آليات تنفيذ عقد التامين الصحي فردَّ: " هناك تجيش ضد مشروع التأمين الصحي على موظفي الدولة ومن غير الجائز إجهاض هذا المشروع، والذي لديه القدرة على تقديم إضافة مكمّلة لهذا المشروع فليفعل، ولعل وضع كل محافظة سورية على حدا قد حدد سوية عمل شركات إدارة النفقات الطبية وتالياً انعكس وضع كل محافظة على أداء عمل كل شركة إدارة نفقات حسب درجة تواجدها في هذه المحافظة أو تلك. بحيث لم يرد إلى الهيئة أي شكوى حول أي مماطلة أو امتناع عن صرف مطالبات التأمين الصحي. أما من يريد الحديث بهذا الموضوع فيجب عليه تقديم الدليل، وأعتقد أن التأخر في صرف المطالبات هو شأنٌ مرتبط بظرف البلد الراهن وهذا كل ما في الأمر لدرجة أن بعض المطالبات يتم إحضارها بواسطة الدرجات الهوائية حين تكون المواصلات شبه معدومة ناهيك عن انقطاع الاتصالات بأنواعها، وذات مرة حدث إتلاف لأوراق المطالبات في شركة نقل بعد احتراقها".
شركات إدارة النفقات الطبية الرابح الوحيد
مجدداً لا يتفق جمال القادري مع إياد زهراء حول خلو جعبة اتحاد العمال من شكاوى سوء إدارة عقد التأمين الصحي، وهنا يقول: "وردنا الكثير من الشكاوى حول أن بعض شركات إدارة النفقات تضع شروطاً على العامل منها أن الصيدلي لا يصرف الوصفة قبل أن يتصل بمندوب شركة إدارة النفقات وكذلك الطبيب وهذا يمتهن كرامة العامل نفسه بمعنى أن العامل يكون موضع شك، ما شكّل عائقاً حيال تداوي واستشفاء العديد من العمال إضافةً إلى تعرفة المستشفى التي يدفعها العامل من جيبه وهي خارج الشروط التعاقدية في تنفيذ عقد التأمين الصحي، الأمر الذي يتناقض أصلاً مع جوهر التغطية التأمينية. إضافة إلى مخالفة عدد من شركات إدارة النفقات الطبية مضمون تلك الصيغة، وبالتالي بات التأمين الصحي لا يحقق مصلحة العامل بقدر ما يحقق أرباحاً لتلك الشركات، وأصبح الجميع خاسرين بما فيهم المؤسسة العامة للتأمين، والعامل، والدولة. أما الرابح الوحيد فهو شركات إدارة النفقات الطبية".
التأمين الصحي على مصرعيه
لا تعقيدات في عمل شركات إدارة النفقات الطبية هذا ما نفهمه من إياد زهراء رئيس هيئة الإشراف على التأمين حين يقول: "تقضي الخطط البديلة لعمل شركات إدارة النفقات الطبية في ظروف الأزمة عدم الأخذ بموافقة الشركة من قبل الطبيب أو الصيدلي أو مقدم الخدمة بشكل مسبق، وهذا عززته الخبرة في معرفة الحالات التي تشملها التغطية من الحالات التي لا تشملها، كما أن حالات رفض التغطية باتت شبه معدومة لأن مقدم الخدمة بات قادراً على التحديد بنفسه إثر الخبرة التراكمية".
أيضاً يقول جمال القادري وهو أيضاً ممثل العمال في مجلس إدارة المؤسسة العامة السورية للتأمين: "منذ بداية تنفيذ عقد التأمين الصحي اعتمدت المؤسسة العامة السورية للتأمين في تقديم الخدمة على شركات إدارة النفقات الطبية بحيث تم التعاقد بينها وبين المؤسسة لإدارة عقود التأمين الصحي ثم تحصيل المطالبات وإجراء التقاص مع المؤسسة العامة السورية للتأمين باعتبارها المتعاقد الرئيسي مع وزارة المالية فيما يخص التأمين الصحي. أما الآن فأن ملف التأمين الصحي قد فتح على مصرعيه".
معاقبة شركات إدارة النفقات الطبية
أكثر من ذلك يقول القادري وفقاً لمجلة " المصارف والتأمين " السورية "أمام مجلس إدارة المؤسسة العامة السورية للتأمين 3 أوراق تتضمن الأولى ملاحظات اللجنة التي تشكلت في وزارة الصحة وضمت رؤساء النقابات الطبية والورقة الثانية هي الشكاوى الواردة من النقابات العمالية والمهنية. أما الورقة الثالثة فهي ورقة المؤسسة العامة السورية للتأمين. كما يجري التواصل بين أعضاء مجلس إدارة المؤسسة والوزراء المعنيين لإعادة صياغة عقد التأمين بما يحقق مصلحة العامل أولاً وأخيراً وتماشياً مع روح المشروع حين إطلاقه لخدمة العامل لا لخدمة شركات إدارة النفقات الطبية وبما يحافظ على حقوق المؤسسة العامة السورية للتأمين. لذا سنعاقب في مجلس الإدارة أي شركة نفقات طبية يثبت لنا تقاعسها أو تأخرها في التزاماتها التعاقدية وسنحرمها العمل في السوق السورية، وهناك شركة شام للخدمات الطبية التي أسستها وزارة المالية إضافةً إلى شركة الرعاية الطبية التي أسستها ثلاث نقابات مهنية لكن أي من الشركتين لم تشرع العمل بعد، وسيكون لهما الأولوية في الظرف الحالي".