كشفت دراسة حديثة عن أن الأضرار التي طالت قطاع البيئة السورية وإعادة تأهيلها بحاجة إلى ما يعادل 15 مليار دولار، مبينة أن هذا الرقم في زيادة مستمرة طالما بقي الإرهاب يستهدف الوطن السوري.
وذكرت الدراسة أن التحدي كبير فيما يتعلق بالأضرار البيئية سواء لجهة الأضرار المعكوسة مثل إعادة زرع الأشجار والأضرار غير المعكوسة المتمثلة بمدى التلوث الذي حصل ونفايات هذا التلوث.
وقسمّت الدراسة التي أعدها الباحث الاقتصادي الدكتور عمار يوسف الأضرار البيئية في هذه الفترة لعدة محاورة، الأول منها يتناول حرائق آبار النفط وتسربه إلى مياه الزراعة والشرب والمياه الجوفية وخاصة في مناطق الشمال والشمال الشرقي من البلاد نتيجة استهداف الجماعات الإرهابية لتلك الآبار بوصفها أحد أسباب استمرار صمود سورية في وجه الهجمة العالمية عليها ولتحقيق مكاسب للجماعات الإرهابية من خلال بيع النفط بأسعار قد يصل البرميل فيها إلى 3 دولارات في حين سعره في السوق العالمية 100 دولار.
وتشير الدراسة إلى أن هذا النوع من الأضرار لا يمكن تلافيه من حيث تأثير الحرائق والغازات الناجمة عنها على الصحة العامة ما أدى إلى تسرب النفط إلى مياه نهري الفرات والخابور وما استتبعه ذلك من أضرار على مياه الشرب وعلى الزراعات على ضفتي النهر، إضافة إلى ضرر كبير في الثروة السمكية والكائنات الحية في تلك المنطقة.
وتقدر الدراسة حجم أضرار استهداف القطاع النفطي إضافة لتكاليف إعادة الحال إلى ما كان عليه وذلك فيما يتعلق بالناحية المبدئية حصراً إلى ما يصل 6 مليارات دولار لمعالجة هذا الضرر مع العلم أن أغلبية الأضرار البيئية غير قابلة للإصلاح.
وقال يوسف لـ«الوطن»: يرتبط المحور الثاني من الدراسة باستهداف معامل البلاستيك والنايلون والمستودعات التي تحوي هذه المواد، من المجموعات الإرهابية وذلك بالحرق ما يؤدي إلى انبعاث هائل للغازات السامة والمواد الكيماوية الناجمة عن احتراق هذه المواد إضافة إلى ما يكلفه التخلص من بقايا الحرق غير القابلة للتحلل من تكاليف إضافية وفقاً لمعايير الأمن الصناعي والمعايير البيئية الأخرى.
وحسب الدراسة يستتبع ذلك خروج كمية كبيرة من المواد البلاستيكية المصنعة والنايلون من الخدمة وإمكانية الاستفادة منها وتحولها إلى كتل من المواد السامة والأبخرة المسرطنة المؤثرة في البيئة بشكل عام، ويعد التخلص منها تحدياً كبيراً يواجه الحكومة في المستقبل حيث تصل كميتها وبحساب بسيط إلى آلاف الأطنان ناهيك عن كميات المواد المؤذية التي حملها الهواء من الأبخرة الضارة، وهو ما يتطلب قرابة 2 مليار دولار للتخلص من نفاياته.
وتطرقت الدراسة في محورها الثالث للأضرار البيئية نتيجة التغير السكاني في بعض مناطق القطر ونزوح عدد كبير من السكان إلى المناطق الآمنة غير المعدة في بناها المختلفة لمثل هذا العدد من السكان، ومثال ذلك كميات القمامة التي تضاعفت بشكل كبير أو كميات المياه المالحة الناجمة عن الزيادة السكانية وقصور مشاريع الصرف الصحي، إضافة إلى تأثير ذلك في الثروة الحيوانية والغطاء النباتي في تلك المناطق، وهذا الأخير يعتبر الثروة الأهم في بلد مثل سورية، حيث لوحظ منذ بداية الأزمة استهداف الجماعات المسلحة لقوافل الوقود وخاصة مازوت التدفئة، ما دفع السكان للتوجه نحو الحطب كبديل حصلوا عليه من قطع الأشجار في الأحراش المحيطة بالقرى واستعمالها في التدفئة والطبخ وغير ذلك.. ما أسهم في زوال الغطاء الأخضر في المنطقة بكاملها.
وأشارت الدراسة إلى إزالة غابات بأكملها عن الوجود وخاصة في المناطق الشمالية في سورية نتيجة الحرائق التي تسبب بها الإرهابيون أثناء اختبائهم في الغابات والجبال.
وأضاف الباحث الاقتصادي في دراسته: إذا اعتبرنا أن الغابة تحتاج إلى 15 سنة لتجديد نفسها، فإن 70% من غابات سورية وخاصة المنطقة الشمالية وريف اللاذقية قد تضررت بأكثر من النصف، الأمر الذي يحتاج إلى ما يقارب 10 سنوات لتتم استعادة الغطاء النباتي كما كان في السابق مع وجود مناطق لا يمكن عودتها كما كانت ولو بعد 50 سنة نتيجة الضرر البالغ ما يتوجب معه إعادة زرع هذه الغابات ورعايتها من جديد.
وأكدت الدراسة ضرورة تفعيل دور وزارة البيئة بطريقة تجعلها قادرة على تقدير الخسائر البيئية والقيام بخطوات سريعة لتحديد آليات وطرق المعالجة لهذه الأضرار وخاصة أن الأضرار البيئية أضرار مستمرة الأثر ولا تنتهي بجيل أو جيلين وهي متعلقة بأطفالنا قبل أن تتعلق بها، وتأثيرها ممتد.
وأشارت الدراسة إلى أن الأزمة أرخت بظلالها على كل مناحي الحياة ولعل مسألة البيئة وما سببته من أضرار في هذا القطاع يعتبر الأخطر لأن أي ضرر قابل لإعادة البناء ما عدا الأضرار البيئية فهي أضرار غير معكوسة وما يعتبر ضرراً بيئياً قد يحتاج إلى مئات السنين لتتم معالجته.
ونوهت الدراسة بصدور مجموعة من القوانين ذات العلاقة قبل الأزمة، منها ما يتعلق بحماية البيئة.. لكن لم تسعف الظروف بتطبيقها.