قطعت الصناعة الدوائية الوطنية شوطاً مميزاً خلال السنوات الماضية ويعود ذلك إلى الالتزام بالمعايير الدولية المعتمدة حيث تخضع المنتجات الدوائية بجميع مراحلها لمراقبة شاملة بدءاً من المادة الأولية إضافة إلى أسعارها المناسبة، إذ إن الدواء السوري يصنف ضمن الأدوية الرخيصة عالمياً مايساعد على الانتشار ويضعه في مستويات الأدوية العالمية، لتدخل في خانة الصناعات المهمة والداعمة للاقتصاد الوطني بتغطيتها (91٪) من حاجة السوق المحلية موفرة بذلك ما يقدر بـ (600) مليون دولار من الأدوية المستوردة والمساهمة في تحقيق الأمن الدوائي حيث يقدر انتاج السوق المحلية بـ (350) مليون دولار.
فما واقع ومستقبل هذه الصناعة المحلية والتطور الذي آلت إليه؟
وما المهام المنوطة بوزارة الصحة مع نقابة الصيادلة والأطباء لزيادة الثقة في منتجنا الوطني الدوائي؟ وآليات الرقابة ولا سيما على الأدوية المزورة؟.
19 صنفاً دوائياً جديداً
منحت وزارة الصحة موافقات جديدة بغية الترخيص لإنتاج (19) صنفاً دوائياً جديداً في معامل الأدوية المحلية، تشمل أدوية الداء السكري والهرمونية والنفسية وارتفاع التوتر الشرياني ومعالجة الأمراض الجلدية بالإضافة إلى استيراد (4) أصناف دوائية جديدة تشمل هرمونات النمو ومضادات الحساسية وأدوية الربو والصرع.
وأكد وزير الصحة الدكتور وائل الحلقي في اجتماع اللجنة الفنية للدواء أنه في الوقت الذي نؤكد فيه على فعالية الدواء المحلي وتطبيق كل المستجدات الحديثة لتطوير الصناعة الدوائية، تم ترخيص واستيراد (86) صنفاً دوائياً ولدينا (68) معملاً تنتج أكثر من (7000) صنف كما تم طرح (20) صنفاً دوائياً جديداً في الصيدليات، وتتضمن أدوية (لعلاج احتشاء العضلة القلبية وخافضات الكولسترول وأدوية التخفيف من أعراض سوء الهضم والحرقة والنفخة وأدوية معالجة الإسهالات ومضادات السعال ومعالجة الصرع ومسكنات الآلام وأدوية مقشعة والتهاب الكبد الفيروسي والمقويات العامة.
معملان لإنتاج الأدوية السرطانية
وعن عدد المعامل العاملة المنتجة أجابت الدكتورة ميساء نصر مديرة الرقابة الدوائية (68) معملاً منتجاً حتى نهاية الشهر الأول من العام 2012 وهناك (117) موافقة مبدئية لمعامل دوائية جديدة إذ بلغ عدد المعامل التي تطبق قواعد التصنيع الجيد (GMP) هو (64) معملاً، وإن وزارة الصحة أعطت الموافقة لإنشاء معملين لإنتاج الأدوية السرطانية أحدهما في محافظة درعا والآخر في منطقة عدرا الصناعية وهما قيد الإنشاء.
ومازالت الوزارة تمنح الموافقات لإقامة المنشآت الطبية حيث يوجد حالياً (23) معملاً لإنتاج المضادات الحيوية مع العلم أنه لا يوجد إلا معملٌ وحيدٌ في حلب لتصنيع المواد الأولية المساعدة الداخلة في صناعة الأدوية.
وحول الأدوية المهربة والمزورة أوضحت د. نصر أن التزوير بالنسبة للمستورد وخاصة غير النظامي الذي لا يخضع للرقابة يتم ضبطها في مديريات الصحة، ويتطلب ذلك تعاون مختلف الجهات كالوزارات المعنية والجمارك ومعامل الأدوية والأطباء والصيادلة والمواطنين، مقترحة التأكيد على الصيادلة ومراكز التوزيع بعدم تداول الأدوية غير المسجلة والمرخصة والمجهولة المصدر، وضرورة التأكد من المنتج الأصلي للمستحضر في حال الشك بأي تزوير، وعدم استجرار المستحضرات الدوائية والصحية إلا من الوكلاء المعتمدين وإعلام النقابة ووزارة الصحة في حال وجود أي مستحضر غير نظامي.
أصناف دوائية خاصة
وإن كان هناك من خطط لاستيراد بعض الزمر الدوائية غير المصنعة وطنياً لمنع الأدوية غير النظامية أجاب الدكتور فارس الشعار نقيب صيادلة سورية: دورنا مع وزارة الصحة ومن خلال اللجنة الفنية للدواء العمل على استيراد بعض الأصناف الدوائية ولاسيما الأساسية للحد من ظاهرة تواجد الأدوية غير النظامية.
وفي السياق ذاته أشارت مديرة شؤون الصيدلية الدكتورة هند السباعي إلى أن وزارة الصحة لم تألُ جهداً بالعمل على تحقيق الأمن الدوائي بما يتوافق مع تأمين معظم الاحتياجات من المستحضرات الدوائية، من خلال الموافقة على تسجيل الأصناف التي يدخل في تركيبها المواد أو الزمر الدوائية المصنعة ضمن لائحة الأدوية الوطنية، والتي تضم في طياتها جميع المواد الدوائية المعتمدة أصولاً لدى الوزارة.وما نقوم به بشأن تحديث هذه اللائحة وبشكل مستمر إدخال الزمر الحديثة عالمياً، الأمر الذي يساعد على الإقلال من استيراد المستحضرات الدوائية.
وحول المستحضرات الدوائية المنتجة حالياً فقد بلغ حالياً ما يزيد عن سبعة آلاف مستحضر دوائي، وهذا ماتتوجه إليه الوزارة للتشجيع على تصنيع مستحضرات دوائية غير مصنعة محلياً، ومن هذا المنطلق تجرى الاستعدادات لاستكمال جميع الوثائق اللازمة للبدء بدراسة أضابير لتصنيع مستحضرات سرطانية من خلال اعتماد آلية محددة سواء لقبول طلبات التصنيع لمستحضرات دوائية جديدة أومعايير محددة لكل من المعامل أو المستحضرات المطلوب تصنيعها بالإضافة إلى بعض الأدوية النوعية الأخرى مثل مادة الاريتروبيوتين.
أسعار الدواء
وعن آلية تسعير الأدوية أكدت الدكتورة رزان سلوطة مديرة الدراسات الدوائية: بالنسبة لأسعار الأدوية فإنها تعتمد على سعر المادة الأولية، يضاف إليها عدة تكاليف تتضمن التصنيع والعبوات الخارجية والنشرة الدوائية، بعدها يعرض السعر على اللجنة الفنية للدواء لكي يتم اعتمادها. وإننا في الوزارة نأخذ بالحسبان سعر بلد المنشأ لهذا الدواء وأسعار الدول المجاورة لذلك تعد أسعار الأدوية في سورية أقل من مثيلاتها في دول الجوار.
وأكد نقيب صيادلة سورية أن الأدوية الوطنية والمواد الأولية المستوردة مراقبة بشكل جيد من قبل مخابر وزارة الصحة، وتتابع مراحل تصديره في التصنيع والتعليب والحفظ والنقل والتوزيع ويقدم إلى مواطننا بالسعر المخفض لأن الدواء مثل الغذاء، حيث يذكر أن سعر هذا الدواء المصدر منه إلى الخارج يوزاي أسعار الأدوية المماثلة له من الدول المصنعة الأخرى.
د. مازن الحمصي نقيب صيادلة ريف دمشق قال: إن المحافظة على سعر الدواء المحلي كان على حساب الصيادلة، حيث إن الشركات أوقفت جميع الهدايا التي كانت تقدمها للصيادلة، فالصيدلي هو الشخص الوحيد الذي يلتزم بالتسعيرة ويقدم نصائحه واستشاراته للمواطنين مجاناً. بدورها قالت مديرة شركة تاميكو الدكتورة ناهدة أندورة: لاشك أن هناك صعوبات ومنافسات من القطاع الخاص إلا أن الشركة بقدرتها التنافسية تمكنت في العام 2011 من تصدير (111) ألف علبة أغذية أطفال إلى الأردن واليمن بقيمة (198) ألف دولار كما صدرت (1.8) مليون وحدة أدوية بشرية إلى الأردن واليمن والسودان بقيمة (65) ألف دولار علماً ان الشركة حققت أرباحاً في عام 2011 بلغت نحو (300) مليون ليرة سورية.
وبشأن الإستراتيجية الحمائية التي تقوم بها الوزارة بشأن المحافظة على الدواء المحلي قالت سلوطة: نعمل على عدم تسجيل أي مستحضر أجنبي يوجد له مشابه محلي إلا إذا كان المستحضر الأصيل المرجعي، كما نقوم بتسهيل اجراءات الترخيص للمواد الدوائية وإعطاء موافقات تصنيعية للأدوية النوعية.
عدم تبديل الدواء
ورغم كل ما قيل عن الدواء الوطني وفعاليته في السوق لا تزال هناك عقدة لدى المواطن بتقبل الأدوية الأجنبية ظناً بفاعلية أكبر ما يؤدي لصرف الدواء الأجنبي من قبل الأطباء لدى مرضاهم؟
في هذا السياق أجاب د. الحمصي: لا أعتقد ذلك ومن خلال ممارستي للمهنة وجدت أن بعض الزملاء الأطباء -وهنا أقول البعض وليس الكل يصرّون على كتابة الدواء الأجنبي على وصفاتهم، ويتمنى على الصيدلـي (عدم التبديل) ومرد هذا الإصرار يكون لاعتقاد الطبيب أن حالة المريض تكون قد وصلت لمرحلة معنّدة تحتاج لدواء أجنبي أو لأنه درس في هذه البلدان وهو يثق بفاعلية الدواء من خلال التجربة العملية، أما بالنسبة لنا نحن الصيادلة فنفضل أن تقوم وزارة الصحة بالسماح باستيراد الأدوية التي يحتاجها المريض وبذلك نضمن الدواء الجيد غير المزور.
وتابع قائلاً: بطبيعة الحال فإن هذه الأدوية لن تنافس الدواء المحلي أقلها بالسعر والذي سيكون غالباً أكثر من خمسة أضعاف سعر الدواء السوري، ومن ناحية أخرى وجوده سيؤدي إلى الاجتهاد في تطوير الدواء الوطني لأنه وبكل صراحة يلجأ المواطن إلى شراء حاجته من الدواء الأجنبي بطرق غير مشروعة وهذا ما يعرضه لشراء الأدوية المزورة.
ولفت الحمصي إلى أن عدداً من الأطباء غير المسؤولين يصفون لمرضاهم مستحضرات أجنبية غير متوفرة في السوق المحلية وبالتالي يضطر المريض لإحضارها بطريقته الخاصة التي قد تكون غير آمنة وتحمل مخاطر متعددة.
إجراءات متشددة لحماية المريض
وفي إطار حماية المواطن من حالات الغش والحفاظ على الصحة العامة صدر المرسوم التشريعي رقم /24/ لعام 2010 هذا ما أشارت إليه المحامية سونيا خضرة بفرض عقوبات على كل من يقوم أو يشترك عن قصد بتزوير المنتج الطبي أو الاتجار به بالأشغال الشاقة من خمس إلى عشر سنوات وبغرامة تعادل ضعفي قيمة المواد المصنعة على أنها صحيحة وألا تقل الغرامة عن خمسة ملايين ليرة سورية، وفي حال تسبب المنتج الطبي المزور بالوفاة أو عاهة دائمة أو بضرر على صحة الأشخاص يحكم بالأشغال الشاقة عشرين سنة وبغرامة تعادل ضعفي قيمة المواد المصنعة على أنها صحيحة وألا تقل الغرامة عن عشرة ملايين ليرة.
ويعاقب بالأشغال الشاقة من ثلاث إلى خمس سنوات وبغرامة تعادل ضعفي قيمة المواد المصنعة المزورة للعموم ولا تقل عن مليون ليرة كل من يتدخل عن قصد في تصنيع المنتج الوطني المزور أو (تجهيزه، تعبئته، تغليفه، الاتجار به، توزيعه) كما تضاعف عقوبة من يقوم أو يشترك بالمخالفات المنصوص عليها سابقاً من ذوي المهن الطبية ويسحب ترخيصه بقرار من الوزير ويمنع من مزاولة المهنة ويعاقب كل من قام بالترويج أو الإعلان بالوسائل كافة لمنتج طبي مزور وهو يعلم بأنه مزور بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة مئة ألف ليرة سورية.
ولذلك تجدر الإشارة إلى ضرورة استيراد كافة الأدوية التي يحتاجها المواطن بالطرق النظامية حتى ولو كان يوجد مثيلٌ لها من الأدوية الوطنية، لأن الدواء الوطني حتماً سيكون أرخص من الدواء المستورد، وبذلك نحقق طرفي المعادلة، تلبية حاجة المواطن من جهة، والمحافظة على دعم الصناعة الوطنية من جهة أخرى، ورغم حيوية هذه الصناعة المحلية إلا أننا بحاجة للمزيد من الدعم لتطويرها وازدهارها.