قال مسؤول إقراض التمويل الصغير في مؤسسة تمويل إنمائية إلياس سلوم لـ«الوطن»: «إن ارتفاع معدلات المخاطرة الائتمانية يعتبر من العقبات التي تعترض عمل مؤسسات التمويل الصغير ولاسيما في ظل الظروف الحالية التي تعيشها سورية حيث تأثر عمل مؤسسات التمويل الصغير بهذه الأحداث وخاصةً في المناطق التي تشهد بعض الاضطرابات، موضحاً أن قدرة المقرضين على السداد انخفضت مع انخفاض معدلات دخولهم وارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض القوة الشرائية، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع كبير في معدل المخاطرة الائتمانية، ما جعل مؤسسات التمويل الصغير في سورية تنهج سياسات التحفظ في الائتمان، والعدول المؤقت عن عملية التوسع في الإقراض والتحفظ فيه بل تخفيض مبالغ القروض أيضاً».
وأضاف سلوم: إن من العقبات التي تواجه عمل مؤسسات التمويل الصغير بشكل عام ضعف الثقافة المصرفية في المناطق الفقيرة التي تتم تغطيتها في سورية، إضافة إلى المعارضة التي تواجهها من بعض الأفراد لدواع دينية، موضحاً أنه رغم العقبات فقد ساهمت مؤسسات التمويل الصغير برأيه بشكل كبير في نشر الثقافة المصرفية بين الناس في المناطق التي تم استهدافها بعملية الإقراض وفق خطط وإستراتيجيات كل مؤسسة، حيث وفّرت مؤسسات التمويل الصغير فرصاً للعملاء لاكتساب المعرفة المصرفية من خلال تفاعلهم معاً.
ويرى سلّوم أن مؤسسات التمويل الصغير تسعى جاهدةً لتجاوز العقبات التي تعترض عملها، ولاسيما أن هدفها لا يركّز على تحقيق الربح فحسب، بل يقدّم برأيه رسالة اجتماعية تساهم في عملية التنمية من خلال دعم المشاريع الصغيرة مالياً حتى تدر دخلاً أفضل لأصحابها وتخلق فرص عمل جديدة ومستدامة، إضافة إلى تمكين المرأة وجعلها تشترك في العملية التنموية.
ويعتقد سلّوم بالمقابل أن الظروف التي تشهدها سورية ستجعلها تربة خصبة للتمويل الصغير، مع ازدياد معدلات البطالة وزيادة حاجة الفقراء إلى تمويل مشروعاتهم والبحث عن فرصة عمل.
وأشار سلّوم إلى وجود أربع مؤسسات تعمل حالياً في حقل التمويل الصغير في سورية، تقدم خدماتها المالية للفقراء، مبيناً أن مختلف أنواع القروض التي تقدمها هذه المؤسسات يستفيد منها عدد لا بأس به من الفقراء والمهمشين، وتشمل هذه القروض تلك الممنوحة لأصحاب المشاريع الصغيرة (الورش الصغيرة، والمحال التجارية والخدمية)، وتهدف إلى زيادة دخل أصحابها وخلق فرص عمل مستدامة، وهناك قروض تستهدف النساء القائمات على مشاريع منزلية، بهدف تمكين المرأة وإقحامها في العملية التنموية، إضافة إلى القروض التي تمنح لفئة الشباب العاطلين عن العمل بهدف إنشاء مشاريع صغيرة خاصة بهم ومدرة للدخل.
وبيّن سلوم أن التمويل الصغير يعتبر إحدى الأدوات الناجعة التي يستخدمها الكثير من البلدان النامية في دعم عملية التنمية الشاملة، ويهدف بشكل أساسي إلى التخفيف من حدة الفقر، وتخفيض معدلات البطالة، إضافة إلى إقحام الفئات المهمشة في العملية التنموية».
وأضاف سلوم: إن مؤسسات التمويل الصغير تعمل عادةً على توفير الخدمات المالية ولاسيما خدمات الائتمان والادخار والتحويلات المالية، وتوفير هذه الخدمات للعملاء الفقراء النشيطين اقتصادياً غير القادرين على الحصول على الخدمات المماثلة التي تقدمها مؤسسات مالية رسمية، وعليه تحاول مؤسسات التمويل الصغير بهذا النهج التغلب على أحد المعوقات الرئيسية التي يواجهها الفقراء المتمثلة في ندرة الفرص أمامهم للحصول على القروض والخدمات المصرفية الأخرى التي تقدمها عادةً النظم المصرفية الرسمية.
وأوضح سلّوم ارتكاز عمل مؤسسات التمويل الصغير على ثلاثة معايير رئيسية يسميها خبراء التمويل الصغير المثلث الحرج ويشمل الوصول إلى الفقراء، والاستدامة المالية، وتحسين رفاهية الفقراء، ويمثّل معيار الوصول إلى الفقراء الغرض الذي أنشئت على أساسه مؤسسات التمويل الصغير من خلال تقديم الخدمات المالية إلى الفقراء الذين لا يستطيعون الاستفادة من هذه الخدمات من خلال المؤسسات التقليدية- على حين يهتم معيار الاستدامة المالية بقدرة مؤسسة التمويل الصغير على تغطية نفقاتها المالية والإدارة والديون المعدومة بنفسها دون الاعتماد بشكل كبير على موارد خارجية كالمنح المالية، ولذلك تقوم هذه المؤسسات بفرض معدلات فائدة معينة على القروض، واستثمار الكتلة النقدية التي يتم ادخارها من العملاء، واستخدام الفائض المتحقق في تطوير خدماتها المالية والتوسع في عملية الإقراض وفي تقديم الخدمات المالية الأخرى، أما المعيار الثالث فيسعى لمعرفة الأثر على رفاهية الفقراء وضمان تحقق التحسن في مستوى معيشتهم وشعورهم بالإنجاز والتفوق. ويرى سلّوم أهمية دعم التمويل الصغير في سورية كونه إحدى الأدوات الفعالة في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وضرورة الاستفادة من تجارب بعض الدول النامية التي حققت قفزات نوعية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية معتمدة على دعم المشاريع الصغيرة ودعم الفئات الفقيرة والمهمشة وإشراكهم في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفي سياق متّصل قال مختص في التمويل الدولي: إن سورية تحتاج لتوسيع الاستفادة من التمويل الصغير أفقياً وشاقولياً، أي توسيع النطاق الجغرافي والقطاعي أيضاً ليشمل كل القطاعات الاقتصادية من زراعة وصناعة وخدمات، لاسيما أنها لا تزال بكراً في كل هذه القطاعات وتتمتع بثقافة فردية ذات نزعة عالية للاستقلالية في مجال الأعمال.
وأضاف: إن العديد من الدول حققت مستويات عالية في متوسط دخلها الفردي وأرقاماً مهمة في الناتج المحلي الإجمالي، ما كان لها أن تحققها لولا نجاحها في تنمية المشاريع الصغيرة ومن ثم نجاحها في تمويلها أيضاً.
وتساءل قائلاً كيف لنا أن نتحدث عن تنمية ونمو في ظل معدلات بطالة مهمة تشكل تحدياً حقيقياً أمام زيادة الإنتاج والدخل في سورية، موضحاً أنه لا يمكن بحال من الأحوال تصور أي حل لا يدمج الفئات الفقيرة والمهمشة المحتاجة للعمل والتي يقع على عاتقها بكلمة أخرى عبء زيادة الناتج المحلي الإجمالي وزيادة معدلات النمو، وفي حال تم تجاهل هذه الأولوية فإن البديل هو أنها ستكون عبئاً على الاقتصاد يستهلك أي زيادات تتم في الناتج.
وأوضح أنه يجب إيلاء تمويل المشاريع الصغيرة الأولوية في هذه المرحلة حتى لو اضطرت الدولة إلى إنشاء مؤسسة خاصة بهذا التمويل تقوم بتقديم الدعم المالي والمعرفي والحرفي والإداري، تتوجه هذه المؤسسة برأيه لدعم كل من هؤلاء المحتاجين للعمل كأولوية، بالإضافة إلى دعمها لتوسيع الأعمال الصغيرة القائمة، مع تقديم خدمات أخرى لهذه الأعمال كالدراسات والتدريب وخدمات التسويق.
مؤكّداً أن بناء اقتصاد قوي يتطلب استثمار جميع عوامل الإنتاج الموجودة في الاقتصاد وأهمها العامل البشري وتوجيهها نحو العمل المثمر بحيث لا يُرى فيه حالات البطالة بجميع صورها المقنعة والموسمية وغيرها إلا كحالة مؤقتة يتم التعامل معها بكل الجدية.
وبيّن أن على الدولة إيجاد الآليات والطرق المناسبة للتعامل مع الظروف التي تمر بها سورية حالياً والتي أثرت على التمويل الصغير لاسيما بسبب ارتفاع المخاطر الائتمانية من ناحية وانخفاض قدرة المقترضين على السداد بسبب الغلاء وارتفاع نفقات المعيشة وقلة الأعمال.
وأشار إلى أنه يجب تشجيع التمويل الصغير وتوجيهه نحو القنوات الاستثمارية الصغيرة المولدة للدخل وفرص العمل والارتقاء به إدارياً وتنظيمياً ليكون رديفاً أساسياً للاقتصاد بعد إهماله لفترة طويلة من الزمن بحيث تعود له الحياة ويسهم في تسريع وتائر التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية.