ليست القضية الوحيدة المنظورة أمام القضاء الاداري لوزارة الصناعة, بل هناك العديد منها مازالت منظورة أمامه تمتد لعدة سنوات في المحاكمة والتحكيم.
ولكن أن تربح وزارة الصناعة قضية التحكيم في الدعوة المنظورة أمام القضاء الإداري المقدمة من شركة أي دي اف مان الانكليزية ضد المؤسسة العامة للسكر حول تنفيذ العقد 45/5 للعام 2005 لشراء 40 ألف طن من السكر تعد مسألة في غاية الأهمية.
وقبل أن تربح مؤسسة السكر التابعة لوزارة الصناعة هذه القضية مرت بعدة مراحل تحمل الكثير من الاسئلة والاستفسارات حول الطريقة والإجراءات التحكيمية وتاليا نعرض هذه الخطوات وصولاً للقرار النهائي لمجلس الدولة بالقضية:
البداية: رفع الدعوة
بتاريخ 23- 3- 2011 أقامت شركة أي دي اف مان الانكليزية المذكورة دعواها أمام القضاء الاداري طالبت فيها إلزام المؤسسة العامة للسكر باللجوء إلى التحكيم وتسمية محكمها وبالرغم من عدم وجود شرط تحكيمي ملزم للطرفين في العقد 45 للعام 2005 إلا أنه صدر القرار رقم 1369/3 للعام 2012 بقبول الدعوى شكلا ًومضموناً وتثبيت تسمية محكمي الطرفين في لجنة التحكيم وقد تم الطعن بالقرار المذكور من قبل إدارة قضايا الدولة ومن قبل المؤسسة العامة للسكر وصدر في الطعن رقم 14490/1 المقدم من إدارة قضايا الدولة القرار القاضي بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وتصديق الحكم الطعين.
أما الطعن المقدم من المؤسسة العامة للسكر فمازال قيد النظر بالدعوى رقم أساس 14536/1 وجلسته كانت في 18- 11- 2013.
المباشرة بالتحكيم
وبالتالي قبل صدور القرار في الطعن 14490/1 وقبل اكتساب القرار رقم 1369/3 للعام 2012 الدرجة القطعية والقاضي بتسمية محكمي الطرفين باشرت لجنة التحكيم المؤلفة من المستشار توفيق البابا رئيساً والمستشار توفيق الناشف محكم الشركة الانكليزية وفدوى محمود مديرة الشؤون القانونية في وزارة الصناعة (سابقاً) محكماً عن وزارة الصناعة وباشرت اللجنة أعمالها وحددت أول موعد للبدء بعملية التحكيم.
السكر في موقع التحفظ
وبتاريخ 2- 12- 2012 تقدمت المؤسسة العامة للسكر بمذكرة لهيئة التحكيم تحفظت فيها على البدء بالتحكيم كون القرار الصادر عن محكمة القضاء الاداري بتسمية المحكمين لم يكتسب الدرجة القطعية وتم الطعن به.
وإن المؤسسة التمست من الهيئة تأخير النظر في التحكيم لحين صدور قرار مكتسب الدرجة القطعية بتسمية المحكمين إلا أن لجنة التحكيم لم تصغ لهذا الطلب وباشرت التحكيم فوراً وقررت إجراء الخبرة الفنية لبيان مقدار الضرر الذي لحق بالشركة طالبة التحكيم في حال وجوده.
وبتاريخ 17- 12- 2012 أودع الخبير تقريره إلى لجنة التحكيم وجاءت الخبرة لمصلحة المؤسسة العامة للسكر بشكل تام حيث جاء في الخلاصة مايلي:
إن الجهة طالبة التحكيم هي متعهد مرشح وليس متعهداً حسب التعاريف المشار اليها في المادة.
1- من نظام العقود رقم 51 للعام 2004 والمادة 24 من مشروع العقد قد حدد المباشرة بفتح الاعتماد المستندي وإن سلوك المؤسسة العامة للسكر في عقود سابقة من حيث قيامها بقبول شحن البضاعة قبل فتح الاعتماد المستندي لنفس الجهة طالبة التحكيم أو لغيرها لا يلبي مطلب الشركة المتعهدة بالتعويض على الضرر الذي لحق بها نتيجة قيامها بشحن البضاعة قبل فتح الاعتماد المستندي.
أما ما أشارت إليه طالبة التحكيم حول فسخ العقد وإلزام الادارة بالتعويض حسب الفقرة (ج من المادة 60 من قانون العقود الصادر بالقانون رقم 51 للعام 2004) فإن هذا النص لا يسعفها بالمطالبة بالتعويض باعتباره نصاً ينطبق على المتعهد حصراً وليس على المتعهد المرشح.
2- وعلى الرغم من كل ما ورد سابقا وماورد في تقرير الخبرة الفنية فقد أصدرت لجنة التحكيم قرارها بتاريخ 4- 3- 2013 القاضي بقبول طلب التحكيم شكلاً وموضوعاً وأحقية الشركة طالبة التحكيم بتقاضي مبلغ مقداره مليون يورو من المؤسسة العامة للسكر والمحتكم ضدها لقاء الأعباء التي تحملتها بموضوع بيع كمية 40 ألف طن من السكر للمؤسسة العامة للسكر.
وان قرار التحكيم المذكور سابقا صدر مخالفا للقانون والاجتهاد إن كان بإجراءاته الشكلية أو فيما توصل إليه من حكم, وبالتالي فان شكل هيئة التحكيم جاء مخالفاً للقانون باعتبار الهيئة باشرت إجراءات التحكيم قبل صدور قرار قطعي بتسمية أعضائها وهو ما تمت إثارته في جميع مراحل التحكيم وفي الطعن المسجل لدى المحكمة الإدارية العليا وإن ما توصل إليه الحكم من إلزام المؤسسة العامة للسكر بمبلغ مليون يورو جاء مخالفاً للخبرة الفنية.
القرار النهائي
وبالتالي هذه الحقائق والمخالفات تم وضعها أمام رئيس مجلس الدولة لإحقاق الحق والنظر في طبيعة القرارات وطريقة التحكيم والقرار الصادر بحق المؤسسة والذي يخسر خزينة الدولة المبلغ المذكور سابقا من دون وجه حق..!؟
القضية بمجملها وضعت أمام المحكمة الادارية العليا بهيئتها المشكلة من المستشارين الدكتور محمد يوسف الحسين رئيس مجلس الدولة رئيساً وعضوية كل من نبيل كرابيلي وجهاد دمشقي وحضور مساعد المحكمة سامر الشيخة.
حيث ناقشت الهيئة المذكورة جميع ملابسات القضية ودراسة المعطيات المتوفرة والمقدمة اليها من قبل الجهتين المعنيتين بالقضية وبعدها خلصت المحكمة إلى قبول كل من الطعنين شكلا وقبول طعن المؤسسة العامة للسكر موضوعا وإلغاء الحكم التحكيمي الطعني وقبول طلبات الجهة طالبة التحكيم شكلاً ورفضها موضوعاً.
إضافة لرفض طعن شركة أي دي أف مان موضوعاً ومصادرة رسمه وبدل كفالته وإعادة رسم وبدل كفالة الطعن إلى الجهة الطاعنة المؤسسة العامة للسكر وتضمين الجهة المطعون ضدها والطاعنة ايضاً شركة أي دي اف مان ألف ليرة مقابل أتعاب المحاماة.
وبهذا القرار استطاعت المؤسسة العامة للسكر الخلاص من أعباء مادية تقدر قيمتها بحوالي مليون يورو في الوقت الذي هي بأمس الحاجة له لتأمين مادة السكر وتشغيل معاملها.