بعد سنوات من الحديث المتواصل والمتكرر حول إصلاح القطاع العام الصناعي لم يتوصل المعنيون إلى حل لغز التطوير فقد كانت الحلول والمعالجات تتسلل من أوراق قراراتهم كما تفعل المياه من بين أصابع اليد ولن نحتاج إلى الكثير من الجهد والبحث عن الدلائل لنثبت صحة ذلك كونها حاضرة وموجودة في معظم شركات القطاع العام التي تستمر معاناتها رغم سيل التصريحات الحكومية التي تؤكد أهمية دور القطاع العام وضرورة تحديثه. وتعرض جريدة البعث أمثلة لتأكيد ما جاءت به:
أهداف تسمى إستراتيجية!
حددت وزارة الصناعة أهدافها الإستراتيجية في مجال تطوير شركاتها العامة وقسمت تلك الشركات إلى رابحة وحدية وخاسرة غير مجدية ويمكن اعتبار هذا التصنيف منطقي إذا ما نظرنا إلى وضع بعض الشركات المتعثرة بسبب طبيعة إنتاجها الذي لم يعد له مقومات الوجود في السوق..
ولكن المفارقة أن بعض الشركات التي صنفت على أنها حدية ويجب دعمها وتطويرها أصبحت تعاني من العقبات المالية والإدارية التي تحول دون تطورها ومنها الشركة العامة للإطارات التي استنجدت بالجهات المعنية لتأمين مستلزمات الإنتاج من مواد وقطع تبديلية وتنفيذ خططها الاستثمارية إلا إن ذلك لم يلقَ أي اهتمام او استجابة في ظل ما يمكن ان نسميه تقصيراً متعمداً للإجهاز على هذه الشركة بكل مقوماتها الاقتصادية والاجتماعية.
البحث عن السيولة !
العديد من المذكرات التي تثبت أن الشركة العامة لصناعة الإطارات كانت تحتاج بشكل دائم إلى السيولة لتأمين مستلزمات الإنتاج من مواد أولية وقطع تبديلية وتنفيذ الخطط الاستثمارية ولكن إهمال ذلك أدى وحسب المذكرة المرفوعة من المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية إلى وزارة الصناعة إلى عجزها الكامل وتوقفها حيث أكدت المؤسسة في مذكرتها رقم 50 /751 تاريخ 7/3/2012 على كتابها رقم 70 /751 تاريخ 27/2/2012 المتعلق بموضوع الدراسة الاقتصادية والمالية التي أعدتها الشركة حول منحها سلفة مالية قدرها 700 مليون ل.س لإعادة تشغيل الشركة المتوقفة عن العمل منذ شهر نيسان 2011 إضافة إلى كتاب الشركة رقم 132/50/تاريخ 4/3/2012 والمتضمن عدم قدرة الشركة على دفع أجور العاملين لديها اعتباراً من الشهر القادم بسبب انعدام مصادر التمويل التي كان يتم تأمينها لدفع هذه الأجور .
واستندت المؤسسة في مذكرتها على قرار رئاسة مجلس الوزراء رقم 18398 تاريخ 29/12/2011 الخاص بتفويض وزارة المالية بمنح الشركات المتعثرة التابعة للمؤسسة العامة الهندسية والكيميائية سلف من أموال الخزينة الجاهزة لتسديد رواتب وأجور العاملين لدى الشركات التابعة لها وذلك من أجل مطالبتها وزارة المالية لدفع رواتب وأجور العاملين لدى شركة الإطارات والبالغة 12 مليون ل.س شهرياً وذلك لحين صدور القرار اللازم لمنحها السلفة المطلوبة /700/مليون ل.س.
دومينو التساقط
الشركات العامة التي تتنادى بحثاً عن منقذ تواصل عملية تساقطها في مستنقع الخسائر والتوقف عن الإنتاج فكتاب الشركة العامة لصناعة وتوزيع الآليات الزراعية رقم 325 / م / 3 تاريخ 9/2/2012 الى المؤسسة الهندسية يعيد إلى الأذهان تلك الشعارات غير المقرونة بدعم حقيقي على أرض الواقع وبقراءة مشكلات بعض الشركات الخاسرة تتضح معالم الحلقة الضائعة المتمثلة في حقيقة من هي الشركات الخاسرة فعلياً ومن هي الشركات المخسرة بقصد، وبالتالي يمكن معرفة آلية انتقاء الشركات الخاسرة أو الحدية وفهم آلية دعمها ولنا مثال واضح في واقع شركات بردى والألمنيوم والمحركات والأحذية وغيرها من الشركات التي حجبت عنها وزارة الصناعة الدعم المالي وتركتها تحت رحمة وزارة المالية بذريعة عدم جدوى بعض الصناعات في القطاع العام .
إذاً في الوقت الذي تعاني فيه شركة الإطارات من فيروس الخروج من الساحة الإنتاجية تأتي شركة الجرارات لتؤكد حاجتها الماسة الى الإطارات لإنتاج الجرارات نظراً لعدم استطاعة السوق تلبية احتياجاتها من هذا المنتج وارتفاع أسعارها بشكل يومي وتطلب الشركة مساعدتها في توجيه معمل إطارات حماة لإنتاج الإطارات الزراعية الخاصة بالجرار الزراعي من قياسات (/14/30 و750 /16) وعدم بيعها لأي جهة أخرى إلا بعد تلبية حاجة الشركة من الإطارات كونها ذات جودة عالية أكثر من أي نوعية موجودة في السوق المحلية وذلك لتأمين الجرارات المكتتب عليها من الفلاحين وبما يخدم تنفيذ وتحقيق الخطة الإنتاجية فيها.فكيف تنظر الجهات المعنية لهذه المفارقة ؟.
تصدير العمالة
كالعادة في مثل هذه الحالات يواجه العمال المصير ذاته فإخراجهم من داخل أسوار الشركة وإلحاقهم بعمل جديد والتنازل عن خبراتهم سيكون من أفضل الحلول الآنية المتوفرة لدى الجهات المعنية التي تصدر مشكلاتها من شركة لأخرى مع اختلاف بسيط مع بعض الجهات التي تنطلق في اقتراحاتها من مصلحة العمال فاتحاد عمال محافظة حماة أشار في كتابه رقم 166 /ص ع تاريخ 25 /3/2012 إلى توقف العمل في شركة الإطارات منذ 8/4/2011 بسبب فقدان المواد الأولية اللازمة للتشغيل وكذلك السيولة المالية بسبب الخسائر المتراكمة منذ سنوات ولذلك يؤكد على مقترح نقابة الصناعات الكيميائية بفرز عمال الشركة إلى معامل المدن والبلديات ودوائر الدولة كل في منطقة سكنه والبالغ عددهم /400/عامل
صرخة أمل
من المؤلم القول: إنه رغم الضرورة الملحة بكافة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية و التي لا تحتمل التسويف أو التأجيل لتطوير و تحديث الصناعة إلا أن ذلك يذهب دائماً مع موجات التطوير الصناعي التي لم توصل شركات القطاع العام إلى أي ضفة وبقيت تصارع خسائرها بانتظار قرار الرحمة، وهنا نسأل الجهات المعنية عن مصير عمليات التأهيل التي قامت بها في شركة الإطارات بما فيها استبدال جزء من القوى العاملة خلال السنوات الماضية وعن مدى الجدية في منحها السلفة التي يمكن أن تطيل في عمرها فقط ولن تكون حلاً نهائيا..؟!
فهل تعيش شركاتنا وهم الانطلاقة الجديدة على دروب السراب التطويري بعد أن بدأت الجهات المعنية بمراسم التأبين لهذه الشركة العامة التي ذاب تاريخها وجودة منتجها في زحمة الانفتاح الاقتصادي الذي أعلن الحجر التنافسي على منتجاتها ، وهل ننشر أوراق نعي هذه الشركة وغيرها من الشركات العامة التي أشبعت وعوداً فرسمت مصيرها ومستقبل عمالها تطويرا على وجه الماء..؟!