دخلت العلاقات الروسية العربية مرحلة جديدة بعد 1991 واليوم حجمها 8 مليارات دولار
منذ العام 1991 ألغيت وتوقفت العلاقات الاقتصادية، بين روسيا والعالم العربي، وذلك على خلفية تطورات الوضع في شمال القوقاز، وإبان تفكك الاتحاد السوفياتي السابق، استثمرت روسيا في عدد كبير من المشاريع التنموية، في العالم العربي التي بلغت قيمتها الاجمالية أكثر من 100 مليار دولار، بالأسعار الجارية آنذاك. أما اليوم فيقدر إجمالي حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية، بحوالي 8 مليارات دولار. ولروسيا علاقات مع معظم الدول العربية، الاّ ان سوريا تعتبر الشريك الأكبر لديها.
التبادل التجاري بين روسيا وسوريا بلغ ملياري دولار
بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين روسيا الاتحادية والجمهورية العربية السورية قرابة ملياري دولار، وفق ما صرّح به السيد ميخائيل ميدفيديف، وفق بيان صادر عن السفارة الروسية، وهذا مؤشر من أفضل المؤشرات في تاريخ التبادل التجاري بين البلدين وهو قريب من مؤشر عام 2008. ونمو حجم التبادل التجاري بين روسيا وسوريا سُجل بشكل رئيسي في الأرباع الثلاثة الأولى من العام، إلا أن ديناميكية الربع الأخير من العام أظهرت تراجعاً ملحوظاً مقارنة بما تم تحقيقه في المرحلة السابقة من العام. هنا ظهرت تأثيرات تلك العقوبات الاقتصادية التي أعلنتها دول غربية وخليجية وحلفاؤها ضد سورية، وذلك نظراً لظهور صعوبات في نقل المنتجات، وصعوبات في تصدير المعدات والتقنيات المعقدة ، مثلاً قد تكون 10% من القطع المستخدمة في تصنيع معدات ثقيلة ما من صنع أميركي، في هذه الحال لا يملك المنتج حق تصدير معداته إلى سورية بسبب العقوبات. وقال: "لو تابعنا ديناميكية التبادل التجاري للعام 2011، فيجب علينا أن نؤكد بأنه وعلى الرغم من الوضع الصعب في سورية نتيجة العقوبات الاقتصادية والمالية، وحول المشاكل التي تعترض درب توسيع التعاون التجاري بين البلدين في المرحلة الحالية أشار السيد ميدفيديف إلى أن "هناك مشاكل جدية جداً في ما يتعلق بالحوالات المالية، التحويل إلى سورية ومنها يواجه صعوبات جدية بسبب العقوبات. حيث نواجه صعوبة في تحويل الأموال إلى سورية لتسديد ما علينا من التزامات، كما يواجه الجانب السوري ذات المشكلة". وقد ظن البعض أن إضافة الروبل الروسي إلى سلة العملات السورية قد يقدم حلاً لهذه المشكلة، إلا أن الأمر معقد أكثر مما توقع البعض. وقد بلغ حجم صادراتنا إلى سورية في عام 2011 قرابة 2 مليار دولار، وفي العام الفائت الذي نشير إلى أنه كان عاماً موفقاً للسوريين، بلغت قيمة الصادرات السورية إلى روسيا، حسب المعطيات الإحصائية لدى الجانب الروسي، 48 مليون دولار. التعاون التجاري الروسي-السوري لا يقتصر على التعاون الحكومي، وهناك حركة تجارية نشطة بين المصنعين السوريين، ولاسيما في مجالات الجلديات والأقمشة ومنتجاتهما. وهذه التجارة تعاني منذ سنوات من صعوبات تعود إلى القوانين الروسية والضريبة الجمركية المرتفعة على هذا النوع من المنتجات السورية، الأمر الذي يدفع التجار من الجانبين إلى البحث عن طرق التفافية تضمن لهم استمرار التعاون بنسبة أرباح معقولة. بهذا الشأن أشار ميخائيل ميدفيديف مدير القسم الاقتصادي في السفارة الروسية إلى أن حل هذه المشكلة قد يتم عبر إقامة منطقة تجارة حرة، التي "تجري محادثات بشأنها منذ عامين، وهي الآن على مستوى الخبراء، حول إقامة منطقة تجارة حرة بين سورية ودول منظمة الاتحاد الجمركي (روسيا، بيلاروسيا وكازاخستان)، وهذا من شأنه أن يقدم حلولاً جذرية لهذا النوع من المشاكل".
روسيا والعالم العربي في مرحلة جديدة
يقول فلاديمير يفتوشينكوف، رئيس مجلس الأعمال الروسي العربي، ان موسكو قدمت مساعدة لا يستهان بها للجزائر التي شرعت بفضل العون السوفيتي في إنشاء وتطوير عدد من الصناعات مثل صناعة الطاقة والتعدين. وشيدت الجزائر عددا من المصانع ومحطة الكهرباء وأنشأت خط أنابيب لنقل الغاز بمساعدة الاتحاد السوفيتي. وفي العراق عمل موفدو الاتحاد السوفيتي في تجهيز حقول النفط في جنوب البلاد ومد خط أنابيب لنقل الغاز وتشييد محطة الكهرباء "يوسفية" وعدد من المشاريع الأخرى . واستعانت ليبيا بالخبرات الروسية لإنشاء مركز الأبحاث النووية وخطوط نقل الكهرباء وخط أنابيب الغاز وحفر نحو 130 بئرا في حقول النفط والقيام بدراسة الجوانب البيئية على مساحة قدرها 5.3 مليون هكتار، ووضع خطط تطوير صناعة الغاز وشبكات الكهرباء والمؤسسات المصنعة للماكينات، والقيام بدراسة جدوى المرحلة الثانية من مجمع الحديد والصلب في مصراتة. وفي سورية تبلغ نسبة إسهام المشاريع التي شيدت بمساعدة الاتحاد السوفيتي في إنتاج الكهرباء والنفط نحو 22 المائة ونحو 27 في المائة على التوالي. ويروي ما أقامته سورية من منشآت بمساعدة الاتحاد السوفيتي أكثر من 70 ألف هكتار من الأراضي القاحلة. وقدم الاتحاد السوفيتي قروضا لتشييد مجموعة من محطات الكهرباء وإنشاء خطوط حديدية يبلغ طولها نحو 5.1 ألف كيلومتر، وخطوط لنقل الكهرباء يبلغ طولها 7.3 ألف كيلومتر وكذلك إنشاء خط أنابيب لنقل منتجات النفط ومصنع الأسمدة وعدد من المنشآت المائية ومراكز التعليم الفني. وكانت البلدان العربية (مصر وسورية والجزائر) تسدد قيمة القروض السوفيتية في صورة سلع استهلاكية من الإنتاج المحلي. لذلك تكوّن الرأسمال الوطني المنتج في جزء كبير منه في عدد من البلدان العربية بفضل تغطية احتياجات السوق السوفيتية. وكان الاتحاد السوفيتي يحصل من البلدان العربية على المواد الغذائية – الحمضيات والفواكه والمعلبات والحلويات – والأقمشة والمنسوجات. وتوقف كل ذلك مع بدء التغيير الدراماتيكي في روسيا، إذ فرض ما اتبعته موسكو من أساليب جديدة في إدارة الدولة والاقتصاد الوطني بعد تفكك الاتحاد السوفيتي فضلا عن توجه سياستها الخارجية نحو الغرب، انفضاضا عن عدد من حلفاء الاتحاد السوفيتي التقليديين. ثم تركت تطورات الوضع في شمال القوقاز أثرها السلبي على العلاقات مع بعض البلدان العربية. وكانت النتيجة أن العلاقات الاقتصادية مع العالم العربي جمدت أو ألغيت في جزئها الأكبر بعد عام 1991. وانسحبت الدولة الروسية من مجال العلاقات الاقتصادية والتجارية مع هذه البلدان فيما لم يستطع الرأسمال الروسي الخاص أن يبدي الاستعداد للعودة إلى الأسواق التقليدية، لاسيما وأن رجال الأعمال الروس الجدد افتقروا إلى خبرة التعامل مع رجال الأعمال العرب.
الاقتصاد والسياسة
انتهزت شركة "لوك أويل" الروسية الفرصة فوقعت اتفاقية تخولها التنقيب عن النفط واستثمار حقول الغاز والمكثفات في صحراء الربع الخالي على مساحة تقارب 30 ألف كيلومتر مربع خلال أربعين سنة. وستعمل "لوك أويل" على تنفيذ التزاماتها الناشئة من الاتفاقية والتي تقدر بـ4 مليارات دولار من خلال المؤسسة المشتركة "لوكسار" التي يملك كل من "لوك أويل" وشركة "ارامكو" السعودية 80 و20 في المائة من رأسمالها. وتشهد المنطقة نموا سريعا لسوق المال وولادة مراكز مالية كبيرة. وكانت مملكة البحرين هي الأكثر نشاطا في هذا المجال في الآونة الأخيرة. وتنوي حكومتها أن تجعل من البلاد مركزا تجاريا وماليا هاما على الصعيدين الإقليمي والدولي. وتشغل البحرين المركز الثالث عالميا في الانفتاح الاقتصادي بعد هونغ كونغ وسنغافورة . وتعد دولة الكويت من أكبر مراكز النشاط الاستثماري، وفيها سوق متطورة للمال. وتعتبر دولة الكويت من أكبر مستثمري المال العام على المدى الطويل في الخارج
وأمام نزعة الليبرالية الاقتصادية والعولمة الاقتصادية أصبحت بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية تقبل على إقامة مناطق صناعية حرة. وتوجد مناطق من هذا النوع في سورية والأردن ولبنان ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر وتونس والمغرب وجيبوتي واليمن. وتجذب هذه المناطق رؤوس الأموال من البلدان الأجنبية بما فيها روسيا. وتتاح لروسيا فرص واقعية لتوسيع التعاون الاقتصادي مع البلدان العربية، وخصوصا في مجال التقنية العالية والقطاع المصرفي وفي مجال النفط والغاز وأيضا في البحث عن مكامن المياه الجوفية، وتحلية المياه وفي صناعة البتروكيماويات والحديد والصلب. ووضعت مشاريع مشتركة لإنتاج الأسمدة الكيماوية وأصناف من منتجات النفط الجانبية والأخشاب ومصنوعات الجلد ومستلزمات الصيد والقوارب والزوارق والسفن والكابلات والبيوت الخشبية والسيارات وغيرها من وسائل النقل. ويمكن ان تكون وعود المستقبل كبيرة بالنسبة للتعاون العسكري الفني.
مع تنزيه العلاقات الروسية العربية عن البعد الأيديولوجي اتسعت دائرة شركاء روسيا المحتملين، فالمصلحة الاقتصادية تستوجب الدخول في تعاون مع جميع بلدان المنطقة انطلاقا من استعدادها للتعاون وما تعرضه من سلع وخدمات بعيدا عن الشعارات السياسية .وتلعب مصر دورا محوريا بين شركاء روسيا التقليديين. وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو نصف مليار دولار في السنة وهو مرشح للارتفاع. ومن مجالات التعاون الجديدة والواعدة مجال الاتصالات وتقنية المعلومات. ومن أبرز أمثلة الدول التي يتم ترميم علاقات روسيا معها وإنشاء علاقات جديدة، لبنان. وتنصب الاهتمامات على تشجيع التبادل التجاري والنشاط الاستثماري المتبادل وإقامة علاقات شراكة وثيقة بين رجال الأعمال. ويعطي الجانب اللبناني التعاون مع روسيا في مجال النفط والغاز أول اهتماماته. وأفهم الجانب اللبناني أنه يود ان تساهم روسيا في إنشاء خطوط أنابيب لنقل النفط والغاز عبر أراضيه. ويرغب لبنان أيضا في الاستعانة بالخبراء الروس في إنشاء شبكات الري والسدود. وتمثل المملكة العربية السعودية حالة متميزة، إذ كان هناك تنافر بين روسيا والمملكة السعودية على مدى نصف القرن.
مجلس الأعمال الروسي العربي
كانت مؤسسات الدولة حصرا تؤمن التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري والتبادل التجاري بين روسيا والعالم العربي والذي قدر حجمه بمليارات الدولارات قبل عام 1991. أما في المرحلة الراهنة فإنه يكبر دور القطاع الخاص، إلى جانب القطاع العام، في تعميق العلاقات الروسية العربية ، وأنيط بمجلس الأعمال الروسي العربي الذي تم تكوينه مؤخرا، تجميع علاقات روسيا التجارية والاقتصادية مع بلدان العالم العربي في منظومة موحدة وإعطاء زخم للنهوض بها إلى مرتبة نوعية جديدة . وسرعان ما صار مجلس الأعمال الروسي العربي عاملا نشطا في تطوير التعاون الروسي العربي، لاسيما وأن الغرفة التجارية الصناعية الروسية التي أسست المجلس عن الجانب الروسي يترأسها الأكاديمي يفغيني بريماكوف وهو شخصية معروفة في العالم العربي. ويتمثل المؤسس العربي للمجلس في الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية والزراعية في 22 بلدا عربيا.
تشابك العلاقات التجارية بين روسيا والمنطقة العربية
ترتبط روسيا بعلاقات تجارية واسعة مع الدول العربية تأثرت بتداعيات الأزمة المالية العالمية والاضطرابات المستمرة في العالم العربي. وفي عهد الاتحاد السوفياتي السابق استثمرت روسيا في عدد كبير من المشاريع التنموية في العالم العربي التي بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من مائة مليار دولار بالأسعار الجارية آنذاك. ويصعب تحديد حجم الاستثمارات الروسية المباشرة في الأقطار العربية حاليا لأن رأس المال الروسي يدخل إليها في حالات كثيرة عبر مناطق الأفشور وأطراف ثالثة. وتسعى الشركات الروسية في الوقت الحاضر إلى استكشاف الفرص المتاحة للاستثمار في قطاعات متعددة. ورغم توقعات خبراء خلال لقاء لمجلس الأعمال الروسي العربي الذي عقد في سان بطرسبورغ بأن يبلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 12 مليار دولار في نهاية العام 2011، فإن الأرقام الحقيقية لم تزد عن ثماني مليارات دولار بسبب أحداث الربيع العربي. وتعتبر سوريا من أكبر شركاء موسكو التجاريين والاقتصاديين بالمنطقة العربية، فالمشاريع التي جرى تنفيذها بمشاركة روسية في سوريا في عام 2009 بلغ حجمها 19.4 مليار دولار. وفي عام 2011 جدد الجانبان عزمهما تنفيذ صفقات كبيرة في مجال الأسلحة والتقنيات العسكرية بقيمة عدة مليارات من الدولارات. ورغم أحداث العام الماضي في مصر فإن حجم التبادل التجاري بين الجانبين تجاوز ملياريْ دولار. وأكدت روسيا عزمها مواصلة الاستثمار في ليبيا. كما تسعى الشركات الروسية إلى إيجاد موطئ قدم في العراق حيث تتنافس شركات النفط العالمية على تطوير صناعة النفط العراقية. واقترحت شركة لوك أويل الروسية مد أنبوب إضافي لنقل النفط من حقل غرب القرنة/2 إلى ناقلات النفط لتستطيع استخراج 95 مليون طن من النفط من هذا الحقل في السنة. كما اقترحت أن تقوم بإنشاء خط أنابيب جديد من حقل غرب القرنة/2 إلى ميناء الفاو بكلفة استثمارية تتراوح بين 500 مليون دولار و600 مليون دولار.وفي اقتراح ثالث قالت إنها على استعداد لتقوم بتطوير ميناء الفاو. كما قدمت الشركة اقتراحا آخر إلى الحكومة العراقية لإنشاء محطة لإنتاج الكهرباء تعمل بالغاز المرافق للنفط المستخرج من حقل غرب القرنة/2 بطاقة 42 ميغاواط. واستمر توجه روسيا نحو تكثيف التعاون التجاري والاقتصادي مع السعودية تدريجيا، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى 450 مليون دولار في العام الماضي. وتستحوذ الصادرات الروسية على 99% من مجمل حجم التجارة المتبادلة بين البلدين. وفي الإمارات قالت وزارة المالية الإماراتية إن مؤسسات استثمارية وصناديق ثروة سيادية من الإمارات ستعفى من الضرائب في روسيا بموجب اتفاق جرى توقيعه في عام 2011.
ويمكن القول إن الأنشطة الاستثمارية الروسية تبدأ (من المحيط) عبر سفن صيد الأسماك التي تعمل في موريتانيا والمغرب والتي لا تزال تمارس نشاطها هناك. كما أن لروسيا نشاطًا سياحيًا مع مصر وتونس والإمارات العربية المتحدة، والآن هناك نشاط سياحي مع المغرب وعمان وغيرهما من البلدان العربية. وتستثمر روسيا أيضًا في النشاط العقاري، حيث تشارك في تنفيذ مشاريع إنشائية كبرى في دولة الإمارات العربية المتحدة، مثلا. وتسعى الشركات الروسية في الوقت الحاضر إلى استكشاف الفرص المتاحة للاستثمار في قطاع التعدين في المغرب والجزائر وليبيا والسودان، وهي استثمارات مصنفة على أنها ذات مخاطر عالية
المصدر: مجلة الاعمار والاقتصاد اللبنانية