لم تمر ذكرى أيار بخير على العمال السوريين هذا العام، بل يمكن اعتبارها الأسوأ في تاريخ العمل السوري رغم مكابرة اتحاد العمال على هذه الحقيقة فيه بعيد العمل العالمي في الوقت الذي تشير فيه الإحصائيات إلى تسريح نحو 85 ألف عامل في القطاع الخاص، وارتفاع العدد الحقيقي إلى عشرات أضعاف هذا الرقم إذا ما أخذنا بالحسبان عدد العمال غير مسجلين بالتأمينات الاجتماعية، ومن هنا تبرز الحاجة للحديث عن حلول لتأمين فرص عمل للعمال المسرحين وحماية نظرائهم الذين قد يدخلون سوق البطالة إذا ما اشتدت عاصفة الأزمة.
وفي هذا الصدد يؤكد رئيس غرفة صناعة حلب المهندس فارس الشهابي لـ«الوطن» أن أفضل طريقة لخلق فرص عمل هي دعم الثقة الاستثمارية وتهيئة البيئة التي تدعم الاستثمارات وتحتضنها وخلق قرارات تدعم التصدير وتقلل من البيروقراطيات وتخفض رسوم الطاقة والكهرباء وخاصة بما يوظف المزيد من العمالة، فالدول الاسكندنافية دائماً لديها أرقام البطالة أقل من 10% لأنها تخلق فرص عمل بشكل غير مباشر عن طريق دعم الاستثمارات الصناعية تحديداً وليس بتقييد المستثمرين بقوانين جائرة، منتقداً أن مجلس إدارة المدينة الصناعية بالشيخ نجار قام وفي هذه الظروف الاقتصادية الخانقة برفع أسعار الأراضي ما سيؤدي لعزوف العديد من المستثمرين المحتملين الذين سجلوا على الأراضي بأسعار رائجة ويسبب خروج استثمارات تخلق فرص عمل كثيرة، مشدداً على ضرورة أن تعرف الحكومة عدد فرص العمل التي يخلقها كل قرار قبل إصداره، فالمستثمرون لن يتشجعوا إلا حينما تكون البيئة مشجعة في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي نمر بها والتي تفرض على الدولة أن تعطي أكثر مما تأخذ، كما يجب أن تكون أكثر مرونة تجاه الصعوبات التي يعانيها المستثمرون لا أن تضع العراقيل وتتصلب في معالجة المشاكل.
وأضاف: نحن ضد التسريح التعسفي ولكن حينما يكون بعض العمال مقصرين فيجب أن يحمي القانون رب العمل كما يحمي العامل، فالقوانين السورية كانت بالفترة الماضية تحابي العمال على حساب رب العمل وهذا يعتبر سلبياً وعائقاً للنمو الاقتصادي، معتبراً بأنه لا يمكن الطلب اليوم من رب العمل تنفيذ فكرة صناديق التعطل التي يتم الحديث عنها، على حين البنية التحتية للعمل الصناعي غير موجودة أصلاً، أضف إلى ذلك فإن الأزمة زادت من هموم الصناعي كما أن نسبة التأمينات في سورية من أعلى النسب في العالم ولا يمكن إضافة رسم صندوق البطالة إليها، ولكن يمكن أن تذهب نسبة من رسوم التأمينات لصندوق مؤقت يحفز العاملين ويشجعهم على البحث عن عمل آخر.
في هذه الأثناء اعتبر نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال عزت الكنج لـ«الوطن» أن تسريح العمال بالآلاف في الأزمة يعتبر تحدياً كبيراً اليوم أمام نقابات العمال. وقال: سنضغط اليوم في الاتحاد لتكون سياسات الحكومة الاقتصادية مبنية في المرحلة المقبلة على أساس إيجاد فرص عمل والحد من الفقر وتحسين مستوى المعيشة والبدء بإصلاح القطاع العام، وفي الوقت نفسه سنعمل مع الحكومة على ترتيب أولويات الشأن الاقتصادي لتحقيق العدالة في توزيع الثروة والحماية الاجتماعية والشرائح الواسعة لجماهير شعبنا مدركين بأن بلدنا يواجه حصاراً اقتصادياً، لذا لابد من زيادة الإنفاق العام حتى نستطيع من خلاله خلق فرص عمل وتنمية حقيقية في البلد، واصفاً المحكمة العمالية الموجودة في قانون العمل رقم 17 بأنها معطلة لأنها تشترط حضور القاضي وممثل عن رب العمل وعن العمال وهذا أمر صعب تحقيقه، ومن هنا فإن الاتحاد يسعى مع الجهات المعنية - كما قال - لتعديل قانون العمل الذي أتاح لرب العمل تسريح عماله، وإلغاء المادة التي تسمح بالتسريح التعسفي.
من جهته ينتقد رئيس جمعية الموارد البشرية IHRAM د. منير عباس في حديثه لـ«الوطن» صرف الآلاف من الليرات على احتفالات عيد العمال بدلاً من توزيع هذه الأموال على العمال أنفسهم، معتبراً أن الفترة الماضية شهدت ظلماً كبيراً على العمال وكان يفترض وجود صندوق بطالة حيث يذهب جزء من نسبة التأمينات الاجتماعية لهذا الصندوق، كما يفترض بقانون العمل أنه لا يمنع التسريح التعسفي وأن يأخذ كل حالة تسريح على حدة، كما كان يفترض تنشيط ما يسمى الصناديق التعاونية حيث يشترك الموظفون شهرياً بدفع مبالغ يودعونها ضمن هذه الصناديق وحينما يُسرح أي موظف أو تحصل معه أزمة ينال جزءاً من هذا المبلغ.
وأكد عباس أن المسرحين لجؤوا اليوم لمراكز التدريب لتطوير مهاراتهم وأن نسبة الإقبال على هذه المراكز ازدادت في هذه الفترة، وبالتالي فإن هؤلاء العمال لن يعودوا لأرباب العمل بعد فترة ببساطة وبالشروط نفسها بل بشروط أكثر قسوة وسيكون الطلب كبيراً والعرض قليلاً، متسائلاً: ماذا فعل اتحاد العمال للعمال وماذا فعل قانون العمل لهم، علماً أنه لا محكمة عمالية واحدة بسورية كما أن المحاكم العادية لم تشهد قضية إنصاف واحدة لعامل ضد رب العمل، ولو كانت مثل هذه المحاكم موجودة لفكر رب العمل عشرات المرات قبل تسريح عماله. مشدداً على ضرورة أن يفكر اتحاد العمال بخلق مشاريع صغيرة من إيراد استثماراته للعاطلين من العمل أو يؤجر مكاتبه للقطاع الخاص لتشغيل العمالة.