أتحفنا حاكم "مصرف سورية المركزي" و"وزير الاقتصا"د الأسبوع الماضي باكتشاف جديد يقضي بضرورة ربط الاستيراد بالتصدير واعتماد آلية أكثر شفافية لمنح موافقات وإجازات الاستيراد، وضرورة اعتماد العقود الآجلة بالقطع الأجنبي لتخفيف الضغط على الليرة السورية!!
فبعد خمس سنوات حرب، وكل ما خسرته الليرة من قيمتها، يخرج أصحاب الشأن علينا بإجراءات كان يجب أن تتخذ منذ العام الأول من الحرب!
علماً بأن تلك الإجراءات التي سوقت لها الحكومة في أكثر من اجتماع لها، جزئية وضعيفة، وإن المشكلة في واد والحل في واد آخر.
وهنا نسأل:
هل ستعمل الحكومة على دعم الإنتاج بشكل حقيقي لأنه العامل الحاسم في تحسن الليرة؟ وهل ستتوقف "وزارة الاقتصاد" عن التريث في بعض الإجازات، بعد أن تكون وصلت إلى الميناء، ما قد يفتح باب الاسترزاق والفساد؟ وهل سيتوقف التجار عن عمليات التهريب، بجميع أشكاله وعن التلاعب بالإجازات وعن المضاربة في سوق الصرف؟ وهل سيعتمد المصرف المركزي أسلوباً واقعياً لضخ الدولار عبر جميع شركات الصرافة بشكل عادل، ويوحد أسعار الصرف؟.
وهل ستلاحق مؤسسات الصرافة المخالفة بشكل عادل، بغض النظر عمن يغطي أعمالهم ويدعمهم؟ وهل سيلاحق تجار السوق السوداء بشكل حاسم؟ وهل سيأخذ المركزي دوره الحقيقي في ضبط معدل التضخم؟ وهل سيمنع المضاربون من التلاعب بالليرة؟
وهل سيتوقف المسؤولون عن تشبيه حالة ليرتنا بالليرة اللبنانية في سيناريو تشاؤمي يبرر الانخفاض غير المسوغ لليرة السورية، وما ينجم عنه من أرباح كبيرة للحيتان، فعلى الأقل لدينا دولة وحكومة ونظام مالي وتبادل تجاري ووو.. وهذا كله لم يكن موجوداً في الحرب اللبنانية؟ وهل ستقتنع الحكومة بأن الانتصارات العسكرية والسياسية لدولتنا ذات أثر إيجابي على قيمة الليرة،
وليس العكس كما يروج له؟
وغيرها الكثير من الأسئلة، ولكن الأكثر حرجاً اليوم هو التأخر غير المفهوم في إتمام إنجاز الصك التشريعي المتعلق بحماية العملة الوطنية الذي يفترض أن يصدر بأسرع وقت ممكن لحساسية الأمر وخطورته.. لكن يبدو أن الموضوع عالقاً في أروقة «العدل» حتى تاريخه، رغم وجود مستفيدين من كل ذلك!!.
حكاية الصك
تفيد الوثائق التي حصلت «الوطن» على نسخة منها بتشكيل لجنة قانونية مهمتها دراسة البيئة القانونية (التشريعية والتنظيمية) المتعلقة بتصريف العملة بطرق غير مشروعة، وآلية الضبط القانوني الأنسب لهذا الموضوع، تعمل بإشراف وزير العدل، وتتألف من رئيس وستة أعضاء، يجتمعون لإنجاز المطلوب منهم خلال شهر على الأكثر.
كان ذلك بتاريخ 19/4/2015، وبالفعل أنجزت اللجنة مهمتها بإعداد مشروع قانون من 28 مادة، وتم تحديد الأسباب الموجبة، مع مقترحات وتوصيات، ورفعت الوثائق إلى رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 14/6/2015، بعد أن أجرت وزارة العدل بعض التعديلات والترتيبات على المشروع.
إلا أن المستغرب هو صدور توصية عن اللجنة الاقتصادية بالجلسة رقم (28) بتاريخ 6/7/2015 تضمنت «إعادة مشروع الصك التشريعي المتعلق بحماية العملة الوطنية إلى وزارة العدل، لتكليف اللجنة المشكلة بموجب قرار السيد وزير العدل رقم 1375/ل تاريخ 19/4/2015 بالمهمة المناطة بها لدراسة البيئة القانونية (التشريعية والتنظيمية) المتعلقة بتصريف العملة بطرق غير مشروعة وآلية الضبط القانوني الأنسب لهذا الموضوع، ووفق النتائج والمقترحات للعرض على اللجنة الاقتصادية للنظر وإقرار ما يلزم بهذا الشأن».
وعلى ذلك قام وزير العدل بتوجيه رئيس اللجنة لجمعها والعرض عليها وموافاة الوزير بالمقترحات مع المرفقات. كان ذلك بتاريخ 15/8/2015.
أما بعد، فيبدو أن الحماسة خبت، فلم يصدر شيء عن اللجنة، حتى تاريخه، رغم الانخفاض الحاد لليرة في هذا الوقت، الأمر الذي يقتضي أن تعمل اللجنة ومعها وزارة العدل واللجنة الاقتصادية على مدار الـ24 ساعة لإصدار القانون وتعليماته التنفيذية واللجان المناط بها تنفيذه، حرصاً على الوقت، ولضبط الليرة بأسرع وقت ممكن. إلا أن هذا لم يحدث أبداً.
محاولات فشلت في التواصل مع رئيس اللجنة، الذي أبى أن يعطي أي معلومة عن الموضوع. إلا أننا علمنا من مصادر مطلعة على الموضوع بأن اجتماعات اللجنة أصبحت قليلة نسبياً، فالاستياء من إعادة الموضوع من اللجنة الاقتصادية صدم العديد منهم، ما أعطى انطباعاً باحتمال وجود محاولات لتمييع إتمام إنجاز مشروع الصك التشريعي، إضافة إلى عدم وجود دقة في مطلب إعداد البيئة القانونية.
بغض النظر عن أسباب تأخر التعديلات المطلوبة، فإننا نسأل عن استغراقها أكثر من ثلاثة أشهر ونصف الشهر من دون نتائج عملية، في حين إعداد النص والمقترحات لم يستغرق الشهرين. وهذا ما نضعه باهتمام رئيس الحكومة نظراً لحاجتنا الماسة لهكذا نص، دقيق، وشديد العقاب، ويسد الكثير من الثغرات في النظام المالي.
نص مشروع الصك
اختص الفصل الأول من نص مشروع الصك التشريعي بتعريف بعض التعابير الواردة في النص، في حين اختص الفصل الثاني بالعقوبات، إذ جاء في المادة الثانية «يعاقب بالسجن من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات كل من يزاول مهنة الصرافة من دون ترخيص».
ونصت المادة الثالثة على أن «يعاقب بالسجن المؤقت كل من يمتهن تحويل العملات الأجنبية أو الوطنية بين سورية والخارج، سواء الصادرة أو الواردة من دون ترخيص مسبق».
وبموجب المادة الرابعة «يعاقب بالحبس سنة على الأقل المرخص له أو من يعمل تحت إشرافه أو إدارته إذ قام بأعمال الصرافة أو نقل أو تحويل العملات الأجنبية أو الوطنية بين سورية والخارج سواء الصادرة أو الواردة بصورة غير مشروعة خلافاً لأحكام الترخيص».
ونصت المادة الخامسة، في الفقرة (أ) منها بأن «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر المرخص له أو من يعمل تحت إشرافه أو إدارته إذا قام بأعمال الحوالات الداخلية خلافاً لأحكام الترخيص».
ونصت في الفقرة (ب) منها بأن «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من يقوم بتحويل العملات الوطنية أو الأجنبية داخل الجمهورية العربية السورية من دون ترخيص».
المادة السادسة من مشروع الصك التشريعي نصت على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة من يبيع أو يشتري العملات الأجنبية ولو لمرة واحدة من غير الجهات المرخصة أصولاً».
وجاء في المادة السابعة «مع مراعاة أحكام أنظمة القطع النافذة يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سبع سنوات كل من هرّب العملات الوطنية أو الأجنبية خارج الجمهورية العربية السورية بأي وسيلة كانت».
ومع مراعاة أنظمة القطع النافذة في البلد، نصت المادة الثامنة، في الفقرة (أ) منها بأن «يُحظر التعامل بغير العملة الوطنية كوسيلة للمدفوعات أو بالتداول التجاري أو التسديدات النقدية سواء كان ذلك بالعملات الأجنبية أم المعادن الثمينة، على أنه يجوز بموافقة مجلس الوزراء عرض السلع والمنتجات والخدمات وغيرها من التعاملات التجارية بغير العملة الوطنية».
وفي الفقرة (ب) فإن «كل من يخالف أحكام الفقرة (أ) يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات». بحسب الفقرة (ج) «لا تقل العقوبة عن السجن ثلاث سنوات إذا كان المبلغ المتعامل به أو المسدد خمسة آلاف دولار أميركي فأكثر أو ما يعادله من العملات الأجنبية الأخرى أو المعادن الثمينة».
بموجب الفقرة (د) يقضى«بمصادرة المدفوعات أو المبالغ المتعامل بها أو المعادن الثمينة المشار إليها في الفقرتين (ب) و(ج) من هذه المادة لصالح مصرف سورية المركزي».
ونصت المادة التاسعة على أن «يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة ملايين ليرة سورية ولا تزيد على مئة مليون ليرة سورية كل من أنشأ أو أدار موقعاً أو برنامجاً أو تطبيقاً إلكترونياً يقوم بشكل مستمر بنشر معلومات عن أسعار صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية خلافاً للأسعار الواردة في النشرة الصادرة عن مصرف سورية المركزي».
أما المادة العشرة فنصت على أن «يعاقب بالحبس من أتلف العملة الوطنية قصداً بأي وسيلة كانت».
وبموجب المادة 11 من مشروع الصك التشريعي «يعاقب السجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات العامل لدى أي من الجهات العامة المكلف بالكشف عن الجرائم المنصوص عنها في هذا المرسوم التشريعي أو ضبطها إذا تستر عليها أو سهل وقوعها أو لم يخبر عنها الجهات المختصة أو لم ينظم بها الضبط الأصولي».
أما موضوع الغرامات لكل ما سبق، فقد اختصت به المادة 12 التي نصت على أنه «في جميع الأحوال تقضي المحكمة بمصادرة الأموال مع الوسائل المستعملة في ارتكاب الجريمة، والغرامة بما يتراوح بين ثلاثة وخمسة أمثال هذه الأموال».
ونصت المادة 13 وهي الأخيرة في فصل العقوبات، على أن «لا تحول العقوبات المنصوص عنها في هذا المرسوم التشريعي دون ملاحقة المخالفين إذا ما تضمنت أفعالهم جرماً يقع تحت طائلة قانون مكافحة غسل الموال وتمويل الإرهاب أو أي قانون آخر أشد».
الفصل الثالث من مشروع الصك التشريعي اختص بالأحكام العامة والختامية، إذ جاء في المادة 14 أنه «لا تعاد الأموال المضبوطة بموجب المواد السابقة إلا بعد البت في الدعوى بقرار قضائي مكتسب الدرجة القطعية، وفي حال الحكم بالمصادرة تعد جزءاً من التعويض المدني لمصرف سورية المركزي، أما الغرامات المحكوم بها فتؤول إيراداً لصالح الخزينة العامة».
وبموجب المادة 15، الفقرة (أ) منها «يُعفى من العقوبة والغرامة عن الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون عند إجراء عقد تسوية مع مصرف سورية المركزي وفق دليل تسويات يصدره المصرف على ألا يقل مبلغ التسوية عن خمسة أمثال الأموال المضبوطة».
أما الفقرة (ب) فنصت على أنه «في حال عقد التسوية يستفيد من ذلك الفاعل والشريك والمتدخل والمحرض، وتعاد المضبوطات كافة بعد التسوية، ما لم يكن استعمالها ممنوعاً قانوناً».
وبموجب المادة 16 يجوز للنائب العام «التمديد للضابطة العدلية بقصد استكمال تحقيقاتها حتى مدة ستين يوماً كحدٍ أقصى».
ونصت المادة 17 على أنه «باستثناء المواد (6) و(10) و(11) من هذا المرسوم التشريعي للنيابة العامة عند مباشرتها الدعوى العامة إلقاء الحجز الاحتياطي على الموال المنقولة وغير المنقولة للمدعى عليه، ومنع سفره، ما لم يكن قد أجرى التسوية المنصوص عليها في هذا المرسوم التشريعي».
وبموجب المادة 18 يعد مصرف سورية المركزي «مدعياً شخصياً في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، ويُعفى من الرسوم والتأمينات القضائية والكفالات والسلف كافة، وأي تكاليف مالية أخرى».
في حين نصت المادة 19 على إحداث ضابطة عدلية لدى مصرف سورية المركزي لضبط الجرائم الواردة في هذا الصك.
مقترحات اللجنة
أنجزت اللجنة المكلفة إعداد مشروع الصك التشريعي الخاص بحماية العملة الوطنية مجموعة من المقترحات، تضمنت أن تكون النيابة العامة المالية تحت إشراف محام عام مالي، ويكون فيها رؤساء ووكلاء نيابة ومعاونو نيابة ماليون.
وإحداث محاكم صلح جزاء مالية، وبداية جزاء مالية، ومحاكم جزاء مالية تمثل جهة الحق العام فيها النيابة العامة المالية. وإحداث شرطة مالية متخصصة لدى وزارة الداخلية.
إضافة إلى ضرورة إخضاع العاملين في ضبط جرائم الصرافة وتهريب الأموال لدورة تأهيلية تتناول مختلف الجوانب الموضوعية والإجرائية والفنية المتعلقة بضبط جرائم الصرافة.
وتطوير آليات الرقابة المعتمدة على مؤسسات الصرافة من قبل مصرف سورية المركزي والاستفادة من التطور التقني في هذا المجال، إلزام مؤسسات الصرافة بتركيب الأجهزة الحاسوبية ومخدمات مع برامج ذات معايير وأسس ضوابط محددة تعتمد من قبل إدارة الاتصالات ومصرف سورية المركزي، مع الأخذ بالحسبان ضرورة الفصل ما بين عمليات الصرافة الآنية وعمليات الحوالات الخارجية الصادرة والواردة.
كما تضمنت المقترحات تعزيز دور المصارف العامة للقيام بعمليات الصرافة حيث تحكم عمل المصارف الحكومية ضوابط تحد بشكل كبير من إمكانية مخالفة القوانين والأنظمة المتعلقة بتصريف العملة.
والإسراع في بناء المحول الوطني الذي يعتبر من أهم الأدوات لضبط حركة الأموال الداخلة والخارجة من وإلى داخل الجمهورية العربية السورية والذي يشكل البوابة السورية الدولية لنقل البيانات الخاصة لنقل الحوالات الخارجية من مؤسسات الصرافة المناسبة التي تتعامل مع شركات الصرافة المرخصة، وإمكانية تقديم الدعم الفني من قبل إدارة الاتصالات لمصرف سورية المركزي.
إضافة إلى الاستفادة من إمكانات إدارة الاتصالات في التقنية غير المحدودة بجميع أفرعها في متابعة عمل الشركات ومؤسسات الصرافة من خلال منظمة المتابعة الإلكترونية للحوالات المالية الداخلية والخارجية «الربط الشبكي ما بين سيرفرات الشركات وقاعدة البيانات الرئيسية بإدارة الاتصالات مع ضمان التوافق مع قاعدة المعطيات» وجميع أدوات الاتصال المستخدمة في تبادل البيانات والمعلومات الخاصة بالتحويلات الخارجية والداخلية ومتابعتها تقنياً، وخاصة أن جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب تستخدم التقانة بشكل كبير.
كما تضمنت الاستمرار في تنفيذ عمليات الحجب والاختراق والهكر لكل المواقع والصفحات المعادية للاقتصاد الوطني من قبل إدارة الاتصالات بالتنسيق مع مصرف سورية المركزي. وتعزيز الرقابة على المنافذ الحدودية لمنع تهريب العملة الوطنية والأجنبية.
هذه المقترحات أرسلت إلى حاكم مصرف سورية المركزي بتاريخ 5/7/2015، فرد بأنها «أُعدّت إلى جانب مشروع قانون حماية العملة الوطنية الذي تم إعداده من اللجنة المشكلة بقرار السيد وزير العدل رقم 1375/2015، أي إن هذه التوصيات جزئية وليست كاملة، على اعتبار أنها لم تشمل النقاط التي تم تضمينها بمشروع القانون المذكور، ولدى عرض مشروع قانون حماية العملة الوطنية على اللجنة الاقتصادية صدرت التوصية بموجب كتاب السيد رئيس مجلس الوزراء رقم 11891/1 تاريخ 14/7/2015 متضمنة إعادة المشروع إلى اللجنة المشكلة بقرار السيد وزير العدل لدراسة البيئة القانونية المتعلقة بتصريف العملة الوطنية بطريقة غير مشروعة وآلية الضبط القانوني الأنسب ورفع النتائج دون أن تتبنى اللجنة الاقتصادية مشروع القانون».
وأضاف الحاكم في رده «وعليه لا يمكن دراسة التوصيات المحالة بموجب كتاب السيد الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء المذكورة أعلاه، إلا بعد قيام لجنة القرار رقم 1375 المشكلة لدى وزارة العدل بدراسة الموضوع وفق توصية اللجنة الاقتصادية ليصار بعدها إلى دراسة مقترحات اللجنة مع التوصيات بشكل متكامل».
علي نزار الآغا
المصدر: صحيفة "الوطن" المحلية