
جاء إعلان وزير الاقتصاد الأرجنتيني أمادو بودو عن أن اتحاد دول أميركا الجنوبية اوناسور يدرس حاليا إمكانية إنشاء صندوق يهدف إلى التصدي لأزمة مالية دولية محتملة في القارة تأكيدا على مدى تحسب دول العالم وقلقها من تداعيات أزمة الديون الأمريكية وآثارها على الاقتصاد العالمي وذلك في وقت تلقت فيه المحاولات المستميتة التي تقوم بها الإدارة الأمريكية للخروج من أزمة الاقتصاد الأمريكي ضربة جديدة تمثلت في الإعلان عن أن جزءا من قانون الضمان الصحي الذي تقدم به الرئيس الأمريكي باراك أوباما يتعارض مع الدستور.
فعلى الرغم من أن دول أميركا اللاتينية لم تتأثر حتى الآن بالأزمة التي تواجهها الولايات المتحدة وأوروبا حاليا إلا أنها تخشى أن تواجه انعكاسات لها مثل تراجع قدرتها التنافسية مع الارتفاع السريع لعملاتها مقابل الدولار الأمر الذي دفعها إلى إنشاء هذا الصندوق كرديف لصندوق الاحتياط الأميركي اللاتيني الذي أنشىء عام1978 ويضم بوليفيا وكولومبيا وكوستاريكا والإكوادور والبيرو وأوروغواي وفنزويلا وينتظر ان يضم البرازيل والأرجنتين ليصبح أكثر فاعلية.
ويأتي هذا التطور ليكرس ما شهدته العلاقات الأمريكية اللاتينية في الآونة الأخيرة من ركود واضح نشأ عن تضافر عدة عوامل مع بعضها البعض لتفرز الواقع الراهن وذلك في وقت أصبحت واشنطن تتحسب فيه لخطورة ذلك الركود على الاقتصاد الأمريكي الذي يعول بشكل كبير على القارة اللاتينية ولاسيما البرازيل التي تعد أكبر وأكثر الدول تأثيرا في القارة.
وفي مقابل ذلك تتواصل محاولات الإدارة الأمريكية المستميتة للخروج من الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي وفي هذا السياق ناقش أوباما مع رؤساء الشركات الأمريكية الكبرى مشاركة القطاع الخاص في الالتزام بتحسين الاقتصاد وذلك في إطار محاولاته الشاقة لإنعاش اقتصاد بلاده التي منيت بضربة جديدة مع إعلان محكمة استئناف في ولاية جورجيا أن جزءا من القانون الجديد حول الضمان الصحي الذي تقدم به اوباما يتعارض مع الدستور الأمر الذي يوجه ضربة قاسية لواحد من الإصلاحات الأساسية في أمريكا.
كما أظهر مسح أجرته تومسون رويترز وجامعة ميتشيغن أن معنويات المستهلكين في الولايات المتحدة هبطت إلى أدنى مستوى لها منذ ايار 1980 في أوائل آب الجاري وذلك بسبب تضافر المخاوف من تعثر انتعاش الاقتصاد مع القنوط من سياسات الحكومة الأمريكية حيث أشارت القراءة الأولية إلى أن الموءشر العام لمعنويات المستهلكين سجل 9ر54 نقطة انخفاضا من 7ر63 في تموز الماضي.
وفي هذا الإطار أكد مدير المسح ريتشارد كيرتن أنه لم يحدث قط في تاريخ المسوحات ان ذكر مثل هذا العدد الكبير من المستهلكين بشكل تلقائي الجوانب السلبية لدور الحكومة الأمريكية في حين اعتبر ثلثا المستهلكين ان الاقتصاد تدهور مؤخرا حيث توقع واحد فقط من بين كل خمسة تحقيق أي مكاسب على مدى العام المقبل فيما توقع ثلاثة أرباع المستهلكين اوقاتا اقتصادية سيئة وهو ما يقل قليلا عن الذروة البالغة 82 بالمئة والمسجلة في 1980.
وتراجع مقياس توقعات المستهلكين الأمريكيين فى المسح الى 7ر45 نقطة وهو أيضا أدنى مستوى منذ أيار 1980 وانخفاضا من 0ر56 في تموز الماضي بينما حصلت إدارة أوباما على تصنيف ضعيف من 61 بالمئة ممن شملهم المسح وهو أسوأ اداء بين جميع الرؤساء الأمريكيين السابقين. ويأتي هذا المسح بعد يوم واحد فقط من نشر إحصائية تؤكد أن الولايات المتحدة سجلت تراجعا ملحوظا في الصادرات خلال الشهرين الماضيين الأمر الذي من شأنه تأجيج المخاوف المتنامية من تفاقم وضع الاقتصاد الأمريكي وارتداداته المحتملة على مختلف الاقتصادات المرتبطة به حول العالم حيث كشفت جمعية التصنيع الأميركية ايه ايه ام أن الصادرات الأمريكية تراجعت بنسبة 2ر3 في المئة في حزيران الماضي وهو ما لم يسجل منذ الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 وذلك بعدما تراجعت بنسبة 0ر5 في المئة فى أيار الماضي.
وكان هذا التراجع في الصادرات الأمريكية سببا في ارتفاع العجز التجاري الأمريكي فى ايار وحزيران الى ما فوق خمسين مليار دولار لأول مرة منذ خريف عام 2008 الأمر الذي دفع الكثير من الخبراء الاقتصاديين إلى القول ان إمكانية الوصول إلى حلول للازمة الاقتصادية الأمريكية في وقت قريب مستبعد لاسيما أن جوهر المشكلة يكمن في أن الولايات المتحدة تعيش بمستوى فوق إمكانياتها الحقيقية وأن النصيب الأكبر من ازدهارها خلال العقود الثلاثة الأخيرة يعود إلى نجاح واشنطن فى مواصلة تحويل ونقل مشاكلها الاقتصادية إلى بقية دول العالم اعتمادا على أسلوب موروث من الحقبة الاستعمارية.
كل هذه المعطيات لابد ان تقود الكثير من الدول التي ارتبطت اقتصاديا بالولايات المتحدة إلى التفكير في إعادة رسم سياساتها الاقتصادية وفق طرق جديدة تتيح لها الابتعاد عن هذا الارتباط الذي باتت تكلفته أكبر بكثير مما يمكن أن يقدمه من منافع ومحفزات.