أثار الإعلان الساخر الذي أطلقه ساندي ويل والقائل بضرورة أن تقوم الولايات المتحدة بإحياء تشريع قانون “غلاس - ستيغال أكت”، الذي عمل شخصياً بحماسة شديدة في السابق على تمزيقه في عقد تسعينات القرن الماضي لدى إنشائه مجموعة “سيتي غروب إنك”، جدلاً ونقاشات جديدة حول كيفية التحكم بالغرائز الأسوأ في سوق المال “وول ستريت” في نيويورك .
ريب فإن المصرفيين والمتداولين والتنفيذيين بحاجة إلى المساعدة على كبح جماح أنفسهم . وبعد كل ذلك، فقد كانت تصرفاتهم الجماعية التي جعلتنا ننغمس كلنا في أوار ذلك المعمعان الذي تمخضت عنه الأزمة المالية التي أطلت برأسها في العام 2007 . كأنما لم تتم الاستفادة من أي درس حول السلوك غير المسؤول الذي تجسد في الفضائح الحالية المتوالية لاستغلال الأسعار التي يتم تداولها بين المصارف في لندن وخسارة ال 6 مليارات دولار الناجمة عن التوجيهات غير السديدة الخاصة بقطاع الممتلكات التي طرحتها حفنة متداولين في مصرف “جيه بي مورجان تشيز آند كو(JPM)”، فضلاً عن الاتهامات التي وجهت إلى مصرف “إتش إس بي سي” بغسيل الأموال والتعامل من عصابات الإجرام والإرهابيين .
ويقضي حالياً المحامون الأكثر أجرا وجماعات الضغط في “وول ستريت” جل وقتهم، بل يكرسون أوقاتاً إضافية لإعادة صياغة اللوائح التي يفوضها تشريع “دود- فرانك” . وكل ذلك يكفي كي يجعل الإنسان يتعجب ما إذا كانت هذه الصناعة، التي كانت مصدر حسد العالم والمحرك لكثير من النمو وأداة تحديث للاقتصاد الأمريكي، أفلت زمامها وباتت على وشك أن تجعل من نفسها أضحية نتيجة لأخطاء فادحة .
ومن بين أولئك الذين يشعرون بالتعجب جيمس سوروفسكي كاتب العمود المالي في نيويورك الذي يعجز عن التفكير كيف يمكن حل تلك الأمور . ورأى أنه عندما تتعلق الأمور باستغلال “الليبور” فإن الإجابة ستكون ببساطة: اجعل الأمر أشد وأكثر صعوبة على المصارف لتصحيح مسار النظام . وتابع سوروفسكي يقول: “عندما نحتاج للاعتراف بأن ذلك الغش جريمة ينبغي قذف البعض في غياهب السجون” .
أوافقه القول هنا . فلا شك في إن أكثر الملامح البارزة والمميزة والمخيبة للآمال لهذه الملحمة المصرفية بامتياز هي أنه على الرغم من تكرار حوادث القيام بأعمال مخالفة ومحظورة، فإنه على ما يبدو أن النواب العامين عاجزين عن المقاضاة وربح الدعاوى باستثناء الدعاوى الشهيرة والشنيعة التي تم تداولها في الأروقة الداخلية وفي كواليس المصارف .
ومن الأمثلة المروية تلك القضية التي توصلت فيها لجنة المحلفين إلى تأييد قضية مصرفي الرهن العقاري في مجموعة “سيتي غروب” براين سوكر وتبرئته يوم الأول من أغسطس/آب الحالي، وكان المدعو متهما بقضية الإهمال التي رفعتها ضده لجنة البورصة والأوراق المالية . وبقي سجل المدعين العامين نقياً وغير ملوث: لم يتم كسب أية قضية ولو تهمة واحدة في الوول ستريت سواء كان مصرفياً أو متداولاً متهماً بتورطه في أدوار قام بها أدت إلى تفجر الأزمة المالية .
ولكن ماذا يمكن فعله إلى جانب الزج بالبعض في غياهب السجن لفترة من الوقت حتى يتم إدخال تصحيح على السلوكيات في “وول ستريت”؟
يقول سوروفسكي: “نحن بحاجة إلى تغييرات في الموقف والتفكير إزاء جوانب من تصرفات المنظمين الذين ينبغي عليهم الاعتراف بأن قيم “الجنتلمان” (التعامل بأخلاق عالية) لا تتوافق قط مع واقع الحال في عالم المال، وهم أيضاً بحاجة إلى أن يتخذوا مواقف متشددة ليس فقط العقاب نتيجة لارتكاب أعمال محظورة بل تمكينهم من منع مثل هذه المخالفات . إن مثل هذه المقاربة الجديدة تدخلية اندساسية مستبدة وستصعب الأمور على المصرفيين للتصرف حسب مشيئتهم .
لقد حظيت فكرة تبني لوائح تنظيمية متشددة أكثر وأكثر قسوة، بلا شك، وهي مفتاح التغيير في الوول ستريت، بدعم الصفحات الافتتاحية لصحيفة “نيويورك تايمز” من المصرفي البارز ستيفن راتنر الذي تحول إلى كاتب عمود الذي قال ينبغي التركيز على تفعيل “قانون فولكر رول” واللوائح التنظيمية الجديدة وابتداع أساليب أفضل في التعامل مع المصارف العملاقة وليس لاجتراح فعل إلهائي كما فعل ويل الذي دعا إلى إعادة العمل بقانون “غلاس - ستيغال” الذي تم إبطال العمل به” .
لكن على الجميع أن يعلموا أن الوول ستريت لديه ما يكفي من اللوائح . ولذلك فإن الدعوة لتطبيق المزيد من اللوائح أو اللوائح القاسية تؤدي بلا شك فقط إلى الهدف ونسيان ما هي دوافع السلوك . نريد الأشخاص الذين يعملون في “وول ستريت” أن يغيروا سلوكهم . ونريد أن يحاسبوا عن أية أفعال تتسبب في نتائج مخيفة . نريد منهم أن يتوقفوا عن العمل لمصالحهم الشخصية وأن يكفوا عن الخداع، وهو السلوك الذي ألقى باقتصادنا إلى مشارف الهاوية وتدمير ما تبقى من الثقة (القليلة) التي تركناها في أسواقنا الرأسمالية التي كانوا يكيلون لها المديح . وينبغي، حقيقة، أن نكيل ألواناً من الخزي نلصقها بالمصرفيين والمتداولين والرؤساء التنفيذيين كي يجبروا على القيام بأمور صالحة لأنهم يبدون غير مكترثين للقيام بذلك طواعية وبرضا الخاطر .
المصدر: ويليام كوهان (بلومبيرغ)