للوقوف على واقع القضاء السوري ومدى تأثيره بعملية مكافحة الفساد وإحقاق الحق كان هذا الحوار مع وزير العدل القاضي هشام الشعار .
أولا وباعتبار قضية اغتصاب الأطفال في طرطوس كانت حديث الساعة .. إلى أين وصلت وهل ثبتت رشوة القاضي فعلاً في هذه القضية ؟
سبق وأن ذهبت بنفسي الى طرطوس بناء على توجيه من السيد الرئيس للتأكد من الواقعة ومتابعة القضية التي نشرتها وسائل التواصل الاجتماعي كما النار في الهشيم حيث تبيّن من خلال قراءة الملف تبين وجود الكثير من المبالغة بالعدد حيث أثير الموضوع على أنه اغتصاب 14 طفلا وللعلم ان كلمة اغتصاب قانوناً لا تقع الا من ذكر على أنثى حيث أفرد القانون لكل جرم نوع خاص من النصوص والعقوبات المحددة فهناك جرم اغتصاب, جرم منافي للحشمة، اجراء فعل منافي للطبيعة، جرم التعرض للآداب العامة ..ما يعني ان اغتصاب 14 طفل غير قانوني اضافة الى انه لدى الاطلاع على الملف لم يكن سوى مشتكي واحد وهو والد الطفل الذي قال في فرع الأمن الجنائي انه تعرض للاغتصاب الجنسي الا ان التقرير الطبي في ملف القضية عرج الى تعرض الطفل للضرب على رأسه دون ذكر وجود اعتداء جنسي مع غياب وجود اي إثبات يؤكد وجود 14 طفل اخر تم الاعتداء عليهم جنسياً، والى الآن لم تنته التحقيقات و لا يمكن القول بوجود إدانة أو براءة، وهنا لا بد من التنويه إلى أنه لدى وجود عمل قضائي يجب ألا يؤثر الرأي العام على القضاء فسواء كان المخطئ من السلك القضائي أو مواطن عادي ستتم محاسبته فالقرار القضائي المبرم حجة على الكافة .
وفي ضوء السعي لاستقلال القضاء لا بد له ان يكون حراً في اتخاذ قراره المبني على العدالة والقانون والضمير فلا رقيب على القاضي سوى ضميره والقانون الذي ترك للقاضي حرية السلطة التقديرية وعليه لا يمكن القول ان القاضي مخطئ و لا يمكن تأكيد ثبوت الجرم بحق الطفل الى حين انتهاء التحقيقات لذلك كان للتسرع بنشر الموضوع على مواقع التواصل الاجتماعي مع غياب الدقة والتحري صدى سيء .
في حال تم اتهام قاضي بالفساد وثبت ذلك ما هي الإجراءات ومن يحاكمه ؟
في حال ثبوت جرم الفساد على قاضي ما يكون على عاتق ادارة التفتيش القضائي المسؤولة عن اجراء التحقيقات مع القضاة والمكلفة بتوثيق قناعتها بأدلة وبراهين حيث تقترح إحالته بناء على التقرير التفتيشي الى مجلس القضاء الأعلى الذي يترأسه السيد الرئيس وينوب عنه وزير العدل في محاكمة القاضي وقد يحدث في أحيان كثيرة بعد احالة قضاة الى المجلس ومن خلال تحري الواقع و المحاكمة وسماع الأقوال والشهود يتم تبرئة القاضي لعدم ثبوت ادانته وفي الوقت ذاته لا بد للإشارة الى محاكمة العديد من القضاة وعزلهم بعد اثبات ادانتهم تبعاً للجرم والمخالفة المرتكبة .
بحيادية.. برأيك هل القضاء السوري بخير ؟
الحقيقة أن القضاء ليس كما يُقال عنه لكنه في ذات الوقت ليس كما نتمنى وأكبر دليل ما حدث في قضية اغتصاب 14 طفل في طرطوس.. ألم يُظلم السلك القضائي والسلطة القضائية سيما وأن الأمر لم يؤكد شيء بعد ؟ مع الاشارة الى ان وجهة نظر المدّعي ترى أنها على حق لكن القانون يبقى هو الحد الفاصل الذي يحدد من هو صاحب الحق .
برأيك ما هو الضامن المانع والرادع لمشاركة القضاة في الفساد ؟
ان السلطة القضائية هي المعني الأول والأخير بمحاربة الفساد لذلك دوماً نحرص على أن يكون القضاء في أحسن صوره وذلك يتم من خلال الاجراءات المتبعة عبر تفعيل التفتيش القضائي وتطوير التشريعات وتحسين وضع القضاء المعاشي اضافة الى تعزيز السلطة القضائية فالهدف الأول و الأخير أن يكون القضاء في أحسن صورة له فإذا كان القضاء بخير فالبلد بخير .
إلى أي حد يكون للوضع المعاشي للقاضي دور في مواجهة الفاسد ؟
ان مكرمة السيد الرئيس بإعطاء القضاء 100% بزيادة التعويض المكتبي للقاضي من الراتب المقطوع تحتّم بذل جهد أكبر للعمل بضمير و الحرص أكثر على تطبيق القانون.
بين راتبك كوزير وراتبك كقاضي أيهما أفضل و أكثر راحة ؟
ان راتب القاضي اليوم أفضل من راتب الوزير لذلك ان وضع القضاة اليوم أفضل بكثير مما كان ونتمنى أن يكون أفضل أيضاً وهنا لا بد من التأكيد على اهتمام السيد الرئيس بالسلطة القضائية ودورها في بناء الدولة للمرحلة القادمة واعادة الإعمار ليكون الحافز لإنجاز كل هذا منح تعويض للقضاة مئة بالمئة عن الراتب الشهري .
فكرة استقلالية القضاء في ضوء أن نائب رئيس المجلس للقضاء الأعلى هو وزير في الحكومة ..هل هناك أي طرح يطال تعديلات في هذا الإطار ؟
هذا الموضوع من الممكن دراسته لكني لا أرى وجود تعارض كبير والسبب ..أنه في قانون السلطة القضائية يرأس وزير العدل النيابات العامة كافة فوزير العدل يمارس عمل قضائي فماذا اذا كان أصلا قاضي في الوزارة، اضافة الى ان وزير العدل ينوب عن رئيس مجلس القضاء الأعلى في الأمور القضائية التي تتعلق بشؤون القضاة فرئاسة السيد الرئيس للمجلس الأعلى هي ضمانة دستورية وداعمة لاستقلال السلطة القضائية وهنا لا بد من التفريق والابتعاد عن الخلط بين وزارة العدل كسلطة تنفيذية ذات الطابع الإداري وبين السلطة القضائية ذات الشأن القضائي فوزير العدل ينوب عن السيد الرئيس لدى محاكمة القضاة او الاجراءات والترفيعات المتعلقة بالقضاة لكن في العمل الإداري المتعلق بوزارة العدل فإن وزير العدل هو سلطة تنفيذية .
توجد مطالبات في الشارع السوري تطالب بذكر أسماء الفاسدين ..ما الهدف من التكتم عن أسمائهم في حال ثبوت فسادهم ؟
ان موضوع السلطة القضائية وطبيعة العمل القضائي والحصانة القضائية تمنع نشر الأسماء خصوصاً وأن التحقيقات التي تجرى مع القضاة سرية وعليه لا يجوز نشرها حيث يتم التعامل مع هذه الأمور حسب القانون لطالما أن القاضي على رأس عمله يتمتع بالحصانة القضائية لا يجوز نشر اسمه لكن في حال ترك القاضي للسلك القضائي فلا مشكلة بذلك من الناحية القانونية خصوصاُ وان نشر أخطاء أسماء القضاة سيمنعهم من متابعة عملهم في حال كانت عقوبتهم بسيطة أو تم اخلاء سبيلهم على مسؤولية أو لم يثبت بحقهم شيء، كما أنه لا يجوز للرأي العام أن يؤثر على القضاء و حرية القاضي التي قد تقيده في اتخاذ قراره لذلك لا يمكن نشر الأسماء كاملة مفصلة واتهام القضاة دون صدور قرار حكم مبرم وإلا سيؤدي ذلك الى دماره اجتماعياً وقانونياً في حال تمت تبرأة المتهم من الجرم المنسوب إليه، إضافة إلى أن قانون الإعلام وقانون مكافحة الجرائم القانونية يمنع التعرض للأسماء ..وهنا لا بد من القول انه يجب على الاعلام أو الصحافة عدم نشر او ذكر اي واقعة منظورة أمام القضاء حتى صدور حكم قضائي مبرم حينها لهم الحرية المطلقة .
ما هي الاصلاحات التي أجريتها في القضاء منذ توليك منصبك ؟
نطمح دوماً للأفضل لكن على المستوى القضائي فأبرزه كان بتحسن دخل السادة القضاة و تعديل العديد من التشريعات ويتم الآن السعي لتطبيق موضوع الأتمتة وتحسين البنى التحتية لوزارة العدل إضافة لاستئجار قصور عدل جديدة وأخرى يتم ترميمها نتيجة ما دمرته الحرب إضافة للكثير سبق وذكرناه تفصيلياً.
من الناحية العملية تقضي ساعات عمل طويلة ..ماذا عن حياتك الشخصية ؟
في ضوء تأدية مهمة خاصة في الفترة الحالية يأخذ العمل العام منا جلّ الوقت حيث يتوجب علينا في كثير من الأحيان نسيان حياتنا الشخصية وإعطاء الأولوية للشأن العام الذي قد يظلم البيت والأولاد ويكون على حساب حقوقهم أحيانا فخدمة المواطن أولوية لكنها يجب ألا تكون حساب المسؤوليات الشخصية التي تترتب علينا تجاه أسرنا سيما وأن الوقت الضيق يحتم علينا استغلال أوقات الفراغ الخاطفة للخروج في نزه قصيرة .
أيهما أكثر ضغطاً عليك فترة توليك منصبك كوزير أم منصبك السابق كقاضي فقط ؟
كل منصب له محاسنه وطبيعته فلكل مرحلة الجيد والسيء والسعادة تتلخص بكلاهما عند تأدية الواجب الوطني في خدمة المواطنين فتحقيق العدالة وسماع دعوة مظلوم أعيدت له حقوقه تعطيني الكثير من الدفع والشعور بالفخر وهذا يعادل مال الدنيا .
هل تعرضت يوماً ما لضغوطات خارجية تفرض عليك تغيير حكمك أو قرارك سواءً عندما كنت قاضي أو كوزير اليوم ؟
لم أتعرض سوى لضغوط عمل ولم أتعرض بحياتي مطلقاً لضغوطات خارجية تتدخل بعمل السلطة القضائية وأنا كنت لمدة 35 سنة أعمل كقاضي لم أتعرض يوماً لأي اتصال يطلب مني التوجه بحكم معين وأنا أعلم أن من يسمع لن يصدق لكن هذه هي الحقيقة ، وحرص السيد الرئيس دوماً يصب في ضرورة استقلال السلطة القضائية التي يجب أن تكون بعيدة عن الضغوط ..وإلا على الدنيا السلام .
هل فكرت يوماً بإجراء جولات ميدانية الى المحاكم للاطلاع على واقع الحال وملامسة الواقع ؟
نعم قمت بالكثير من الجولات المفاجئة و في كثير من الأحيان التي تمنعني من المتابعة الشخصية يتم إرسال السادة المعاونين للمتابعة والاستماع لوجود شكاوى من المواطنين بحال وجودها و مراقبة عمل الموظفين وأوقات دوامهم والتزامهم ..وهنا لا أستطيع أن أنفي وجود الثغرات وبعض السلبيات لكن ليس كما يقال ولا كما نطمح ونريد.
المصدر: صاحبة الجلالة