عندما أراد مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي إصلاح ماليزيا، تمكن خلال 10 أيام من استرجاع أموال منهوبة تقدر بـ 4.5 مليار دولار، وعندما أرادت الحكومة السورية تطبيق مشروع الإصلاح الإداري، تحدث كثيرون عن الإدارة والفساد ولم يستجد على الأموال المنهوبة سوى زيادات في كمياتها وحجومها.
وفي إطار الإسهاب والرغبة في مزيد من الكلام الإعلامي أصبحت محاربة الفساد متعة، على الرغم من أننا لسنا فاسدين لأننا انتصرنا، وانتصارنا يعني أننا لسنا فاسدين، إلا أن محاربة السرقات الحاصلة متعة لن نتخلى عن الحديث عنها إعلاميا.
وعلى الرغم من دراسات منظمة الشفافية الدولية والتي أظهرت أن سورية تحتل المرتبة الثانية في الفساد، إلا أن العنفوان الإداري يرفض شفافية هذه المنظمة لأنها منظمة دولية تسعى إلى إظهار وجهنا مشوها!
ماذا حققت التنمية الإدارية؟!
ماذا حققت وزارة التنمية الإدارية في عملها منذ أن تم إطلاق مشروع الإصلاح الإداري؟ سؤال طرحناه على عدد من الأكاديميين والأساتذة الجامعيين منهم من قبل ذكر اسمه، وآخرون رفضوا لأن «الحكومة تتحسّس» على حد تعبيرهم.
الأستاذ في الإدارة أيمن عبيد تحدث قائلا: «لا أستطيع أن أتحدث عن أعمال وزارة التنمية، لأني لم أجد لها من عمل يذكر، وأكثر ما استطاعت القيام به هو التدريب الذي من المفترض أن يكون مرحلة ثالثة في عملها، لأن المرحلة الأولى هي إعادة هيكلة المؤسسات، وبعدها التوصيف الوظيفي وأما التدريب فهو مرحلة ثالثة».. أستاذ آخر رفض ذكر اسمه قال: «الوزارة تمكّنت من إقامة دورات تدريبية للحفاظ على (الفلكلور التدريبي) وهو ما يعني تدريب من أجل التدريب فقط»
حكومات غارقة في الفساد
وأما عن سبب عدم تمكن الإدارة في سورية من النجاح والتقدم، على الرغم من أننا منذ سنوات وسنوات نعلم أن معظم مشاكل القطاعات الحكومية تتمركز في ضعف الإدارة، فقد رأى عدد من الأساتذة الجامعيين أن كل حكومة ترث سلبيات الحكومة السابقة وتغرق في الفساد أكثر فتسيء الإدارة. وهنا يقول الدكتور علي الخضر إن السبب في ذلك يعود إلى عدم توفر البيئة الثقافية والتشريعية والاقتصادية والسياسية التي تمكّن من الإقلاع بتنفيذ برامج الإصلاح الإداري.
كرامات متعثرة
أشار عدد من الأساتذة الجامعيين إلى أن أولى خطوات الإصلاح والإدارة الناجحة تتمثل في الحفاظ على كرامات الناس، فكيف للإصلاح أن يتم في ظل الأجور الزهيدة التي يشعر المواطنون من خلالها أن لا كرامات لهم. فعلى الرغم من رغبة كل مواطن سوري بخدمة وطنه إلا أن هذه الخدمة إذا لم تقترن بقيمة مضافة تحقق للمواطن عيشا كريما. كما ربط عدد كبير من الأساتذة المختصين في علم الإدارة انخفاض الإنتاج بانخفاض الأجور. وفيما يتعلق بسياسات الأجور يقول الخضر: إن سورية تحتاج بكل تأكيد إلى نسف جذري، متبوعاً باعتماد سياسات محفزة تشجع على الإبداع والابتكار والإنتاج، وتحسين مستوى الكفاءة والمردود مقرونة بنظام تقييم موضوعي وفعال.
بيئة تشريعية
لم تتوقف الحكومات المتعاقبة يوما عن إظهار رغبتها في الإصلاح الإداري، متناسية أن هذا النوع من الإصلاح يحتاج إلى إصلاح سياسي وتشريعي يشمل بيئة العمل بشكل كامل. وقد لفت بعض أساتذة الإدارة إلى أن أحد الأسباب الرئيسية للحرب يعود إلى وجود اختلال في التشريع، خاصة في ظل وجود تشريع للبطة البيضاء وتشريع آخر للبطة السوداء. فحتى اليوم يوجد مسؤولون «أولاد ست» وآخرون «أولاد جارية» وما يُسمح لأولاد الست غير مسموح لأولاد الجارية، والبعض صدق نفسه أنه فوق القانون ولذلك تم اختراق الحدود السورية وشراء المعابر فاندلعت الحرب.
مستقبل الإدارة
لا يخفى على كثيرون أن الإدارة هي مستقبل، إلا أنها مستقبل لا يملك أسسا في الحاضر، فمن المحزن أنه عند السؤال عن مستقبل الإدارة يجيب كثيرون «مستقبل الإدارة ليس قريباً»، فاليوم يوجد اجتهادات فردية ولكن الإدارة تحتاج إلى قيادات إدارية فاعلة.
ضعف الكادر البشري
أكد كثيرون أن ضعف الكوادر هي إحدى نقاط ضعف الإصلاح الإداري، متسائلين عن سبب إبداع الكادر السوري في الخارج مقابل عدم قدرته على العمل ضمن البيئة الحكومية. ويرى الدكتور أيمن عبيد «لدينا عدد كبير من الكوادر المدربة والمؤهلة إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن في أنها كوادر مهمشة لأنها نزيهة ولا تقبل الرشى مقابل أعمالها».
الشخص المناسب مفقود
من أكثر العبارات التي لم يتم التوقف عن ترديدها يوما هي «الشخص المناسب في المكان المناسب»، ولذلك رأى كثيرون أن الشخص المناسب لن يأتي إلى هكذا المكان، وهو ما يعني أن تلك العبارة من غير الممكن تطبيقها، فقد رأى عبيد أن «المحسوبيات والواسطة هي التي تشكل التوافق في معظم بيئات العمل، وبذلك يتم التوافق بناء على المصالح الخاصة بدلا من التوافق بناء على الإدارة المثمرة، خاصة بعدما انتشر سرطان الفساد في الجسم الحكومي».
الإدارة… تغيير
يرى عبيد أن الإدارة هي علم التغيير، وهو ما يعني أنه يجب التقدم في كل خطوة، وأما اليوم فمشكلتنا الأساسية هي أننا لا نأخذ بمعايير الإدارة، وبذلك ندير أعمالنا بما لا يحقق معادلات صحيحة، ويتابع «الإدارة في سورية لا تحقق معادلتها لأنها تحتاج إلى إعادة هيكلة للوزارات كافة، وهو ما يعني ضرورة العودة إلى نظام كل وزارة، كي يتم تحديد متطلباتها، لأن الوزارات اليوم تحتاج إلى هيكل إداري وتنظيمي بالإضافة إلى تحديد الإطار العام للخبرات». كما لفت عبيد أنه «عند العمل على هذه الأفكار فإنه سيتم توفير أكثر من 100 مليار ليرة سنويا كفساد إداري»، وذلك بناء على إحصائيات قام بها. وأكد أنه كي نساعد الإدارة على النهوض «يجب العودة إلى الصفر، خاصة وأننا اليوم تسويقيا لا نعمل بقدر ما نسوق».
الإدارة حديث قديم
يقول الأستاذ في الإدارة على الخضر: إن «الحديث عن الإصلاح الإداري يدور منذ ما يزيد عن 15 عاماً، بالتوازي مع الحديث عن مكافحة الفساد، وهذا الأمر تجسد بمؤتمرات الحزب التي أقرت بضرورة إحداث ما يسمى بهيئة خاصة لمكافحة الفساد.
وأشار الخضر إلى أن «صناعة التدريب تقوم على مجموعة من العناصر منها تحديد الاحتياجات التدريبية، ثانيا تحديد من هم المتدربون، ثالثا تحديد محتوى الاحتياج التدريبي، رابعا اختيار مدربين مؤهلين وأخيرا اختيار الطرق والوسائل ومن ثم القيام بالبرنامج التدريبي».
وأكد أنه قد لا يكون بمقدور المتدربين خاصة في النسق الإداري الحالي أن يؤثروا تأثيرا كبيرا في عملية تحسين مستويات الأداء الإنتاجي، وفقا لما تعلموه في مراكز التدريب، وهذا الأمر قد يعود بالدرجة الأولى لعدم توافر البيئة الإدارية المناسبة والتي تتمثل بالأنظمة والقوانين النافذة باللوائح الداخلية والهياكل التصميمية.
وزارة التنمية الإدارية… مشغولة!
حاولنا التواصل مع وزارة التنمية الإدارية للحديث حول ما حققته من دعم للإدارة فتم إجابتنا بأنهم مشغولون ولا يمكنهم التحدث خلال الفترة الحالية.
المصدر: صحيفة الأيام السورية