بحضور النائب الاقتصادي وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك خصص مجلس الشعب جلسته أمس لمناقشة موضوع غلاء الأسعار في السوق السورية، وعدم وجود ضوابط ناجعة للأسعار.
التحويلات المصرفية البديلة أثمرت و50 ألف طن مازوت ستصل بين 15 و25 الشهر الجاري للمرة الأولى بتاريخ سورية تتوقف مصفاتا حمص وبانياس عن الإنتاج، وسنستورد 100 ألف طن طحين شهرياً بسبب الأزمة بدأنا بوضع اليد على مطاحن خاصة بقوة بالقانون، ما سيرفع إنتاج الطحين بمعدل 1000 طن يومياً فساد في مؤسسات عامة يعمق الخلل بين العرض والطلب ليجني تجار الأزمات أرباحاً خيالية ليس اختصاص وزارة التجارة الداخلية أن تعمل مطوعاً في السوق وهذا أبغض الحلال الأزمة أعطتنا دروساً كثيرة يجب أن نضعها على الطاولة فور انتهائها لنعيد بناء النموذج الاقتصادي السوري الجديد المطلوب سياسات البنك المركزي تحتاج إلى دراسات جدية و«خمسة الآلاف دولار شهرياً» جاءت بعكس المطلوب حتى الآن نأمل أن نستأنف تصدير النفط مع نهاية العام الحالي لنتمكن من ترميم احتياطاتنا من العملة الصعبة
وتحدث عدد من أعضاء المجلس عن مشكلة ارتفاع الأسعار والأسباب التي تقف وراءها، مطالبين الحكومة باتخاذ الإجراءات الحاسمة للتصدي لـ«تجار الأزمات» وللفاسدين من موظفي الدولة الذين تدفعهم مصالحهم الشخصية لتعميق مشكلة ارتفاع الأسعار، وخلق أسواق سوداء لبعض السلع مثل الخبز والمشتقات النفطية وغيرها بسبب الاحتكار والفساد، وضعف الرقابة.
وتطرق بعض الأعضاء إلى ما تعانيه بعض المحافظات وخاصة حلب منذ أشهر، موضحين أن محافظة حلب «خارج التغطية» فلم يدخلها منذ أربعة أشهر أي مشتق نفطي، كما أن ساعات تقنين الكهرباء تصل فيها إلى 12 ساعة يومياً كما تنقطع عدة أيام في بعض مناطقها، آخذين على الحكومة عدم قيامها بإرسال أي لجنة اقتصادية تقف على معاناة المواطنين بحلب «التي تستغيث اليوم لتأمين الأساسيات لاستمرار حياة المواطنين من خبز ومازوت وكهرباء وغيرها، موضحين أن توافر هذه المواد في السوق السوداء ولكن بأسعار مرتفعة جداً تصل إلى 250 ليرة لربطة الخبز و125 ليرة لليتر المازوت و4000 ليرة لأسطوانة الغاز، يثير التساؤلات حول من هو الذي يؤمن هذه السلع في السوق السوداء.
وكان «النائب الاقتصادي» قدري جميل افتتح النقاش حول غلاء الأسعار بمداخلة تحدث فيها عن أسباب ارتفاع الأسعار، وخطة الحكومة ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في مواجهة هذا الارتفاع، مبيناً أن البيان الوزاري الذي قدمته الحكومة أمام مجلس الشعب تحدث عن قضايا مستعجلة وملحة فرضتها الأزمة التي تمر بها البلاد فأجّل عملياً معالجة القضايا المتوسطة والبعيدة المدى «ففي ظرف الأزمة لا يمكن إلا حل القضايا المستعجلة ضمن أولويات تبدأ بقضية النقل الداخلي» وتحديداً السكك الحديدية، ثم التحويلات المصرفية مع الخارج، ثم الاحتياطات الإستراتيجية للمواد الأساسية من غذائية ومشتقات نفطية، وضرورة تأمينها، أي إن البيان الوزاري كان واقعياً، وتنبأ بالمشكلات القادمة التي ستواجه البلاد.
وأضاف جميل: لو تمكنا من حل قضية النقل والسكك الحديدية لكنا توصلنا إلى حل أكثر من 50 بالمئة من قضية النقل في البلاد، فالخطوط الإستراتيجية للسكك الحديدية في سورية هي ثلاثة خطوط، خط دير الزور - حلب، وخط حلب بانياس، وخط دمشق بانياس، وهي متوقفة بكليتها فعلياً، فخط دير الزور- حلب متوقف بسبب الكيلومترين الأولين منه، وخط حلب- بانياس متوقف بسبب بضعة كيلومترات تمر بإدلب، وخط دمشق- بانياس متوقف بسبب 17 كيلومتراً في حمص، ولطالما بحثنا مع الجهات صاحبة العلاقة كيفية حل هذا الموضوع ولكن على ما يبدو فإن الحل مستحيل في الظروف الحالية.
وبين جميل أن حمولة القطار الواحد من المشتقات النفطية تعادل ما يحمله 80-90 صهريجاً، وفي الظروف الحالية يتعسر قيام الصهاريج بالنقل بين المحافظات أو بالسيارات الشاحنة بسبب صعوبات جمة لكونها تحتاج مرافقة أمنية وتنسيق بين المحافظين والقطع العسكرية المختلفة بين محافظة وأخرى، ما رفع عملياً أسعار النقل بنسبة 5 أضعاف، فإذا ارتفع النقل بين اللاذقية ودمشق خمسة أضعاف فسينعكس ذلك على أسعار المفرق بالبضائع القادمة بهذه الشاحنة أو هذا الصهريج.
وقال جميل: توقعنا أن تعاني احتياطياتنا الإستراتيجية وخاصة من المازوت المشكلات فنحن ننتج 50% من استهلاكنا في مصفاتي حمص وبانياس كما نستورد 50% وعندما أتينا إلى الحكومة فوجئنا بأن خطوط التحويل المصرفي متوقفة كلها بسبب العقوبات، ولم يجرِ في الوقت المناسب اتخاذ الاحتياطات المطلوبة لتجاوز هذه العقبات في وجه التحويلات المصرفية، فالظاهر أن جهاز الدولة الذي يصر على العمل حسب العادات والتقاليد السابقة، مع عدم تقبله للتغيير في طرائق عمله، لم يتوجه إلى البحث عن تدابير غير تقليدية، ونحن في زيارتنا الأولى لموسكو، اكتشفنا أنه ليس هناك أي خط تحويل مصرفي يعمل مع مصارف روسية من الدرجة الأولى بسبب العقوبات، وكان الحل يتطلب فقط سؤالاً بسيطاً لإخواننا الإيرانيين، كيف تعاملوا مع روسيا خلال 30 عاماً من العقوبات.
وبين جميل أن الحل الذي قدمته الحكومة لإيجاد خطوط بديلة للتحويلات المصرفية أعطى النتيجة بشكل فعلي بتاريخ العاشر من الشهر الماضي حيث تم أول تحويل مصرفي لاعتماد مستندي، وحسب العقد تصل الشحنة الأولى بعد مرور 45 يوماً من تاريخ فتح الاعتماد موضحاً أن هذه الشحنة هي عبارة عن 50 ألف طن من المازوت ستصل بين 15 و25 كانون الأول الجاري.
وأوضح جميل أن مشكلة المشتقات النفطية ستبدأ منتصف الشهر الحالي بالتحلحل، إلا أن انعكاس الحل على السوق يحتاج من شهرين إلى ثلاثة أشهر، لأن الاحتياطات الآن هي في حالتها الدنيا في المستودعات ما يقتضي معالجة وضع هذه الاحتياطات، فموضوع المازوت عند (حله) سيشمل ثلاث أولويات هي تلبية حاجات الزراعة والمزارعين لضمان الموسم والمحاصيل، ثم تلبية حاجات النقل ثم تلبية حاجات الاستهلاك المنزلي.
وتحدث جميل عن مشكلة أخرى تتعلق بالمشتقات النفطية أدت إلى توقف مصفاتي حمص وبانياس للمرة الأولى منذ إنشائهما، موضحاً أن ذلك حدث بسبب توقف خطوط النفط الخفيف من دير الزور حيث تعمل مصافينا على (خلطة من النفط الثقيل والخفيف) وبالتالي لا يوجد اليوم أي ليتر مازوت ينتج محلياً.
وتحدث جميل عن عوامل أخرى (ذاتية) أدت إلى تفاقم مشكلة المشتقات النفطية، فهناك في مؤسسات الدولة التي تدير عملية المحروقات فساد كبير وهذه المؤسسات تلعب دوراً كبيراً في تعميق الخلل بين العرض والطلب وهكذا يجني البعض من المتنفذين في جهاز الدولة وتجار الأزمات في السوق أرباحاً خيالية.
كل ذلك أدى بحسب جميل إلى بلوغ سعر ليتر المازوت 40 ليرة في المناطق الآمنة وأكثر من 100 ليرة في بعض المحافظات.
وتحدث جميل أمام المجلس عن أزمة الخبز موضحاً أن البلاد تعاني من مشكلة طحين، فسورية تنتج يومياً في الأحوال العادية لتغطية الاستهلاك المحلي بين 8-9 آلاف طن، ولكن «لم أفهم لماذا تم وضع نصف مطاحن سورية في حلب، مع أن المناطق الشرقية هي المنتجة للقمح، ولا تنتج أكثر من نصف حاجتها من الطحين، وهي ترسل القمح إلى حلب ليتم طحنه، ثم تستعيد الطحين، ما يرفع التكاليف بشكل كبير، ولا أعرف من هو الاقتصادي الذي وضع هذه المعادلة في سورية، التي انعكست خلال الأزمة على سعر الرغيف نفسه».
وقال جميل: بشكل مفاجئ توقفت 23 مطحنة في حلب ما أدى إلى انخفاض إنتاج البلاد من الطحين 40%، وهذه المشكلة لا يمكن حلها بوسائل اقتصادية وإنما عسكرية، كما أن النقل متوقف.
وأوضح جميل أن دمشق تحتاج لألفي طن من الطحين يومياً على حين تبلغ قدرة مطاحن دمشق وريفها 1200 طن، ولذلك فدمشق تستقطب يومياً 800 طن من محافظات أخرى، وأحياناً بعض مطاحن دمشق وريفها يتوقف بسبب الأوضاع الأمنية، مشيراً إلى أن الحكومة بدأت أمس بوضع اليد على مطاحن خاصة سواء بالتراخيص أو بقوة بالقانون، في دمشق وحمص والسويداء، ما يرفع إنتاج الطحين يومياً بمعدل 1000 طن.
ولفت جميل إلى أن أسباب أزمة الخبز مفهومة في حلب متسائلاً: ولكن الرقة التي تحتاج يومياً لـ600 طن من الطحين وتنتج يومياً 200 طن، وتستقطب 200 أخرى، أي ينقصها يومياً 200 طن من الطحين، فهل يبرر هذا أن سعر ربطة الخبز وصل إلى 250 ليرة في الرقة معرباً عن اعتقاده بأن جهاز الدولة والمجتمع المحلي لا يقومان بدورهما، فسيطر «البلطجية» على السوق وعلى كوات توزيع الخبز.
وقال جميل: إن الحكومة توجهت لبعض الأصدقاء لأول مرة في تاريخ سورية لاستيراد الطحين موضحاً أن سورية تستورد في السنة 40-50 ألف طن من الطحين، ولكن إذا استمرت الأزمة فسنضطر لاستيراد 100 ألف طن شهرياً وهو «ما سنقوم به».
وفيما يتعلق بسعر الصرف والقطع الأجنبي قال جميل: إن سعر الدولار اليوم بلغ ما بلغ، مترافقاً مع تراجع الكتلة السلعية والزراعة والصناعة، وهذا الخلل يؤثر على القيمة الشرائية لليرة السورية، ومع أنه إذا ارتفعت قيمة الصرف لا تتغير الأسعار لأن الأسعار لا علاقة لها بقيمة الصرف وإنما بالقدرة الشرائية لليرة.
وأوضح جميل أن سياسات البنك المركزي تحتاج إلى دراسات جدية للتعامل مع سعر الصرف، فالمركزي كان يتصور أن قصة «الخمسة آلاف دولار شهرياً» التي اتبعها ليبيع للمواطنين ستؤدي إلى التأثير على سعر الصرف، ولكن تجربة الأسبوعين الماضيين أثبتت العكس، ولا يزال المصرف المركزي يصر على أن النتيجة تحتاج المزيد من الوقت، لافتاً إلى أنه علينا أن نحتفظ بالعملة الصعبة لتأمين استيراداتنا الأساسية المتعلقة بلقمة المواطنين وبالقضايا الإستراتيجية، كتشغيل عجلة الصناعات الإستراتيجية واحتياجات الجيش العربي السوري.
وتابع جميل بالقول: نأمل أن نستأنف تصدير النفط مع نهاية العام الحالي لنتمكن من ترميم احتياطاتنا من العملة الصعبة.
وأضاف جميل فيما يتعلق بغلاء السلع والخضار والفواكه وغيرها: ليس اختصاص وزارة التجارة الداخلية أن تعمل مطوعاً في السوق ولكن هذا أبغض الحلال، والوزارة لا صلاحية لها لتتدخل سوى بـ15% من الأسعار، وهي لا تمتلك أكثر من 700 مراقب تمويني على حين تحتاج البلاد إلى 15 ألف مراقب، مشيراً إلى أن الحل يكمن في التدخل الإيجابي من المؤسسات وخاصة المؤسسة العامة الاستهلاكية ومؤسسة الخزن والتسويق، ولكن هذه المؤسسات وبسبب الأنظمة والتشريعات والروتين تحولت إلى تاجر مفرق على حين يجب أن تكون تاجر جملة وأن تكون هي المتحكمة بالأسعار.
وختم جميل بالقول: هذه الأزمة أعطتنا دروساً كثيرة يجب أن نتذكرها ونعتبر منها حتى نضعها على الطاولة في اليوم الأول بعد انتهاء الأزمة، لنعيد بناء الاقتصاد السوري والنموذج الاقتصادي الجديد المطلوب الذي يؤدي إلى تحقيق أهداف النمو العالي والعتبة الاجتماعية العالية، ولكن الأولوية اليوم هي للخروج من الأزمة وهذا يضطرنا للتعاطي مع المشكلات بالمفرق وأن «نصلي على الحاضر»، فاليوم نعالج مشكلة الغاز وغداً مشكلة الطحين، وبعده المازوت، وهكذا.