خلال جولة قامت بها تشرين إلى سوق المهن اليدوية في التكية السليمانية بدمشق لاحظنا غياب الحيوية والحركة في هذا المكان فأكثر المحال وجدناها مغلقة وبعضها الآخر رغم فتحه إلا أنه خال من الزبائن وعكف أصحابها على وضع طاولات في الخارج والتجمع للعب النرد واحتساء الشاي والقهوة.
أحمد الرباط يعمل في مهنة (القيشانيات الشرقية) وهي عبارة عن قطع خزفية مرسوم عليها نباتات وأشجار أو مكتوب آيات قرآنية وهذه القطع مصنوعة من الخزف الصيني لكن أصلها دمشقي وتتشكل منها عدة أشكال (مزهريات، أباريق، فازات، صحون، زبادي) توضع في البيوت للديكور وكل مواد هذه الحرفة متوافرة وقديمة، وحول هذه المهنة قال الرباط: مهنتنا تعتمد على السياح من دول الخليج وأوروبا بشكل أساسي وهؤلاء السياح غير متوافرين الآن لذلك فحركة البيع معدومة، وبعض الدول أخذت تطلب يداً عاملة في هذه المهنة للعمل في الخارج، ونتيجة قلة العمل امتنع بعض الحرفيين عن دفع الضرائب ما أدى إلى تراكمها، نتمنى السعي إلى إعفائنا من الضرائب أو على الأقل تأجيلها لحين عودة الحياة الطبيعية إلى البلد فلو كانت أمور العمل جيدة لم ينزعج أحد من دفع الضرائب بل على العكس.
أما زاهر الجفل الذي يعمل في صناعة الفضة والأحجار الكريمة فقال: إن صناعة الفضة قديماً كانت من فضة خام دون إدخال أي قطع إليها الآن يتم إدخال الأحجار والمينا والنحاس فأصبحت البضائع اكثر تنوعاً ويتم إدخال النحاس إلى الفضة أيضاً لتخفيض السعر الذي ارتفع بشكل واضح.
إيليا زيدان نائب رئيس الاتحاد العام للحرفيين قال: إن الحرفيين هم رافد كبير للاقتصاد الوطني ومستعدون بشكل دائم للمشاركة في التنمية الاقتصادية إلا أن الظروف الحالية التي تمر بها سورية كان لها تأثير مباشر على كل الحرف سواء مهنية أم صناعية وأدت إلى تعطيل حركة السوق والعمل.
فالتأثر في الحرف المهنية كان من خلال عنصرين أساسيين هما الإنتاج والتسويق، وارتفاع سعر المواد الأولية أمر حتمي حتى الآن بسبب العقوبات الاقتصادية، والإنسان بطبيعته في البداية يفكر في أمنه وغذائه ومن ثم في أمور أخرى كالشرقيات والمقتنيات الفنية وغيرها، فمنتجات هذه المهن الحرفية التراثية الآن تذهب إلى السوق المحلي، وكل المواطنين لديهم محبة وعشق للتراث القديم في حين كان الاعتماد الأكبر في السابق على السياح الذين يرغبون في اقتناء هذه المنتجات.
واضاف الحكومة الآن مهتمة بهؤلاء الحرفيين، ونحن كمنظمة نرعاهم ونسعى دائماً لأن تكون لهم أماكن خاصة للعمل، ففي مهرجان الربيع يتم فتح سوق خاص بالحرف التراثية في (خان رستم باشا) في حلب، إضافة إلى أسواق أخرى كخان الشونة في حلب، والتكية في دمشق.
واشار زيدان إلى فكرة مشروع يطمح إليها الاتحاد وهي القرية التراثية للحرفيين وهو مشروع ضخم مكلف يحتاج إلى أرض واسعة حوالى (200 دونم) ليغطي كل الحرف سواء أكانت تراثية أم إنشائية، فيكون خليطاً من القديم والحديث، هذه التجربة سيتم البدء بها في دمشق ثم تعمم على مختلف المحافظات في حال نجاحها وحققت مردودية جيدة، وسيكون اختيار مكان المشروع بالقرب من مركز المدينة ليسهل على الجميع رؤيته والتسوق منه وكل الأمور كانت مستجابة إلا أن ما يعرقل التنفيذ هو الظروف الحالية.
ويضيف زيدان: إن الاتحاد طلب أكثر من مرة من وزير المالية إعفاء الحرفيين من ضريبة الدخل وذلك بقصد تنشيطهم وتفعيلهم والمحافظة على تراثنا، ولكن الرد بالمجمل أنه لا يوجد نص قانوني يعفي هؤلاء، نحن نسعى لإيجاد حل لهؤلاء الحرفيين لأنهم بالتأكيد لو أن حركة الأسواق أفضل فإنهم لن يترددوا في دفع الضرائب، ولكن السؤال الوحيد: ماذا يفعل الحرفي مع انعدام دخله؟؟
ويضيف: عندما يتم دعم الحرفيين وخلق مناخ مناسب لعملهم والاهتمام بهم وتشجيعهم فإنهم لن يتركوا مهنتهم تزول وتندثر، فأي مهنة تزول هي مهنة لم تجد من يرعاها، فالآن وزارة الاقتصاد تدرس منح قروض صغيرة ومتناهية الصغر للحرفيين، ونحن ندرس إمكانية عمل تجمعات لدعم وتسويق منتجاتهم والحرفة حين تندثر لن يبقى لها استعمال ورواج طبيعيان كالسابق، وأصبحت لها بدائل عديدة، فالإنسان قديماً كانت حاجته الضرورية لشيء ما تجعله يفكر في صناعته (فالحاجة هي أم الحرفة)، الآن لم يعد بالإمكان أن تغطي هذه الحرفة القديمة حاجات كل الناس نظراً لكثرتهم وتعدد الخيارات والبدائل.. فمثلاً توجد حرف بسيطة بإمكاننا القول إنها اندثرت، كصناعة كراسي الخيزران وهي صناعة قديمة تطورت وأُحلّ بدل منها الخشب ثم البلاستيك، فالآن البديل أسرع وبتكلفة أرخص، فبقيت هذه المنتجات فقط للزبون الذي يرغب بها حيث انخفض مدخوله الحرفي تدريجياً في هذه المهنة مع انعدام رغبة المواطنين في حيازتها.
ويؤكد زيدان أن نسبة تراجع الصناعات المهنية الآن هي حوالى 70%، وعن أعداد الحرفيين لا يمكن حصر عددهم لأن التسجيل في الاتحاد غير إلزامي وتوجد أكثر من جمعية تضم الحرفيين لكن عدد المسجلين في الاتحاد يفوق 8000 حرفي من جميع المهن (فخار، نول، ألبسة حرير، الخشب المعشق، زخرفة الزجاج) في كل المحافظات ويمكن أن يكون نشاط مهنة في مدينة أكثر من أخرى، وفي محافظة دمشق تقريباً 2000 منتسب.