اتبع المصرف المركزي السوري منذ فترة قصيرة سياسة جديدة للتدخل في تحديد سعر صرف العملات الأمر الذي ترافق مع ارتفاع مواز للأسعار على اعتبار أنه يقوم بتحديد سعر مرتفع تدريجياً للدولار.
وفي هذا السياق اعتبر الباحث الاقتصادي الدكتور قيس خضر أن السماح للمصرف التجاري السوري كجهة إدارية ببيع القطع لم يكن سوى «فقاعات إعلامية تساوي الصفر» وذلك من حيث التحليل الاقتصادي، «لأنه سيان عند الجميع في حال قدمها التجاري أو حتى بائع دكان عادي في أحد شوارع مدينة دمشق، لأن المسألة تتوقف على وصول هذه العملة إلى اليد الحقيقية التي ستعيد إنتاج الدولار على شكل سلع وخدمات للمواطن السوري».
وأشار خضر في تصريح لـ«الوطن» إلى أنه من غير المعيب تحديد سعر صرف الدولار الواحد بما يعادل 70 ليرة سورية ولكن شرط ألا يصل إلى حدود 90 ليرة كما اليوم لأن في ذلك إجحافاً لليرة السورية، مبرراً ذلك بأن الاقتصاد العيني هو الآن أقوى من أن تكون قيمة الليرة المرافقة له بحدود 90 ليرة سورية للدولار الواحد.
وأكد الباحث خضر أن المصرف المركزي لديه الآن الفرصة في أن يقوم بتحديد الأيادي التي تستحق العملة الصعبة، ويقوم بإخراج الأيادي المضاربة التي تمتد نحو الدولار، وبهذه الوسيلة يستطيع أن يمد من يحتاج إليه ليعاد صرف الدولار في البنية الإنتاجية للاقتصاد السوري.
وأضاف: هكذا لن تضيع الموارد لأنه سيعاد إنتاجها على شكل قيمة مضافة أخرى في السوق ما سيعمل على تحسين الضفة الأخرى وهي ضفة الأسعار لأن الإنتاج سيعني توافر السلع للمواطن السوري ما سيؤدي إلى تهذيب الأسعار في السوق السورية.
وقال خضر: لا يكاد يخفى على أي محلل أو متتبع اقتصادي بأن الاقتصاد السوري بات يعمل وفق أدوات عرفية تقليدية غير علمية، موضحاً أن معضلة التسعير تكمن في الجسر الواصل بين التسعير المصرفي المرتبط مباشرة بسياسات وقرارات المصرف المركزي من جهة، وعلى الضفة الأخرى من هذا الجسر سنجد الاقتصاد العيني الحقيقي أي أسعار السلع والخدمات الرائجة في الاقتصاد السوري.
ولما كانت سياسات المصرف المركزي اتسمت بما اتسمت به من بعض التلكؤ والضعف والتأخر أحياناً في مجريات الأحداث والإشكاليات الاقتصادية التي صاحبت الاقتصاد السوري كانت هذه الموجة والهزة السلبية تنتقل إلى الضفة الأخرى بشكل أكثر اتساعاً، وهذه هي أزمة الاقتصاد السوري أي إن المشكلة التي انتابت سعر صرف الليرة السورية - وهي حقيقية في معظم أبعادها- انتقلت أضعاف مضاعفة وبصورة غير منطقية إلى الجانب الآخر من الجسر وهو جانب الاقتصاد العيني الحقيقي الذي أصاب بطون المواطن السوري مباشرةً، «ذلك أن المواطن لم يكن ليتأثر بشدة بتقلبات أسعار الصرف ولاسيما بانخفاض قيمة العملة السورية إلا عندما انعكست بشكل كبير جداً وفي معظم الحالات بشكل غير مبرر».
وفي هذا الصدد أكد الباحث خضر أن المركزي لم يكن دقيقاً في ضبط حركة سعر الصرف أبداً رغم أنه كان يملك القدرة للتدخل، ونعيد التركيز على ضرورة أن يتدخل كمياً ونوعياً.
واعتبر خضر أن المركزي وصل إلى السوق متأخراً لأنه وصل بعد أن وصل المضاربون قبله ونهشوا من قيمة الليرة السورية ما استطاعوا أن يغنموه جراء الأزمة. فسعر الصرف بما وصل إليه لم يكن سوى بحدود الـ40% فقط منطقياً نتيجة الأزمة ونسبة أكثر من 60% من انخفاضها هي نتيجة أزمة مضاربات وهنا يلام المصرف المركزي.
لكن في أماكن أخرى لا نستطيع على لومه ضعف الليرة السورية بكل أبعاده ذلك أن له أبعاداً اقتصادية عينية حقيقية لا يستطيع المركزي التحكم بها، وإنما بعد التأخر عن ضرب المضاربين وتحديد حركتهم هو البعد الذي يلام عليه والنقطة الأخرى أنه لم يعر هذا الاهتمام لمسألة نستطيع أن نحملها ليس بالكامل على المركزي فقط وإنما على عاتق الفريق الاقتصادي الحكومي بضبط آليات انتقال إشكالية سعر الصرف إلى سعر السوق الحقيقي.
وفي سؤال عن وجود احتمال غياب هذه الفكرة أساساً عن المركزي في بداية الأزمة وعدم توقعها اعتبر خضر أن بعض الصدأ في أدوات السياسة النقدية هي التي منعته من الدخول ونستطيع الجمع بين عاملين سببا التأخر في الوصول إلى السوق السورية الأول هو عدم المعرفة التامة والثاني هو عدم الرغبة.
كما حاول المركزي في بداية الأمر اللجوء إلى سياسات تقليدية تطمينية ولكن مثل هذه السياسات ما كانت لتجدي في ظل ظرف جديد وخصوصاً أنه لم يعتد على اعتماد سياسات بقوة معينة، ولذلك نقول إننا كنا بحاجة إلى حسم نقدي من المصرف المركزي وكنا دوماً نقول إنه اعتاد استخدام أسلحة خفيفة في مواجهة أزمة سوق صرف كبيرة لأنه كان عليه التدخل بثقل منذ البداية.
وأشار خضر إلى أن غياب الإرادة وعقلية اتخاذ القرار هما السببان الرئيسيان في تفسير عدم نجاعة حلول المركزي السريعة التي من المفترض أن يقوم بها.