أوقف المصرف التجاري السوري منذ بضعة أيام مضت بيع الدولار بشكل مباشر للمواطنين وبسعر السوق السوداء، بعد أيام قليلة لا تتجاوز الأسبوع على مباشرة البيع بسقف خمسة آلاف دولار أو يورو شهرياً لكل مواطن كنوع من التدخل في أسواق صرف العملات الأجنبية السوداء (الأسواق لا العملات).
وحسب المصرف التجاري السوري، فإن هذا القرار بوقف البيع المباشر للمواطنين، لم يتخذ بشكل داخلي ضمن المصرف، بل جاء تنفيذاً لقرار مصرف سورية المركزي في هذا الشأن، الذي أبلغ التجاري السوري وقف البيع لأسباب تتصل بالمركزي وسياسته في هذا الشأن، والمعطيات التي ترد إليه من السوق المحلية، مع الأخذ بالحسبان أن قرار وقف البيع المباشر للمواطنين، شمل الدولار واقتصر عليه، ولم يشمل اليورو الذي استمر بيعه للمواطنين بشكل مباشر وبأسعار السوق السوداء.
ووفقاً للمصرف التجاري السوري، فإن المصرف يعتبر الذراع التنفيذية لمصرف سورية المركزي في مسألة البيع، ولا يتدخل في تفاصيلها من حيث استمرار البيع أو وقفه، ومن حيث السعر المحدد للبيع، بالنظر إلى أن هذه التفاصيل برمتها تدخل ضمن صلاحيات ومسؤوليات مصرف سورية المركزي.
مصادر الأسواق المصرفية وأسواق صرف العملات تحدثت لـ«الوطن» عن احتمال قيام مصرف سورية المركزي بتغيير إستراتيجيته خلال الفترة الحالية من حيث التدخل الإيجابي في سعر صرف العملات في السوق السوداء، معتبرة أن تغيير إستراتيجية التدخل في حال حصوله، فإنه ولا شك ناجم عن هامشية التغيير الذي أحدثه البيع المباشر للدولار إلى المواطنين، متحدثة في الوقت نفسه، عن أخبار ترد حول نية مصرف سورية المركزي إجراء مزادات أو جلسات بيع للدولار في مقر المصرف المركزي، كما كان الحال سابقاً يوم ارتفعت أسعار الدولار ضمن مستويات مقبولة، وقبل أن تفلت أسعاره بهذا الشكل الجنوني حالياً، مضيفة: إن جلسات البيع هذه تبقى ضمن علم المركزي، ولكن الأخبار من مصادر عديدة تطابقت وتقاطعت حول نية المركزي اعتمادها وسيلة للتدخل، مشيرة إلى أن هذه الأخبار مبنية على ما يبدو على الاجتماع الأخير الذي عقد في مصرف سورية المركزي مع شركات الصرافة ومؤسساتها ومكاتبها التي تتحدث في السوق عن قرب إقامة جلسات بيع للدولار، في محاولة لخفض أسعاره والحد منها في ارتفاعها صرفاً أمام الليرة السورية.
مصادر مصرفية مطلعة، وفي تصريح خاص لـ«الوطن»، تحدثت عن أن الحل الوحيد للحد من ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية في السوق السوداء، يكون من خلال التدخل غير المباشر وغير العلني، بحيث يتحول هذا التدخل إلى مضارب سلباً في مضاربات ومداولات السوق السوداء، بالنظر إلى أن البيع المباشر لم يحقق الغاية منه، أو لم يستمر لفترة كافية لتظهر نتائجه، على حين إن جلسات بيع الدولار أو المزادات لم تسجل سابقاً نجاحاً يذكر، بعد أن استحوذت بضع شركات صرافة ومضاربين على مبالغ التدخل ولو بأسماء متعددة، وباعتها بأسعار تضمن لها أرباحاً فاحشة.
المصادر المصرفية المطلعة، وفي حديثها لـ«الوطن» اعتبرت أن السرية في عمليات التدخل ضرورية لتكون النتائج على مستوى الطموح ولو بالحد الأدنى، لجهة أن يكون التدخل وفق خطة سرية دائمة، ويكون التدخل بشكل فجائي حال ارتفاع السعر ولو لنصف ليرة سورية، بحيث يكون هذا التدخل فارضاً للسعر، وليس مجارياً له، وبعبارة أخرى، يجب أن تكون المبادرة في يد الجهات المتدخلة بحيث تحدد هي السعر، وتحاول شركات الصرافة التعامل مع هذا السعر، بدلاً من أن يحدد المضاربون السعر، وتعمد الجهات المتدخلة إلى تخفيض ليرة أو ليرتين في سعر تدخلها، لأن تدخلها في هذه الحالة يكون متأثراً أو مفتعلاً، بدلاً من أن يكون مؤثراً أو فاعلاً.
وتضيف المصادر: إن الرقابة الحقيقية على عمل شركات الصرافة حجر أساس في نجاح آلية التدخل، بحيث يمكن توجيه إنذار قوي لشركات الصرافة لعدم التلاعب بالسعر، أي بمقدرات القطاع النقدي السوري، مع الاستمرار بمراقبة هذه الشركات، وفي حال عدم الالتزام يمكن أن تطبق عقوبات قاسية بحق إحدى الشركات الفاعلة وليس التابعة، لتكون عبرة لبقية الشركات، حتى تلتزم بقيتها في طريقة عملها، والابتعاد عن المضاربة بسعر صرف الدولار، ولاسيما أن كل تجربة من التجارب التي تجريها الجهات المتدخلة، تكلف سورية ملايين الدولارات، وارتفاعات مهولة في أسعار السلع والحاجات الضرورية يومياً للمواطن، وما يرتبه ذلك من آثار سلبية على المجتمع وأفراده، ومن ثم يجب عدم السكوت عن ممارسات شركات الصرافة في مضارباتها وتجاوزاتها، بل يجب اتخاذ إجراءات رادعة تكفل التزامها بالسلوك القديم.