بدأت الجهات المعنية في مدينة الحسكة بتوزيع الخبز على المواطنين عن طريق المعتمدين، وهذا يعني أن المخابز الآلية الموجودة في مدينة الحسكة لم تعد توزع أي رغيف على المواطنين ولا علاقة لها بالبيع على الإطلاق، أي إنها عادت إلى وضعها الطبيعي مؤسسات إنتاجية فقط تنتج الخبز وتتولى جهات أخرى تسويقه. وهذا لا يعني أننا نعترض على قيام المخابز الآلية في المحافظة ببيع الخبز بشكل مباشر، فمنذ أن أسست تلك المخابز وهي تقوم بذلك، لكن الاعتراض على آلية العمل التي بدأت سلبياتها تكثر وتطفو على السطح ما جعلها تساهم بأزمة الرغيف المفتعلة في المدينة، وتكون طرفاً فيها وجزءاً من المشكلة بدل أن تكون الحل. من خلال قيام بعض العاملين الفاسدين ـ وهنا نقول البعض لا الكل ـ بتمرير كميات من الخبز لتجار السوق السوداء لبيعها للمواطنين بسعر مرتفع تراوح بين 50 و75 ليرة للربطة الواحدة، ووصل في بعض الأحيان إلى 250 ليرة للربطة حسب العرض والطلب وحسب مكان البيع. وفي مرات كثيرة كان المواطنون ينتظرون لساعات في الخارج تحت البرد والمطر في الوقت الذي كان بعض تجار السوق السوداء يقومون بإخراج ما يريدون من المخبز، فجاري مثلاً اصطف بالدور أمام المخبز منذ الساعة الخامسة مساء وحصل على الخبز في الساعة الخامسة من فجر اليوم التالي. وفي إحدى المرات هجم بعض تجار السوق السوداء على مخبز الباسل في حي غويران جنوب المدينة وأخذوا كميات من الخبز بقوة السلاح، ما اضطر الجهات المعنية إلى إغلاق المخبز لفترة ومن ثم إعادة افتتاحه بعد تولي أحد المستثمرين الإشراف على العمل فيه.
وقد جعلت الطريقة الجديدة بالتوزيع تجار السوق السوداء والمتعاملين معهم يصابون بمقتل، لأن مصادر تزويدهم بالمادة أغلقت، وانتهت طوابير المواطنين الطويلة التي كانت تبقى لفترات طويلة من الزمن أمام مخابز مدينة الحسكة, بحيث ينتظر المواطن من 8 إلى 10 ساعات لكي يحصل على ربطة خبز، وهذا دليل آخر على أن الأزمة مفتعلة بامتياز.
إذ بعملية حسابية بسيطة يمكن أن يحصل المواطن على حاجته من الخبز خلال ساعة من الانتظار فقط لا أكثر. فحسب مدير أحد المخابز الآلية في المدينة ينتج كل خط إنتاجي في أي من مخابز المدينة الآلية 650 ربطة خبز في الساعة، وهذا يعني أن مخبزاً مكوناً من خطي إنتاج ينتج 1300 ربطة في الساعة، وبتقسيم هذا العدد من الربطات على عدد المواطنين المنتظرين أمام كوة البيع وهو 400 مواطن لا أكثر، تصبح النتيجة أن كل مواطن من هؤلاء يستطيع أن يحصل على حاجته من الخبز وهي 3 ربطات خلال ساعة زمنية واحدة فقط وتبقى 100 ربطة زائدة لدى المخبز، فلماذا كان المواطن ينتظر من 8 إلى 10 ساعات أمام الكوة لكي يحصل على حاجته من الخبز؟ كما ذكرنا. هذا يعني ببساطة أن الكميات التي ترسل إلى الكوة لبيعها للمواطنين كانت قليلة والكميات الأكثر كانت تخرج من مكان آخر ولأناس آخرين.
وهذا لا يعني عدم وجود أسباب أخرى لأزمة الخبز في مدينة الحسكة، ونرجو أن تلاحظوا هنا أننا نقول مدينة الحسكة ولا نقول محافظة الحسكة، وذلك لأن هذه الأزمة محصورة ضمن المدينة فقط، وهذا دليل آخر على أنها مفتعلة، بدليل عدم حصولها في بقية أنحاء المحافظة.
ومن العوامل الأخرى للأزمة قلة الطحين الوارد من حلب بسبب توقف المطاحن هناك عن العمل، وبسبب عدم إمكانية نقله إلى الحسكة نتيجة لمخاطر الطريق، والكمية التي كانت ترد من حلب تعادل ثلث حاجة المحافظة البالغة 600 طن يومياً، ثلثاها يتم تأمينها من المطاحن الأربع الموجودة في المحافظة واحدة للقطاع الخاص و3 للقطاع العام.
أيضاً كان هناك من يقوم بشراء كميات من الخبز وإرسالها إلى المحافظات الأخرى أو نقلها إلى هناك للمتاجرة بها وبيعها بأسعار مرتفعة. أما وجود الأسر الوافدة فنحن لا نراه سبباً أساسياً أو رئيساً للأزمة، لأن تلك الأسر وفدت إلى المحافظة منذ شهور وأزمة الخبز لم تظهر سوى من شهر ونصف الشهر فقط.
ويتم توزيع الخبز على المواطنين حالياً عن طريق المعتمدين في الأحياء الشعبية كما ذكرنا، وذلك بإشراف لجان الأحياء التي قامت باختيار المعتمدين وتسجيل أسماء المواطنين لدى كل معتمد ضمن جداول اسمية أعدتها واعتمدتها الجهات المعنية، بموجب دفاتر العائلة والبطاقات الشخصية لرب الأسرة، بحيث يتم تخصيص ربطة واحدة لكل 3 أفراد، ومن ثم تقوم لجان الأحياء باستلام الخبز من المخبز وتوزيعه على المعتمدين، الذين يتولون توزيعه على المواطنين المسجلين لديهم في الجداول، بقيمة 20 ليرة لكل ربطة, أي إن كل مخبز يراجعه مواطن واحد لا مئات المواطنين.
وبدءاً من يوم الثلاثاء 22/1/2013 بدأ توزيع الخبز على المواطنين بهذه الطريقة، فارتاح المواطن وارتاحت الجهات المعنية، وغابت الطوابير الطويلة والمخجلة من أمام المخابز الآلية.
وفي اليوم الأول ظهرت بعض السلبيات التي تقوم الجهات المعنية بمعالجتها. من ذلك تأخر وصول الخبز إلى المعتمدين، ووجود 6 أرغفة في بض الربطات بدلاً من 8 أرغفة، وتأخر بعض المعتمدين برفع الجداول الاسمية للجهات المعنية لاعتمادها، ما جعل بعض المواطنين يبقون بلا خبز.
ونأمل من الجهات المعنية معالجة هذه السلبيات بالسرعة الممكنة.