حددت غرفة تجارة دمشق رؤيتها للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في مرحلة إعادة الاعمار، مؤكدة أولوية الزراعة ومضاعفة الاستثمار فيها وضرورة تحديد أولويات قطاع الصناعة بحيث يتم الاستغناء عن الاستيراد وتوفير فرص عمل كثيفة ، إضافة لدعم قطاعي الطاقة والسياحة من خلال تطوير مفهوم التشاركية.
وأفردت غرفة دمشق في رؤيتها التي أعدها مؤخرا قسم الدراسات، جانبا مهما للتجارة بشقيها الاستثماري والإنتاجي والخدمي على الصعيدين الداخلي والخارجي وفيما يلي تقدم الثورة أبرز ما جاء في هذه الدراسة المهمة التي تعتبر مقترحاتها إضافة جيدة لما يتم طرحه حاليا للنهوض بهذه القطاعات على طريق إعادة الإعمار كأولية قصوى في المستقبل القريب.
القطاع الزراعي أولاً
وتنطلق رؤية قطاع الأعمال من التأكيد على أن سورية دولة زراعية وتمتلك كل مقومات نجاح هذا القطاع ووصوله إلى تحقيق نمو اقتصادي حقيقي أعلى مما هو محقق حاليا لأنها رغم ما أحرزته من تقدم لاتزال تمتلك إمكانيات زراعية غير مستثمرة بالشكل الأمثل (32% أراضي قابلة للزراعة والمستثمر منها 80% فقط)، ومن المقترحات في هذا المجال أولا توفير مناخ ملائم لتشجيع الإستثمار في الزراعة والتصنيع الزراعي وإقامة شركات تسويق للمنتجات الزراعية السورية قطاع (عام- خاص) وإشراك المجتمعات الريفية في خلق قيمة مضافة على منتجاتها قبل بيعها.
وثانيا التركيز على الزراعات ذات الميزة النسبية والتنافسية وإلغاء جميع الزراعات غير المبررة مقابل التركيز على زراعات ذات مجالات تصديرية واسعة (زيتون- فستق- حبوب زيتية).
واقترحت إقامة مؤسسات وطنية مشتركة لدعم البحوث الزراعية وخلق قيم مضافة أعلى والعمل على تصنيع المنتجات الزراعية والحيوانية في أماكن إنتاجها لتوطين العمالة وتلبية حاجة السوق المحلية والتصديرية وزيادة القيمة المضافة.
ولفتت لأهمية الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والمائية بكفاءة وإدخال زراعات بديلة ذات عوائد اقتصادية وتحقيق فائض في الإنتاج الزراعي بالنوعية الجيدة
صناعات بديلة والنسيج في المقدمة
وأشارت غرفة تجارة دمشق إلى صعوبات تحديد القطاعات الاقتصادية التي ستكون محرك النمو في سورية بعد الأزمة، لأن ذلك سيكون متعلقاً بانتهاء الأزمة ومقدار التخريب الذي لحق بالاقتصاد السوري وقطاعاته المختلفة ولكن - وحسب رؤيتها - فإن أي عملية إعادة إعمار تحتاج إلى قطاع صناعة قوي لتوفير متطلبات عملية إعادة الإعمار ولو بشكل جزئي حتى لايتم استيراد جميع متطلباتها من الخارج, ولتشغيل اليد العاملة السورية والحد من البطالة.
ولذلك رأت أنه من الضروري في المرحلة الحالية وضع تصور أو استراتيجية صناعية تحدد مستقبل سورية الصناعي وماهي الصناعات التي يجب دعمها والنهوض بها وبناء على ذلك يمكن القيام بمايلي:
1- بناء قطاع صناعي متطور يشكل قاعدة متينة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
2- تشجيع القدرة التنافسية على أساس الابتكار والإبداع والتنوع.
3- تربيط القطاعات الصناعية بشكل منهجي تكاملي مع بقية القطاعات الاقتصادية من خلال خلق سلاسل قيمة وشبكات مؤسساتية.
4- التدريب والعمل على تطوير الخبرات والمهارات ورفع مستويات العاملين في القطاع الصناعي.
5- السماح للقطاع الخاص بإقامة مشاريع اعتماداً على مواد تنتجها الدولة مثل (مشتقات النفط والغاز - الفوسفات- القطن)، وتتمثل هذه المشاريع بالصناعات البتروكيماوية - الخيوط الصنعية - الأسمدة- الغزول القطنية - الزجاج وغيرها بهدف تعظيم القيمة المضافة منها بدلاً من تصدير القسم الأعظم منها كمواد خام واستيرادها كمواد نهائية من بلدان تفتقد لمثل هذه المواد (60% من القطن السوري يصدر خاماً- والقيمة المضافة لزراعة وحلج وغزل ونسيج وتصنيع الألبسة القطنية وتصديرها تعادل إيرادات النفط في سورية).
6- إقامة مؤسسة وطنية مشتركة (عام وخاص) لتطوير البحوث الصناعية والتطبيقات التكنولوجية الجديدة ورعاية الأفكار الجديدة من خلال اقتطاع نسبة محددة من إيرادات الشركات العامة والخاصة لتمويل ذلك.
7- إقامة مؤسسة وطنية مشتركة (حكومة وغرف) لاختبار جودة المنتج المحلي ومطابقته للمواصفات العالمية عند التصدير.
8- إجراء مقارنة لعناصر التكلفة في سورية مع مثيلاتها في الدول المجاورة والعمل على تخفيضها بجميع الوسائل مثل (إعفاء المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج من الرسوم الجمركية- ضرائب معتدلة- تسهيلات تمويل طويلة الأمد، ومنها تمويل الأبنية الصناعية من المصارف المحلية).
9- تأمين خدمات البنية التحتية الكاملة للمنشآت الصناعية القائمة والمرخصة.
وركزت دراسة قطاع الأعمال على قطاع الصناعات النسيجية كقطاع ذي ميزة تنافسية وهو يتطلب توفير السبل والأسس تجارياً وجمركياً لوضع أكبر تشكيلة من الأقمشة ومستلزمات الإنتاج بين أيدي المنتجين، حتى لا نخسر الأسواق التي حصلنا عليها في مجال المنتجات الكسائية.
ويتطلب كذلك بالنسبة للإنتاج المحلي من الأقمشة دراسة عناصر التكلفة ومحاولة السيطرة على ما يمكن من التكاليف ودعوة منتجي الغزول والأقمشة لتشكيل وفود تجارية لزيارة مجموعة من دول شمال إفريقيا ووسطها لفتح أسواق جديدة لهم.
إشراك القطاع الخاص بالطاقة
وفي مجال الطاقة أكدت غرفة التجارة أنه توجد في هذا القطاع مجموعة من الحقائق يجب البناء عليه والحقيقة الأولى خلال الأزمة كان المتحول الأساسي أو القطاع الذي حصل عليه الضغط الأكبر سواء بالعقوبات الغربية أو بالتخريب هو قطاع الطاقة والحقيقة الثانية أكثر القطاعات تأثير على حياة المواطن وعلى الصناعة والزراعة والحقيقة الثالثة خلال الأزمة ارتفعت أسعاره بشكل ملحوظ وخضعت لاعتبارات السوق السوداء.
لذلك وانطلاقاً من هذه الحقائق تعتقد غرفة تجارة دمشق إن المخزون السوري من النفط والغاز في مرحلة إعادة الإعمار يشكل احتياطي استراتيجي لدعم الاقتصاد الوطني وفي هذه المرحلة يعول عليه في عملية البناء وتطوير البنى التحتية ، وكحلول عاجلة لابد من العمل على تأمين احتياجات سورية من النفط والغاز لتلبية احتياجات قطاع الكهرباء حتى يتم إعادة تأهيل الحقول السورية وتأمين المشتقات النفطية لكافة القطاعات (الصناعة والنقل والخدمات) بحسب متطلباته وبأسعار عادلة تناسب دور كل منها في الاقتصاد الوطني والابتعاد عن سياسات التسعير الموحدة التي كانت خلال الفترة الماضية والتي أدت إلى هدر كبير في خزينة الدولة وبيع المازوت لأغراض النقل والاستعمالات المنزلية بأسعار مدعومة.
أما فيما يتعلق بقطاع الكهرباء لابد من العمل على تطوير شبكات الكهرباء بسورية من خلال مساعدة الدول الصديقة لسورية والتي قطعت مراحل مهمة في هذا المجال والوصول إلى المعدلات العالمية للفاقد الفني و تخفيض الفاقد التجاري وتأمين احتياجات سورية من الطاقة الكهربائية بشكل مستدام والمساهمة في حماية البيئة والحد من التلوث وتوفير حوافز حقيقية لإشراك القطاع الخاص في انتاج الكهرباء وربط سورية بالشبكات الإقليمية والإستفادة من الفائض الإنتاجي خارج أوقات الذروة ووضع عقوبات رادعه وحقيقة على كل عملية استجرار للكهرباء بطريقة غير شرعية.
التصدير والخلل البنيوي
وأشارت دراسة غرفة تجارة دمشق إلى أن الصادرات الصناعية التحويلية لا تزيد على 20% من إجمالي الصادرات السورية ما يعكس خللاً بنيوياً في هيكل هذه الصادرات المعتمدة على المواد الخام بالإضافة لانخفاض القيم المضافة المحققة ولهذا فإنها تدعو لخلق منتج تصديري سوري منافس جودةً وتكلفةً وتقترح تكليف هيئة تنمية وترويج الصادرات واتحاد المصدرين السوريين بجمع المعلومات عن الأسواق الخارجية وتحليلها وإتاحتها لأصحاب الفعاليات الاقتصادية وإقامة مؤسسة وطنية لضمان ائتمان الصادرات على غرار ما هو موجود في أغلب بلدان العالم.
وأوضحت أهمية تحرير العملية التصديرية من جميع الصعوبات والعراقيل الإدارية ومنها (إلغاء نظام تعهد إعادة قطع التصدير) وافتتاح مراكز تجارية في الدول التي يمكن أن تكون أسواق واعدة للصادرات السورية والتي تم الاشارة اليها في عدد من الدول الصديقة والشقيقة .
وترى الغرفة أهمية تنشيط السوق الداخلية من خلال السماح بإقامة جميع أنواع المجمعات التجارية الضخمة (المولات الشعبية) في المدن وعلى الطرق الدولية ومعالجة جميع الصعوبات الإدارية التي تتعلق بالتراخيص الإدارية والبلدية لخلق حركة تجارة داخلية نشطة إضافة لإقامة مهرجان تسوق سنوي على مستوى القطر بمشاركة جميع الفعاليات (حكومة - غرف - قطاع خاص - منظمات أهلية) على غرار مهرجان دبي ووضع جميع التسهيلات المطلوبة إدارياً وسياحياً وتجارياً لإنجاحه .
ودعت غرفة تجارة دمشق إلى إعطاء دور مهم للقطاع الخاص في مرحلة إعادة الإعمار ومساهمته في الإستثمار في البنية التحتية كونه قادراً على خلق فرص العمل ويخلق سلاسل قيم مضافة حقيقية وهذا يتطلب تشجيع الاستثمار طويل الأمد والدخول إلى مختلف القطاعات الاقتصادية بهدف زيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني.
ولابد أيضا من أن يكون دور للقطاع الخاص في دعم الإبداع والبحث العلمي لتطوير المنتج السوري عالمياً وزيادة الثقة به إضافة إلى زيادة إسهام القطاع الخاص في إيرادات الدولة عن طريق توسيع القاعدة الضريبية والتأكيد على الشفافية في المعاملات الضريبية مقابل الحصول على امتيازات ضريبية حقيقية.