دعا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى " ضرورة التحلّي بالشجاعة للتأثير على تطور الأحداث والمتغيرات التي يشهدها عالمنا العربي ونتائجها، من خلال التوعية والتثقيف والتربية وتوفير فرص عمل جديدة لشبابنا وشاباتنا "، داعياً الى عمل لبناني وطني جامع تتطلبه دقة هذه المرحلة، بهدف حماية لبنان وتحصينه لتجاوز التحديات وتحقيق النهوض الاقتصادي والاجتماعي وإنهاض الإدارة.
اشار رئيس جمعية المصارف جوزف طربية الى انعكاسات ما يحدث في سوريا على الاوضاع اللبنانية مما قلص الى حد كبير من حجم العلاقات الاقتصادية والمصرفية بين لبنان وسوريا وذلك خلال افتتاح
" الدورة العشرين من منتدى الاقتصاد العربي" يوم امس في فندق فينيسيا.
لفت الرئيس التنفيذي لـ«مجموعة الاقتصاد والاعمال» رؤوف ابو زكي، بداية، الى انه" في ظل تطورات الربيع العربي وتداعياتها المتسارعة، نواجه تغيرات جذرية في اوضاع كانت مستقرة لعقود طويلة، وقد ادى ذلك الاستقرار، رغم الاساس الخاطئ، الذي قد يكون بني عليه، الى استقرار في التعاملات، كما نشأت في ظله مصالح كبيرة وخيارات اقتصادية اقرب الى التوجهات التي تم تعميمها بفضل تيار العولمة. اما الآن فإن الوضع في العديد من الدول العربية، وخصوصاً دول الربيع العربي، يبدو مفتوحا على احتمالات عدة. وفي ظل تلك الاوضاع نخشى من حصول جمود مرحلي في حركة الاستثمارات العربية البينية والتي كانت ساهمت في تحريك التنمية وإيجاد فرص عمل في العديد من الدول العربية"
الجبالي: تحديات كبرى
وقال ضيف شرف المنتدى الجبالي في كلمته: " ينعقد اجتماعنا اليوم في ظل ربيع عربي يحمل في ثناياه تطلعات وطموحات شعوب ، وواقع دولي دقيق تشهد فيه غالبية بلدان العالم صعوبات اقتصادية جراء الأزمة المالية العالمية الأخيرة وأزمة الديون السيادية التي عصفت باقتصادات عدد من البلدان الأوروبية.
وأضاف: أمام هذه الوضع الذي يفرض علينا تحديات كبرى، بات لزاما علينا أن نعمل سويا، حكومات وأحزاباً ومجتمعاً مدنياً وقطاعاً خاصاً، في اتجاه مزيد من التوافق الداخلي والانخراط في عقد اجتماعي يقدم المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية والفئوية الضيقة. وقال: إن أي برنامج إصلاح اقتصادي مآله الفشل ما لم ترافقه إصلاحات اجتماعية عميقة تحمي الفئات الهشة والضعيفة وتضمن حقها في العيش الكريم.
وقال: لست أذيع سراً إذ أقول ان تونس الجديدة، برغم من الظروف الصعبة التي مرت بها، حققت أرقاما إيجابية في وقت وجيز. إني أتطلع إلى أن يتدعم وجود المستثمرين العرب في تونس وخصوصا أن حجم الاستثمارات العربية يبقى ضئيلا ولا يعكس الفرص الاستثمارية الواعدة التي تزخر بها بلادنا.
طربيه: رياح التغيير
تناول رئيس جمعية المصارف الدكتور جوزف طربيه التغيرات الجارية في المنطقة، مشيراً الى انه
في انتظار انقشاع الضباب وجلاء كامل الصورة، الثابت، أن التغيير حصل ويحصل ورياحه تلفح المنطقة بكاملها. قد يكون مبكراً الحكم على النتائج المحققة ما دامت حركة التحول في أوج تفاعلاتها. والثابت أن سرعة التحولات في المشهد الجيوسياسي العام لمنطقتنا تفرض، فيما تفرض، على النخب السياسية والاقتصادية العربية أن تكـون في قلب الحركة وأن تساهم بفــعالية في ضبط المسار بما يتلاءم مـع مصالح دولها وشعوبها .وحـذر طربيه من انحراف مسار التغيير.
تابع طربيه، يقول: في ظل هذه المناخات السائدة، يواجه لبنان ظروفاً معقدة على الصعيد السياسي والاقتصادي، انعكست فيها بعض آثار الأحداث العربية وخاصة الوضع السوري الملتهب على حدوده وتلاحق الضغوط الدولية وخاصة عن طريق فرض العقوبات الاقتصادية والمالية على سوريا، والتي انعكست على النشاط المصرفي في سوريا، وقلصت الى حد كبير من حجم العلاقات الاقتصادية والمصرفية بين لبنان وسوريا.
شفيق: حقبة تغيير
من جهتها، اعتبرت نائبة المدير العام لصندوق النقد الدولي الدكتورة نعمت شفيق أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشهد حقبة تغيير تاريخية لم يسبق لها مثيل من قبل، فالعديد من البلدان تمر بفترة انتقالية صعبة. ورغم ذلك تبقى التوقعات إيجابية، ولكن هناك طريق طويل تواجهه الكثير من المطبات. لذلك، أمام صانعي القرار مهمات شاقة. وينبغي عليهم التصرف بسرعة من أجل تحقيق النتائج المرجوة.
وتابعت: «نأمل أن يتحسن الوضع قريباً مع تحسن الأوضاع في سوريا ومع الانتقال السلس في مصر وليبيا وتونس. تأثر لبنان سلباً بالمتغيرات، إذ انخفض معدل النمو إلى ما بين 1 و2 في المئة في عام 2011، مقارنة بحوالي 7 إلى 8 في المئة في السنوات السابقة. وكان على لبنان أيضا الاستجابة للمطالب الاجتماعية مما أدى إلى عجز مالي أكبر.
ودعت لبنان الى التركيز على خفض الدين العام الذي يشكل 136 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، والاستثمار في البنية التحتية، وتحسين مناخ العمل ووضع العمال. وهذه الاستراتيجية قد تساعد في تحقيق نمو أعلى وأكثر شمولا من شأنه خفض نسبة البطالة، وخاصة بين الشباب والمتعلمين».
سلامة: ارتفاع الودائع
بدوره، اكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حرص مصرف لبنان، وفي هذه الظروف، وبالتعاون مع المصارف اللبنانية، على المحافظة على سلامة القطاع وسمعته. كما أننا متمسكون بالفصل بين المصارف التجارية ومصارف الأعمال، ونتطلع إلى دور مهم لمصارف الأعمال في رسملة القطاع الخاص. وهذه الرسملة ضرورية لخفض مديونية هذا القطاع التي أصبحت توازي ما يقارب الـ85 في المئة من الناتج المحلي. كما أننا باقون على توجهنا بعدم السماح للمصارف الأحد عشر الأولى بالاندماج في ما بينها».
وقال: «لقد احتطنا للأخطار الناتجة من وجود مصارفنا في بلدان تعيش اضطرابات أمنية وسياسية تؤثر على اقتصاد هذه البلدان. فقد قامت المصارف باختبارات ضغط، وكونت مؤونات عامة احتساباً لأسوأ الاحتمالات وهي مستمرة في هذا المنحى. وبالرغم من ذلك، نتوقع الاستقرار والتحسن ربما بنمو الأرباح في المصارف اللبنانية. ان الشائعات التي أطلقت ضد القطاع المصرفي اللبناني لم تنجح في النيل من الثقة. ونحن نتوقع ارتفاعاً في الودائع للعام 2012 بنحو 8 في المئة. إن التحويلات من الدولار الأميركي إلى الليرة اللبنانية مستمرة، وقد تدخل مصرف لبنان شارياً للدولار خلال هذا العام ولغاية نيسان 2012 بنحو 900 مليون دولار أميركي».
ميقاتي: مفترق طرق
بدوره ختم رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي حفل الافتتاح بكلمة قال فيها: منذ اكثر من عام، يشهد عالمنا العربي اضطرابات وتحولات جوهرية، تضع مجتمعاتنا امام مفترقات طرق مختلفة المسار، ستحدد تطور كل من هذه المجتمعات. وإذا كان يتعين علينا الاعتراف بأننا لم نكن قادرين على توقع هذه الأحداث والمتغيرات.
واضاف: الجدير بالذكر أن هذا النمو، وهو الأعلى بين البلدان العربية غير النفطية، يترافق مع حركة جيدة للرساميل الوافدة وإرتفاع في الودائع المصرفية وتعزيز إضافي لإحتياط مصرف لبنان من العملات الأجنبية، مما يعزز مقومات الإستقرار الإقتصادي بشكل عام ويخفض العجز ويحسن وضع المالية العامة. والنقاش الدائر اليوم حول الانفاق المالي يتعلق بقوننة هذا الانفاق وليس بتوافر المال الذي يحقق فائضا جيدا». وتابع: «ومن أجل تعزيز هذه النتائج وتحقيق تطورات أوسع نطاقا، تقدمنا أخيرا من مجلس الوزراء بخطة عمل متكاملة للاصلاح الاقتصادي والاجتماعي من شأنها تعزيز قدرات الاقتصاد على النمو وتحقيق تطورات أكبر وأسرع واعادة الديناميكية الى معظم القطاعات، ولا سيما أن القدرات الاستثمارية الداخلية والخارجية متوافرة بشكل كبير وأوسع من تلك المستغلة حاليا
الا أن تنشيط الاقتصاد اللبناني، يرتكز على مثلث واضح المعالم أساسه توفير مناخ مشجع وجاذب للاستثمارات الداخلية والخارجية، وخصوصا في ظل التحويلات الوافدة والرساميل المتوافرة لدى الجهاز المصرفي والمالي اللبناني. أما العنصر الثاني في هذا المثلث، فهو تنشيط حركة الصادرات اللبنانية التي يفترض أن تنمو بنسب مضاعفة عما هو مسجل حاليا مع ما يشكل ذلك من اعادة التوازن الى الميزان التجاري وميزان المدفوعات. أما العنصر الثالث فهو تنشيط القطاعات الاقتصادية كافة من طريق آليات أكثر فاعلية مما هو قائم حاليا وعلى رأسها النشاطات المرتكزة على اقتصاد المعرفة والابداع والتي تختزن قيمة اضافية عالية.