أرسلت غرفة تجارة دمشق مذكرة حول آثار ومنعكسات تراجع سعر صرف الليرة السورية إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير الاقتصاد، وقد ناقش رئيس غرفة تجارة دمشق غسان القلاع وزير الاقتصاد محمد ظافر محبك بمضمون المذكرة.
وتشير المذكرة إلى أن أسعار صرف القطع الأجنبي في سورية اتصفت بالاستقرار النسبي خلال فترة ما قبل الأزمة وهذا ما انعكس إيجاباً على مجمل المؤشرات الاقتصادية الكلية والقطاعات الاقتصادية المختلفة، حيث تراوح سعر صرف الدولار ما بين /47.10/ ل.س في 1/6/2012 إلى /46.98/ في 30/12/2010 مروراً بسعر /46.75/ ل. س في 1/8/2010 و/46.25/ ل. س في 2/10/2012 وهذا السعر كان انعكاساً حقيقياً لنشاط الاقتصاد السوري خلال هذه المرحلة من جهة، ولحصيلة قوى العرض والطلب على القطع الأجنبي من جهة أخرى.
بداية تراجع سعر الصرف
تشير مذكرة غرفة تجارة دمشق إلى أنه مع بداية الأزمة في عام 2011 بدأ سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية بالارتفاع، حيث سجل ما بين 50 و57 ل. س حتى نهاية 2011 وهذا الارتفاع كان نتيجة استمرار وجود بعض عوامل قوة للاقتصاد السوري من ناحية (التصدير، السياحة، الصناعة، التحويلات الخارجية...) إضافة لتدخلات المصرف المركزي في جانب عرض الدولار لإبقاء نوع من التوازن في سوق الصرف إلا أن بداية تراجع سعر الصرف تعمق في عامي 2012 و2013 حيث سجل في عام 2012 ارتفاعات وصلت إلى 108 ل.س في شباط، على حين تراوح وسطي أسعاره في ذلك العام ما بين 70 إلى 99 ل.س، أما في عام 2013 فقد سجل هذا السعر أرقاماً غير مسبوقة حيث وصل سعر الصرف في السوق غير النظامية إلى نحو 150 ل.س في شهر أيار أي بارتفاع نحو 200% عما كان عليه ببداية الأزمة.
أما السعر الرسمي للصرف فقد سجل أيضاً ارتفاعات بدأت في عام 2011 بسعر 47.13 بتاريخ 1/3/2011 ليصل إلى 55.89 ل. س في 28/12/2011 ثم إلى 68.42 ل.س في 1/1/2012 وإلى 77.74 ل. س في 31/12/2012 ليسجل في عام 2013 ما قيمته 79.78 ل.س في كانون الثاني ثم إلى 93.11 ل. س في شهر نيسان، وهذا ما يشير إلى أن الأسعار الرسمية كانت أيضاً عاملاً ضاغطاً لارتفاع الأسعار في السوق غير النظامية وتحاول اللحاق بها دون أن تستطيع تخفيض تلك الأسعار، وقد ساهمت الإجراءات الصادرة عن مصرف سورية المركزي منذ بداية الأزمة وحتى الآن من غير قصد في تعميق عدم استقرار سعر الصرف، سواءً من خلال التصريحات المتناقضة والمتكررة حول احتياطات سورية من القطع الأجنبي أو في تنشيط ظاهرتي الاكتناز والمضاربة من خلال السماح لجميع الأفراد بشراء 10 آلاف دولار بالسعر الرسمي في بداية الأزمة، والتغيرات المستمرة لآليات تمويل المستوردات وهذا ما خلق مناخاً غير مستقر لاستمرار الأعمال التجارية والصناعية والاستثمارية.
أسباب التراجع
وترجع مذكرة غرفة التجارة التي حصلت عليها «الوطن» الأسباب الرئيسية لتراجع سعر صرف الليرة السورية إلى 1- 1- قرارات المقاطعة والعقوبات الاقتصادية (الأوروبية والأميركية والعربية) والعقوبات المصرفية التي ساهمت جميعها في تراجع حصيلة القطع الأجنبي من تصدير السلع الرئيسية سواء النفط والمواد الخام الأخرى أو صادرات القطاع الخاص الصناعية، .
2- ارتفاع كلف عمليات الاستيراد وتراجع التحويلات الخارجية، ومن الأسباب أيضاً صدور قرارات اتخذت في بداية الأزمة وتم التراجع عنها بعد ذلك، ولكنها ألقت بثقلها على الوضع التجاري والنقدي وفي مقدمتها قرار تعليق استيراد السلع التي تزيد نسب رسومها الجمركية عن 5% في 25/9/2011.
3- إضافة للوضع الأمني وتراجع حالة التعامل بالعملة الوطنية التي كانت موجودة قبل الأزمة إما بفعل زيادة معدلات التضخم إلى ما فوق أسعار الفائدة، وإما بفعل تحويل العملة الوطنية إلى دولار بدافع السفر والتحوط من المستقبل والاكتناز.
4-ازدياد عوامل الطلب على القطع الأجنبي مقابل تراجع واضح للمعروض منه ومن أهمها حسب تقرير الغرفة:
- من ناحية الطلب: تمويل المستوردات التي سجلت ارتفاعاً في عام 2011 بنسبة 18.8% عن عام 2010 قبل أن تعود لتنخفض في 2012 بشكل حاد بما نسبته 78.4% مقارنة بعام 2011، وشراء الدولار من قبل الأفراد من غير التجار والصناعيين بدافع المضاربة والاكتناز والتحوط من المستقبل وللحفاظ على قيمة مدخراتهم من التدهور أو فقدان قيمتها الشرائية ولتمويل عمليات السفر خارج القطر أو لتحويل الجزء الأكبر من حسابات المستثمرين ورجال الأعمال إلى الخارج نتيجة الوضع الاقتصادي والأمني غير المستقر.
- من ناحية العرض: تراجع عائدات السياحة التي كانت تشكل قبل الأزمة نحو 11% من الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع الصادرات السورية الإجمالية بنسبة 11.2% بين عامي 2010 و2011 وإلى تراجع حاد بنسبة 97% بين عامي 2011 و2012 وفق تقرير هيئة ترويج الصادرات حيث سجلت في عام 2012 فقط (185) مليون دولار نتيجة توقف الصادرات النفطية والتراجع الحاد في صادرات القطاع الخاص نتيجة توقف العديد من المصانع وبخاصة المنتجة للألبسة والمواد الغاذئية إضافة لزيادة الطلب المحلي عليها. وتراجع تحويلات السوريين من الخارج لاسباب عديدة في مقدمتها سفر الكثير من العائلات السورية التي كانت تحول لهم هذه الأموال إلى الخارج وإلى الوضع الأمني والاقتصادي، وتراجع المبيعات الحكومية من النفط الخام والمواد الخام الزراعية والصناعية نتيجة الوضع الأمني ومشاكل النقل والشحن والعقوبات الاقتصادية المفروضة على الصادرات الحكومية والتي كانت رافداً كبيراً للقطع الأجنبي، وضعف عوائد الاستثمارات السورية في الخارج وتجميد أرصدة وحسابات شركات حكومية عديدة.
منعكسات تراجع سعر الصرف
أما منعكسات تراجع سعر صرف الليرة السورية فلخصتها مذكرة الغرفة بعدة نقاط تجسدت بارتفاع تكاليف عمليات الإنتاج والاستثمار نتيجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وحدوث انكماش في العمل الاقتصادي نتيجة تراجع أو توقف العديد من الصناعات الأساسية والمكملة ما أدى لحدوث تراجع كبير في الناتج المحلي الإجمالي وفي معدلات النمو الاقتصادي، وارتفاع أسعار المواد والسلع والخدمات في السوق المحلية نتيجة ارتفاع تكاليف جميع المكونات الصناعية والسلع النهائية المستوردة، ما قاد لتراجع القيمة الشرائية لليرة السورية وإلى تدهور حاد في متوسط الدخل الفردي، حيث سجل معدل التضخم في عام 2012 نحو 23. 1% ووصل الرقم القياسي للأسعار إلى 180 عام 2012 مقارنة بـ146 عام 2011.
وتتمثل منعكسات تراجع سعر الصرف أيضاً بحدوث فجوة متزايدة بين الكتلتين النقدية والسلعية نتيجة ارتفاع الأسعار العام، وتزايد العرض النقدي الذي نما بنسبة 21% عام 2012 مقارنة بعام 2011 مقابل نمو سالب للناتج المحلي الإجمالي -4% ما شكل عاملاً ضاغطاً إضافياً على أسعار السلع المتداولة وإلى تراجع مستويات المعيشة.
إضافة إلى تراجع عمليات الاستيراد والإنتاج وحتى المبيع في السوق المحلية نتيجة عدم استقرار أسعار الصرف وتسجيل اتجاه صعودي لها بشكل مستمر مما قاد إلى تغيرات حادة في تسعير السلع والخدمات وإلى حدوث خسائر في تسليف الموزعين وأقنية التسويق المختلفة نتيجة هذا التأرجح في أسعار الصرف، وازدياد ظاهرة الاكتناز بدافع التحوط من المستقبل، وتراجع عمليات ادخار الأفراد في القنوات الرسمية وخروج كميات من القطع الأجنبي خارج التداول بدافع تعويض خسائر تراجع القيمة الشرائية لليرة السورية وهي تشكل ظاهرة سلبية مضرة للاقتصاد الوطني. وازدياد ظاهرة (المضاربة) بالقطع الأجنبي نتيجة الارتفاعات المستمرة لسعر الصرف والتي تحقق أرباحاً غير مبررة في ظل عدم وجود قنوات أخرى لاستثمار الأموال الفائضة نتيجة الأزمة الحالية، وازدياد كلف الشحن البحري والتأمين بالنسبة للبضائع المصدرة إلى سورية ما يؤدي إلى ارتفاع تلقائي لأسعار المواد المستوردة، وازدياد كلف ومخاطر النقل البري داخل سورية نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات والقطع الأجنبي والحواجز، حيث وصلت ارتفاعات هذه الكلف إلى نحو 10 أضعاف منذ بداية الأزمة وحتى الآن.
إلى جانب ذلك عرضت المذكرة ارتفاع أسعار المحروقات والطاقة بجميع أشكالها وانعكاس ذلك على عناصر تكلفة الأعمال التجارية والصناعية والخدمية والزراعية، حيث سجل الرقم القياسي للكهرباء والمحروقات نسبة زيادة 156% بين عامي 2011 و2012 كما سجل زيادات أكبر مؤخراً في عام 2013 ما انعكس في زيادة أسعار جميع المنتجات المحلية الزراعية والصناعية وخدمات النقل والشحن.
إضافة إلى تراجع في حجم الودائع المصرفية نتيجة تدهور القيمة الشرائية للعملة المحلية بنسبة 10% بين عامي 2010 و2011 وإلى نسبة 19% خلال عامي الأزمة وبصورة أكبر في مطلع عام 2013. وزيادة نسبة البطالة التي سجلت نحو 30% بين عامي 2011 و2012 وإلى نسبة أكبر في 2013 نتيجة تراجع الأعمال والتشغيل، وتراجع احتياطات مصرف سورية المركزي من القطع الأجنبي خلال عامي الأزمة نتيجة محاولة التدخل في سوق القطع عبر عرض الدولار أو نتيجة الحاجة لتمويل مستوردات السلع الأساسية للمحروقات، حيث تشير الأرقام إلى تسجيل معدل نمو سلبي بنسبة 28% بين عامي 2011 و2012. إضافة إلى حدوث عجز في ميزان المدفوعات سجل مانسبته 27، 6% بين عامي 2011 و2012.
وبينت الغرفة أن منعكسات تراجع سعر صرف الليرة السورية لاتقتصر على النتائج المباشرة التي سبق ذكرها، بل هي تؤثر بشكل سلبي أيضاً في مجمل مؤشرات الاقتصاد الكلي من (استثمار وادخار واستهلاك) والتي سجلت تراجعاً كبيراً.
إضافة إلى أثر ذلك على تراجع متوسط دخل الفرد في سورية نتيجة تراجع الناتج المحلي الإجمالي وإلى حدوث عجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وعلى مستوى أداء القطاعات الاقتصادية الرئيسية (صناعة، تجارة، زراعة، سياحة، خدمات، عقارات،...) التي سجلت انكماشاً حاداً..
مقترحات لتفعيل السياسة النقدية والتحكم بأسعار الصرف
ووضعت الغرفة بعض المقترحات لتفعيل السياسة النقدية والتحكم بأسعار الصرف، تمثلت بتدخل المصرف المركزي بصورة مباشرة لتخفيض سعر الصرف عند الضرورة فقط، ومنح أصحاب الحسابات بالدولار لدى المصارف المحلية فائدة دائنة مغرية لتوظيف أموالهم وعدم إبقائها خارج التداول (بهدف المضاربة فقط) واستخدامها لتمويل المستوردات والأغراض الأخرى وعدم الاستعمال الجائر لموجودات احتياطي القطع الأجنبي في البنك المركزي.
وأيضاً يجب التركيز على تقوية منابع الحصول على القطع الأجنبي لزيادة العرض المتاح في السوق المحلية. ومعالجة الطلب على الدولار حالياً، فهذا الطلب لايعكس أبداً حاجات الاستيراد التي تراجعت بشكل كبير في الآونة الأخيرة وبخاصة للسلع غير الأساسية والطلب يتركز اليوم على دوافع المضاربة والاكتناز والتحوط وتمويل الهجرة، وهي حالات بحاجة للمعالجة بصورة مباشرة وجذرية وبطرق اقتصادية بحتة من خلال فتح قنوات جديدة للادخار والاستثمار، ومن خلال الاستثمار في البورصة وتشجيع نقل الورشات والمعامل للمناطق الأكثر أمناً.
ونوهت إلى ضرورة الطلب من المصارف المحلية (الخاصة والعامة) الدخول في عمليات بيع وشراء القطع الأجنبي، لأن تأمين احتياجات الأفراد من القطع الأجنبي يدخل في صلب عمل هذه المصارف، ومنها تمويل عمليات الاستيراد بعكس المضاربين الذين يحتفظون بالدولار لأغراض غير تجارية.
ويجب أيضاً تمويل عمليات الاستيراد دون تمييز بين تاجر وصناعي عبر المصارف المأذونة بالعمل في سورية فقط ولها أن تستعين بصديق عند الضرورة، والتركيز على رفع وتنشيط الكتلة السلعية من إنتاج زراعي، صناعي، ورشات صغيرة، لخلق نوع من التوازن ما بين الكتلتين النقدية والسلعية ومنح هذه القطاعات أقصى درجات الدعم والتسهيل، والتركيز على دعم الاقتصاد الحقيقي والإنتاجي، والعمل على استهداف التضخم كأحد وسائل التحكم بأسعار الصرف من خلال معالجة الخلل في التوازن الداخلي باعتبار أن عجز ميزان المدفوعات يضغط على سعر الصرف وأن عجز الموازنة يضغط على الاسعار ومن هنا يجب التركيز على تفعيل الادخار ليتساوى مع الاستثمار، وتفعيل الإنتاج والتصدير لتخفيف عجز الميزان التجاري لمحاولة الخروج من حالة الركود التي يعاني منها الاقتصاد السوري.
كما يجب ترشيد الطلب على القطع الأجنبي من خلال وضع سلم أولويات لتمويل المستوردات حسب ضروراتها (مواد أولية للصناعة، مواد أولية للصناعة الدوائية، مستلزمات الإنتاج، المواد الغذائية الأساسية...) وتخفيض النفقات الحكومية الجارية وبخاصة التي بحاجة لقطع أجنبي وترشيد الاستهلاك وتفعيل دور مجلس النقد والتسليف وفق القانون رقم 23 لعام 2002 والمرسومين 21 و249 لعام 2011 الناظمة لعمله مع لحظ تمثيل أصحاب العمل والخبراء المختصين في المجال النقدي ليكون هذا المجلس صاحب القرار الرئيسي في السياسة النقدية، وإصدار تشريع لضمان الحد الأدنى للوديعة المصرفية لصغار المودعين لحمايتهم وتشجيعهم على إعادة مدخراتهم للمصارف المحلية، مع تعديل معدلات الفوائد لتخفيف الضغط على تحويل هذه المدخرات نحو القطع الأجنبي والذهب. ودراسة إمكانية رفع أسعار الفائدة على الودائع بالعملات الأجنبية مع تحديد مبلغ الودائع التي تكون عليها زيادة في الفائدة بمبلغ 10 آلاف دولار كحد أدنى وتدفع لمدة 6 أشهر على الأقل، وإبرام اتفاقيات مقايضة مع الدول الصديقة لسورية كروسيا وإيران وفنزويلا والصين لتبادل السلع دون الحاجة لاستنزاف القطع الأجنبي.