قال "المحلل المالي والنقدي الدكتور عابد فضلية ": إن الأحداث التي عانت منها سورية والعقوبات الاقتصادية الجائرة التي فرضت على الشعب السوري أفرزت انخفاضاً في قيمة العملة الوطنية والقوة الشرائية لدخل الأسرة السورية وتراجعاً في مستوى معيشتها، مع الأخذ بالحسبان زيادة الطلب الرسمي وغير الرسمي على القطع الأجنبي وقلة العرض منه نسبياً، وبالتالي فإن التبعات الاقتصادية والاجتماعية وخاصة النقدية تجعل من مهمة الحفاظ على الليرة السورية أو الحفاظ على استقرارها لفترة طويلة على الأقل مع الرقابة على سوق القطع مهمة ليست سهلة، مع الأخذ بالحسبان أن قيمة العملة الوطنية في أي بلد في العالم تحددها عوامل المؤشرات اقتصادية وسلعية ونقدية ومالية وبالتالي فإن مسؤولية الحفاظ على قيمة الليرة السورية لا تقع فقط على عاتق مصرف سورية المركزي وحده بل أيضاً تقع على عاتق جميع مكونات وفعاليات المجتمع والجهات الاقتصادية وغير الاقتصادية الحكومية وغير الحكومية.
أما عن واقع الحال في ظل الظروف الحالية فقال فضلية وفقاً لصحيفة " الوطن " الذي كان يشغل منصب مدير عام المصرف العقاري سابقاً: إن أبرز ملامحها هو التقتير والتقليص في تغطية احتياجات المستوردين ولاسيما مستوردي المواد الأولية والوسيطة والسلع الغذائية الضرورية جداً ما يعني بالتالي اضطرار المستوردين للبحث عن القطع الأجنبي في السوق السوداء وبالتالي زيادة في الطلب على القطع في هذه السوق، بالنظر إلى أن مصرف سورية المركزي قد توقف عن تمويل مستوردات القطاع الخاص منذ شهر نيسان من العام الجاري 2013، مع الأخذ بالحسبان -حسب فضلية- محدودية وضعف التوازن بين العرض والطلب في سوق القطع من خلال ضخ أو بيع القطع الأجنبي للسوق عبر المصارف العاملة أو عبر شركات الصرافة وهي الناحية التي يستغلها المضاربون وبعض تجار العملة من خلال التأجيج غير المبرر لسعر القطع والتلاعب به لتحقيق الأرباح الاستثنائية الكبيرة، وعلى الرغم من ذلك ما زال المركزي منذ بداية الأزمة حتى اليوم يعتمد في تدخله الإيجابي في سوق القطع على شركات الصرافة كشريك وسيط رئيسي مقابل محدودية الدور الذي يعطيه المركزي للمصارف العاملة في سورية من الخاصة والعامة وبغض النظر عن التجاوزات التي ثبت أن بعض هذه الشركات ترتكبها.
فضلية انتقد آلية التدخل التي يمارسها مصرف سوية المركزي على الرغم من أنها أفضت مؤخراً إلى خفض سعر صرف الدولار من 330 ليرة سورية إلى ما يتراوح بين 185 ليرة سورية إلى 200 ليرة سورية، مبيناً أن اعتماد المركزي في بيع القطع لتموين السوق على آلية البيع بالمزاد (التي سماها المركزي جلسات التدخل) والذي يعني أن البيع لمن يدفع أكثر وهذا يعد رفعا رسمياً لسعر القطع في السوق، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن نظرة المركزي إلى الليرة السورية وإلى العوامل التي تسهم في تحديد قيمتها وقوتها بنظرة نقدية أحادية تغيب عنها العوامل الاقتصادية بالنظر إلى أن المركزي يعتبر أن إعادة التوازن إلى قيمة الليرة السورية هي مجرد مسألة وقت أو إجراءات نقدية فقط لذلك -يتابع فضلية- تغيب عن سياسات المركزي وإجراءاته الكثير من العوامل والمؤشرات الأخرى التي تلعب الدور الرئيسي في تحديد قيمة وقوة الليرة السورية إلا وهي حجم الكتلة والتبادلات السلعية والخدمية، وفي الوقت نفسه تفتقد هذه السياسات والإجراءات الرؤى الاقتصادية الكلية والجزئية ذات الصلة بالمسالة الإنتاجية السلعية، وبالتالي فإن دعم قيمة الليرة يتطلب أيضاً إلى جانب جميع الإجراءات النقدية والمالية الأخرى دعما لجميع القطاعات والطاقات الإنتاجية السلعية والخدمية في إطار سياسة اقتصادية كلية يقع على كاهل مصرف سورية المركزي وضعها على أن تكون السياسة النقدية أحد مكوناتها.
الدكتور فضلية نوه إلى أن قانون النقد الأساسي الصادر بالمرسوم رقم 21 لعام 2011 والذي نص على أن من أهم واجبات مصرف سورية المركزي مهمة الحفاظ على استقرار قيمة الليرة السورية، ونص أيضاً على أن استقرار أسعار السلع والخدمات هدف نهائي، كما نص صراحة على أن من واجب المركزي دعم السياسات الاقتصادية على المستوى الكلي بتعزيز النمو الاقتصادي والتشغيل، وبالتالي فإن مشروع قانون النقد الأساسي أدرك ويدرك أن قيمة وقوة الليرة السورية تستمدان من أركان الاقتصاد الحقيقي عبر تشجيع القطاعات الإنتاجية بهدف زيادة حجم الكتلة السلعية والخدمية كي تقابل الارتفاع أو التضخم أو الزيادة في الكتلة النقدية (وهو ما يسبب التضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية أيضاً) ما يسهم في دعم قيمة الليرة السورية أو يساعد على استقرارها على الأقل.
ويخلص فضلية إلى نتيجة مفادها أن القدرة على لجم الكتلة النقدية إن كانت محدودة أو صعبة إن لم تكن مستحيلة خلال فترة سريان الأزمة، فلماذا لا يتم التركيز على زيادة الكتلة السلعية بالتنشيط في المناطق الآمنة على الأقل لتقليص الهوة بين الكتلتين فيخف الطلب والضغط على القطع الأجنبي لغايات الاستيراد وبالتالي تتحسن قيمة العملة الوطنية.