اقترحت "وزارة التجارة الداخلية" في مذكرة حديثة عن عملية التسعير الإداري التي تحاول الحكومة مع جهاتها التنفيذية إيجاد السبل والوسائل الممكنة التحقيق، بقصد ضبط ارتفاع الأسعار، التوجّه إلى إلغاء عملية تحرير الأسعار في الأسواق واعتماد الأسعار الاقتصادية إذا جازت تسميتها.
وأوضحت وفق صحيفة "تشرين" الحكومية، أنه على الرغم من الغموض الذي يكتنف عملية التسعير الإداري حتى الآن، وعدم وضوحها لدى حتى من أطلقها أحياناً، نجد من الأجدى التوجّه إلى إلغاء عملية تحرير الأسعار في الأسواق واعتماد الأسعار الاقتصادية إذا جازت تسميتها بهذا المصطلح، لأن الغاية الأساسية ليست التسمية بقدر ما نفتّش عن الحل الأنسب الذي يهدف إلى الوصول إلى ما يسمى السعر الحقيقي والموضوعي للسلع والمواد في السوق المحلية أياً كان مصدرها.
وقالت: "هنا لابدّ من اعتماد مبدأ التسلسل المنطقي لإجمالي تكاليف السلعة أو المنتجات سواء أكانت مستوردة أم محلية، وفي النهاية يتم الوصول إلى سعر التكلفة الحقيقية للمنتج، ثم يضاف عليها هامش ربح معترف به ومحدّد لنصل إلى السعر النهائي وهو التكلفة الحقيقية مع ربح التاجر أو الوسيط أو غيره من حلقات البيع، وهذا الإجراء يطبّق على المنتج المحلي الذي يمكن من خلاله الوصول إلى الأسعار النهائية للمواد المنتجة محلياً إلى المستهلك".
أما بالنسبة للسلع المستوردة، فالمسألة يجب أن تكون بالطريقة نفسها، بمعنى أن كل مستورد لا يمكن أن يدخل مواده إلى السوق الداخلية إلا بعد أن يدفع رسومها الجمركية وأن يحصل على الشهادة الجمركية بعد تقديم كل الوثائق المطلوبة منه جمركياً بدءاً من فواتير الشراء والمنافيست، وأيضاً بواليص الشحن والأجور والتكلفة الإجمالية التي تحدد بالوثائق المقدّمة من المستورد نفسه، وتلك الأسعار تستند إلى قوائم الأسعار الاسترشادية المعتمدة لدى الجمارك والتي يجب أن تكون أسعار تخليص المواد والسلع المستوردة موحّدة في جميع الأمانات الجمركية، وتدفع أيضاً الرسوم الجمركية والتكاليف ذاتها للمادة نفسها وفي أي منفذ حدودي للجمارك.
وحسب المذكرة: "نكون أمام معادلة صحيحة ودقيقة من خلال حساب التكلفة الإجمالية للسلع المستوردة، بالاعتماد على أسعار تخليص السلع والبناء عليها عبر إضافة التكاليف والنفقات المنظورة فقط، وليس غير المنظورة التي يبدع فيها كل تاجر، ويضيف ما يرغب من نفقات لتبرير أسعاره المرتفعة، وهكذا نجد أنفسنا أمام إجمالي تكلفة أقرب ما تكون إلى الحقيقية، بعد إضافة هامش الربح الذي تحدده وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ويصدر السعر النهائي لهذه المواد من تلك الوزارة، ليكون ملزماً لجميع الباعة وكل مخالفة لذلك تعدّ خروجاً على القانون وتطبق بحق المخالفين أقسى العقوبات والإجراءات الرادعة".
ومن جهة ثانية، عند النظر إلى الكميات المدعومة التي أقرّتها الحكومة مقارنة باستهلاك الفرد فإن بعضها قد تم تقليصه، وبعضها الآخر قدّر بكميات أكبر تجعل تنفيذ القرار أكثر صعوبة، ولاسيما فيما يتعلق بمادة البرغل التي تقررت كميتها بـ1كغ لكل فرد شهرياً، يلاحظ وجود فجوة كبيرة بينها وبين ما قدّمته دراسات لـ"المكتب المركزي للإحصاء"، والتي أفادت بأن استهلاك الفرد السوري من البرغل شهرياً لا يتجاوز 450غ.
وأشارت إلى أن هذا يؤدي إلى إرباك قد يصيب "وزارة التجارة الداخلية" في تأمين كميات كبيرة خلال فترة قصيرة، والذي يؤدي بدوره إلى فتح باب فساد جديد، فالحاجة الماسّة لتأمين كميات كبيرة في فترة قصيرة من هذه المواد لا تحتمل انتظار العمل، وفق مبدأ المناقصة والعروض وغيرها، ليتم اللجوء إلى العمل بعقود التراضي التي غالباً ما تكون أسعارها مرتفعة تؤدي بشكل تلقائي إلى تحمّل الحكومة لعبء إضافي، بسبب الفرق بين سعر تأمين المواد عبر استيرادها وبين بيعها بالسعر المدعوم وإرهاق الخزينة العامة، في حال إقرار سلة غذائية كاملة لاحقاً تنتج عنها كارثة على مستوى الدولة، مع أتباع النمط نفسه من العمل، بينما لا تضم السلة الكمية الكافية من الزيت والسمن التي لا تتجاوز 2كغ لكل أسرة.
وبينت أن الظروف الراهنة، واستغلال البعض لها وخاصة فيما يتعلق بلقمة عيش المواطن، أديا إلى ارتفاع الأسعار، وهذا بدوره أدى إلى تدخل الجهات المعنية لتخفيض الأسعار وذلك عبر مؤسسات التدخل الإيجابي، إلا أن تأثيره في السلع الأساسية يكون محصوراً بنواحٍ محددة من خلال تحديد هامش ربح التجار، بناء على بيانات تكاليف المنتج وليس التدخل بسعر أصل المادة، إلا أن الجهات المعنية تعمل حالياً على توسيع نطاق تدخلها عبر تسعير المنتجات على أساس سعر المادة للبلد المنشأ، مع زيادة فعالية مؤسسات التدخل الإيجابي عبر السماح لها بتأمين المواد الأساسية من الدول الصديقة، بغية إغراق السوق بالسلع الأساسية، منوهة بأن تنفيذ هذه الإجراءات سيكون من خلال معرفة تكاليف المنتجات المستوردة.
وسيكون تفعيل مؤسسات التدخل الإيجابي بافتتاح مراكز بيع جديدة في جميع المحافظات، ضمن أماكن يكون المواطن بحاجة إلى شراء مستلزماته من هذه الصادرات، ويعد التسعير الإداري بوجهة نظرها إحدى الآليات التي يمكن الاعتماد عليها في ضبط الأسعار، لكنه يحتاج إلى دراسة دقيقة لمعرفة تأثيره الفعلي في الأسواق، ومدى مساهمته في ضبط الأسعار وانعكاسه على تغير عادات المواطنين الاستهلاكية.
بالإضافة إلى أن اتخاذ هذا القرار قد يؤدي إلى فقدان مواد أساسية من السوق واعتكاف المستوردين عن الاستيراد بشكل يستلزم امتلاك الدولة القدرة على تأمين المواد الأساسية وإغراق السوق بها، لكن في المقابل قد يكون التسعير الإداري الاحتمال الأكثر قدرة على ضبط الأسواق، وتطبيق هذه الإجراءات سيرافقه حتماً انخفاض الأسعار خاصة أن التجار كانوا يرجعون الغلاء إلى الدولار الذي شهد انخفاضاً مؤخراً.
حسب المذكرة فالعودة إلى نظام التسعير بما له وما عليه يفرض كحل أفضل بكثير من حالة الفلتان والتشوه السعري الرهيب، الذي شهدته السوق السورية السابقة والحالية، وخاصة أن السوق السورية أثبتت أنها لا تقبل وجود منافسة حقيقية شريفة، لكونها تحوي ما يسمى احتكار القلة الذي وجد نتيجة حالات الفساد والترهل المؤسساتي والإداري، ما جعل الأسعار تحلق بعيداً عن المعطيات المادية، كما أن نظام التسعير سوف يفرض على الدولة القيام بمسؤولياتها وهذا لا يعني محاربة القطاع الخاص، وإنما تقليم رؤوس الاحتكار ورموزه الذين امتصوا القدرة الشرائية للمواطن البسيط بغير وجه حق، معتبرة أنه العودة لمنطق الصواب ومنطق الشراكة الحقيقية ما بين العام والخاص، والأهم من ذلك هو الالتفات إلى الطبقات المتوسطة والفقيرة.