قرع الشتاء أبواب اللبنانيين، ليلقي على كاهلهم كما في كل عام، همًّا جديدًا يضاف إلى أجندة يومياتهم، أبرزها، إضافة إلى المدارس، تكاليف التدفئة «الكارثية»، إذ يصل سعر مبيع صفيحة المازوت 27 ألف ليرة، والحطب 300 ألف ليرة للطن. فكيف سيكون الوضع مع عائلة مكوّنة من 4 أشخاص، يعيلها شخص واحد؟
وإذ يبدو من السذاجة مقارنة مصروف العائلة اللبنانية التي تتخطّى في معظم أشهر السنة، الـثلاثة ملايين ليرة، مقابل الحد الأدنى الأجور البالغ 675 ليرة، يبدي العديد من المتابعين لواقع حركة الاستهلاك الشهرية للأسرة، استغرابهم الشديد، طارحين السؤال الأصعب: كيف تتمكّن هذه الأسر من العيش؟
تقسيط المازوت والحطب
إنه «الشتاء البارد، العاصف، الذي يطلّ على اللبنانيين، في ظلّ عواصف سياسية واقتصادية متنوّعة لم تهدأ منذ أكثر من سنتين»، يقول سامر الأب لأربعة أولاد، وقد أصبح اليوم بلا عمل بعدما استغنت عنه الشركة التي كان يعمل فيها مقابل توظيف عامل وافد بأقل من نصف راتبه.
في إحصاء بسيط وسريع، يوضح سامر الذي يسكن في زحلة، أن ما يدفعه سنويًّا لتدفئة بيته، يبلغ أكثر من ثلاثة ملايين ليرة. وأمام وضعه الجديد، بات مضطرًا إلى تقسيط ثمن الحطب والمازوت وحتى المواد الاستهلاكية، طيلة أشهر السنة حتى يستطيع حماية أولاده وزوجته من البرد والجوع.
وإذ يبدو همّ التدفئة أولويّةً بالنسبة لأهالي الجبال والمناطق الباردة، يتحضّر أهل الساحل في دورهم، للغرق مع سياراتهم وبيوتهم في الأمطار، كما في كل عام، نتيجة عدم اتخاذ الدولة الإجراءات اللازمة لحماية الطرقات من «الأنهار»، إذ يلفت ربيع الذي يسكن في بيروت، الانتباه إلى أنه «كلّما هطل المطر، نضطرّ لتحمّل زحمة السير، وأحياناً تتعطّل سياراتنا بسبب دخول الماء إليها»، سائلاً: «كم شتاءً سوف نقضي بعد مع هذه المعاناة؟».
300 ألف للأكل!
إلى همّ التدفئة والشتاء، أجرت «السفير» في الأسبوعين الماضيين، لقاءات مع 10 أسر من مناطق مختلفة، وبعد احتساب المعدل الوسطي، تبين الآتي:
تحتاج أسرة مكوّنة من 4 أشخاص، إلى 20 ربطة خبز في الشهر، (30 ألف ليرة)، وإلى زجاجة زيت الزيتــون (8 آلاف لــيرة)، وكمية كافية من الحبوب (فاصوليا، أرز، عدس، ملح، سكر...) ما لا يقلّ ثمنها عن 50 ألف ليرة. ومن 4 إلى 5 كيلو لحمة غنم أو بقر شهريًّا، علماً أن سعر كيلو الغنم 30 ألف ليرة، ولحم البقر 15 ألف ليرة، أما ما يتعلق بالسمك والدجاج، فتأتي أسعارها حسب الطلب.
يُضاف إلى ذلك الخضار والفاكهة التي تكلّف الأسرة ما لا يقل عن 100 ألف ليرة شهرياً حدًّا أدنى، وحوالي 2 كيلو أجبان وألبان، علماً أن كيلو لبنة بلدية 7 آلاف ليرة، وجبنة عكاوي (على سبيل المثال) 8 آلاف ليرة.
ويمكن تقدير مصروف العائلة شهريًّا، وفق هذه الأرقام المبدئية المتعلقة بسلة الغذاء الأساسية، بحوالي 300 ألف ليرة.
تضيف جمانة (ربة منزل) إلى هذه الأرقام، التي يمكن تعميمها على بقية العينات، فواتير الكهرباء (حوالي 75 ألفًا شهريًّا) واشتراك المولد الخاص (150 ألفًا)، ومياه الشرب (45 ألفًا)، وإيجار البيت (450 ألفًا)، وأقساط المدرسة والقرطاسية والكتب (حوالي 500 ألف للخاصة)، لتؤكد لـ«السفير» أن «أسرتها تحتاج شهرياً حوالي ثلاثة ملايين ليرة شهريًّا حدًّا أدنى لتغطية مصاريف الغذاء، والفواتير». أما مدخول الأسرة «فلا يتجاوز مليوناً ونصف المليون ليرة».
وتلفت الانتباه إلى أن «تكلفة الزيارة إلى السوبر ماركت لشراء الحاجيات الضرورية لا تقلّ عن 100 ألف ليرة أسبوعيًّا، يضاف إليها أدوات التنظيف والغسيل، التي لا تقل عن 20 ألف ليرة».
675 ألف ليرة
أما ليال (أم لثلاثة أولاد) فتعمل في شركة لبيع أجهزة الكومبيوتر، مقابل 675 ألف ليرة أي الحد الأدنى للأجور، فيما زوجها الذي يملك محلاً لتصليح الأدوات الكهربائية، يتخطّى مدخوله الشــهري الملــيوني ليرة تقريباً، «إلاّ أنّ هذا المال لا يكفي العائلة حتى منتصف الشهر»، كما تقول ليال لـ«السفير»، مشيرةً إلى أنها «تدفع شهرياً 600 دولار إيجار منزلها، و300 دولار قسطاً للسيارة، إضافةً إلى ادخار المال شهريًّا لتأمين قسط المدارس الذي يتخطّى 9 ملايين ليرة سنوياً». وإذ تعتبر أنّ وضع عائلتها المادي أفضل من عائلات كثيرة، تسأل: «كيف يستطيع الأهل توفير المعيشة لأولادهم والاستمرار في الحياة، براتب واحد شهرياً؟».
ينسحب هذا الوضع الصعب إلى وليد (أب لطفلين ومعيل لوالديه)، فهو عاجز عن دفع قسط المدرسة منذ سنتين، وولداه مهددان بالطرد في حال لم يسدّد ما عليه قبل السنة الجديدة، وذلك على الرغم من ممارسته عملين، فهو يعمل نهاراً في مطعم في بيروت، وليلاً ناطوراً لبناية قريــبة من منزله، ليجـــمع مليــوني ليرة شهرياً، لا يكفيان طعاماً لعائلته، ودواءً لأبيه الذي يعــاني من السكري والضغط، ويضطرّ للاستدانة قبل آخر الشهر من أصدقائه حتى يكفي الحاجات الأساسية لعائلته.
20 سنة انتظار!
أما جاد ويمنى، المخطوبان منذ سنتين، فيسددان كل شهر، سنداً بـ400 دولار، للمصرف الذي أقرضهما المال لشراء منزلهما، وينتظران الفرج حتى يستطيعا تجميع ما يكفي لتكاليف الزفاف، ولوازم البيت الجديد، علماً أنّ يمنى تعمل في شركة تأمين وتتقاضى مليون ليرة شهرياً، وجاد موظّف في إحدى دوائر الدولة وراتبه الشهري مليون ونصف المليون ليرة. تأمل يمنى عبر «السفير» أن «ينظر المسؤولون في أوضاع المواطنين المعيشية»، متمنيةً ألاّ تضطرّ لانتظار 20 سنة حتى تستطيع سداد ديونها وتأسيس عائلة!
أمام هذا الوضع، تقدّر الإحصاءات الأسبوعية الإجمالية للأسرة بحوالي 400 ألف ليرة (في الحد الأدنى)، أي حوالي مليون و600 ألف ليرة شهرياً. من دون نسيان كلفة المواصلات التي لا تقل شهريًّا عن 300 ألف ليرة، مع أسعار المحروقات المرتفعة، إذ يبلغ سعر مبيع صفيحة البنزين 98 أوكتان حاليًّا، 33 ألفًا و100 ليرة، ولـ95 أوكتان 32 ألفًّا و400 ليرة. ونكون بذلك قد لامسنا حدود المليوني ليرة، قبل أن نتحدّث عن الطبابة واللباس والأقساط للمصارف، لشراء منزل أو سيارة، والتدفئة على أبواب الشتاء...
المصدر: السفير اللبنانية