يبدو المشهد الاقتصادي العالمي ينذر ببوادر أزمة اقتصادية تلوح في الأفق , ناجمة عن تأثيرات تدهور أسعار النفط مؤخرا على اقتصاديات الدول بطرق مختلفة , خصوصا أن هذا الإنخفاض أتى مسبوقا بتباطؤ اقتصادي مترافق بارتفاع نسب الدين الداخلي والخارجي على مستوى العالم , ما يتعلق بالبطالة ومعدلات الدخل الاستهلاك للأسر ونمو الناتج المحلي الإجمالي , هذه المؤشرات التي تهدد الازدهار الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي للدول , في الوقت الذي لم يتعافى العالم بعد , من الأزمة المالية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة عام 2008 وسميت (أزمة الرهن العقاري ) , وأصابت اقتصاديات كثيرة , وأدت إلى إفلاس العديد من المؤسسات المالية العالمية .
تدور اليوم , تساؤلات عديدة عن أسباب تدهور أسعار النفط في الأسواق العالمية , والتغيرات المحتملة في هذا القطاع الاستراتيجي , وكيفية انعكاسه على الأسواق المالية والاقتصاد العالمي ؟؟؟؟ وماذا عن السوق المحلية واستجابتها لتغير الأسعار الشديد ؟؟ .
يقول خبراء الطاقة , إن العامل الرئيسي في تدهور أسعار النفط , هو المعرفة , والوصول إلى تكنولوجيا جديدة تجعل عملية استخراج النفط من الصخر الزيتي أو الحجر السجيلي عملية مجدية اقتصاديا , ومن المعروف, أن للمعرفة دور هام وحاسم في تغير القواعد المعروفة لقطاع معين , حيث تتغير معطيات العرض والطلب والحصص في السوق , في هذا السياق لا بد أن نذكر الكاتب الاقتصادي بيتر دركر Peter Drucker الذي تحدث في كتابه “ The Age Of Discontinuity “ عن دور المعرفة في الاقتصاد , فيقول :
بدء الاقتباس , "أن المعرفة والتعلم المستمر هي العناصر الرئيسية للنجاح في الاقتصاد الجديد , حيث أن المكون الرئيسي لأي منتج هو القيمة التي يجلبها للمستهلك . والقيمة ناتجة عن المعرفة التي يتم إدماجها في المنتج أو الخدمة المقدمة للمستهلكين , وهكذا , فإن التوجه إلى المعرفة هو الذي سينضوي على القيمة الجوهرية " نهاية الاقتباس . هذا يفسر أن المعرفة والتقنيات الجديدة , هي التي غيرت موازين العرض والطلب في سوق النفظ العالمي , وقريبا ستتغير قوائم الدول المصدرة والمستوردة للنفط بحسب وجود احتياطيات من الصخر الزيتي في أراضيها , فتدخل إلى قائمة البلدان المصدرة للنفط دولا كانت مستوردة له , لسنوات طويلة بسبب هذه التقنيات الجديدة .
اليوم باتت تغيرات أسعار النفط, هي الخبر الأكثر حضورا في نشرات الأخبار , حيث شهد سعر برميل النفط هبوطا غير متوقع خلال أسابيع , من 110 دولار إلى أقل من 57 دولار أثناء كتابة هذه السطور , والتوقعات تشير إلى المزيد من الهبوط , وخصوصا في ظل عدم تماسك أهم رابطة لمنتجي النفط (اوبك ) , التي بدت عاجزة عن ضبط مستويات الإنتاج النفطي ليتقاطع مع الطلب العالمي عند معدلات أسعار مقبولة نسبيا, حيث لابد للدول الأعضاء من تخفيض حصصهم من السوق لتحقيق التوازن في السعر , ولكن السعودية ودول الخليج , أصرت على الاحتفاظ بحصصها من السوق , برغم انخفاض الطلب العالمي الذي كانت تقوده الولايات المتحدة , حيث انخفضت مستورداتها إلى أقل مستوى في 30 عاما , نتيجة للتقدم الكبير في تكنولوجيا استخراج البترول من الصخر الزيتي ومخزوناتها الكبيرة منه في عدة ولايات , إذا أصبح واضحا, تغير المشهد في اقتصاديات النفط ولكن كيف سيكون انعكاس ذلك على الاقتصاد العالمي ....؟؟؟؟
هناك أراء مختلفة, حول تأثيرات انخفاض أسعار النفط على الاقتصاد العالمي , ففي حين يرى بعض الاقتصاديين , أن هذا الإنخفاض في سعر برميل النفط , سيؤدي إلى زيادة في الإنتاج , سيرتفع معه اجمالي الناتج المحلي على مستوى العالم , وهذا سيؤدي إلى انتعاش اقتصادي وانخفاض في معدلات البطالة , وسينعكس إيجابيا على المستهلكين لأنهم سيحصلون على السلع والخدمات بأسعار أقل , ومن البديهي , أن الدول الصناعية الأكثر إنتاجا سواء سلعيا أو خدميا ستستفيد من هذا الانخفاض , أما الخاسرون فهم الدول المنتجة للنفط وخاصة من يعيش على الريع من الإنتاج النفطي بشكل رئيسي , هناك أراء لاقتصاديين آخرين تقول , إن هذا التغير السريع في أسعار النفط سيكون له تأثيرات كبيرة على الموزنات العامة للدول المنتجة , مثل روسيا , إيران, فنزويلا , السعودية , وربما ارتدادات في الأسواق المالية العالمية , تقودها التوقعات القاتمة لسوق النفط .. ويقول الاقتصادي بول كروغمان : "ان ما يحصل في العالم , قد يسبب نوع من الانكماش وليس التوسع في اقتصاديات الدول , وقد يكون العالم أمام أزمة اقتصادية جدية وكبيرة " .
السؤال الذي يشغل بال السوريين, ويريدون إجابة عنه , كيف ستنعكس تغيرات أسعار النفط الخام العالمية على أسعار المشتقات النفطية في سورية ؟؟؟ .... مبدئيا إن أي انخفاض أسعار النفط عالميا سيؤدي إلى تراجع سعره محليا , ولكن في ظل الأزمة السورية المدمرة , والحرب التي تخوضها الدولة بكل مكوناتها ضد الإرهاب منذ أربع أعوام , و تداخل عدة عوامل في تحديد أسعار المازوت والبنزين والفيول وغيرها في السوق المحلية , أولها : سيطرة المجموعات الإرهابية على آبار النفط في المنطقة الشمالية الشرقية وحرمان البلد من ثروتها الوطنية واضطرارها لاستيراد المادة , ثانيا : العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على سورية والتي ادت إلى رفع كلفة الاستيراد , ثالثا : الوضع الأمني الذي أدى إلى مخاطر عمليات النقل و مضاعفة تكاليفها, يضاف إلى العوامل السابقة , الطريقة البيروقراطية للحكومة , الني تقيدها القوانين واللوائح التنفيذية , تعتبر أيضا , من أسباب ارتفاع التكلفة , وهذا يفسر القرار الأخير للحكومة بإفساح المجال أمام القطاع الخاص بأن يؤمن المادة وسمح له باستخدام كل من مصفاتي حمص وبانياس , ليقوم بتصفية النفط الخام المستورد وتأمين المادة إلى السوق المحلية , لما يتمتع به القطاع الخاص من مرونة عالية وقدرة على الاستجابة السريعة .
من الواضح , أن أسعار المشتقات النفطية بالعملة السورية لن تتراجع بنفس نسبة انخفاض الأسعار العالمية , كنتيجة لتراجع قيمة الليرة وقدرتها الشرائية , أمام الدولار وهو العملة المستخدمة في تسعير النفط , حيث أن تأمين المواد والمشتقات البترولية شيء , وبيعه للمواطنين بأسعار معقولة تتناسب مع دخولهم ..شيء آخر !!!! حيث تجاوز سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية الــ 207 ليرات في كانون الأول عام 2014 مرتفعا من 165 ل.س قبل أشهر قليلة .
أخيرا , يمكننا القول أن المشهد الاقتصادي العالمي ...سيشهد تغيرات مستمرة ولن يكون انهيار أسعار البترول آخرها , , , طالما أن الإنسان يسعى للاكتشاف وامتلاك المعرفه , تقوده في ذلك احتياجاته الاقتصادية أولا, ومن ثم التطور الكبير في الأبحاث العلمية... ...ولا عزاء للدول المصدرة ...التي تبدو لا حول لها ولا قوة .....
المصدر: صحيفة " البناء"