تابعت جمعية العلوم الاقتصادية السورية نشاطها المعروف بندوة الثلاثاء الاقتصادية بعقد حلقة نقاشية عامة عنوانها ( اضاءات على مستقبل إعادة البناء في سورية ) قدم ورقة العمل لها الأستاذ محمد زهير تغلبي محافظ مدينة دمشق الأسبق وعضو مجلس ادارة جمعية العلوم الاقتصادية السورية .
اشارت ورقة العمل إلى أن استمرار الأزمة وعدم وجود آفاق واضحة من الناحية الزمنية لانتهائها يقتضي اتباع منهجية قد تقود بالنتيجة إلى اعتماد العديد من محاور البناء انطلاقًا من جهد واع ومنظم ويتصف بالاستمرار تقوده كل من هيئة التخطيط والتعاون الدولي، وهيئة التخطيط الإقليمي، وتشارك فيه جميع جهات الدولة سواء منها الجهات التي تشرف على القطاعات الاقتصادية أو الخدمية أو المكانية، ويقتضي ذلك:
أولاً – دراسة وتحليل الوضع الراهن:
إن أي عمل تخطيطي هادف يقتضي الانطلاق من تشخيص دقيق للوضع الراهن في جميع قطاعات الدولة سواء أكان ذلك على المستوى المركزي أو على المستوى الإقليمي أو على المستوى المحلي، اعتمادًا على المعطيات الإحصائية الدقيقة التي تعكس واقع كل من هذه المستويات ومكوناتها ومدى مساهمتها في الأداء الكلي للإقتصاد الوطني حيث تقود هذه الدراسة إلى دراسة وصفية لواقع كل قطاع بما يتناسب مع مصادر الإنتاج فيه ويترافق ذلك مع تقويم دقيق للسياسات والإجراءات المتبعة ومدى نجاعتها في معالجة آثار الأزمة توصلاً إلى مقترحات محددة تتضمن تحديد الأولويات على المستويات الكلية والقطاعية والإقليمية والمحلية
ثانيًا- التحضيرات ومتطلبات إعادة البناء
وتتضمن التحضيرات إعداد خطط وبرامج إعادة البناء والانسان وتامين الموارد المالية االتي يمكن ان تكون من الاعانات والتعويضات واموال السوريين في الخارج والقروض والتسهيلات والخطوط الإئتمانية وإصدار أذونات الخزينة وسندات الدين العام وعوائد المرور والسياحة
ثالثًا- ملامح إعادة البناء:
1- على مستوى المدن ومراكز المحافظات
إعداد دراسات تتناسب وواقع المناطق التي تعرضت للتخريب خاصةً المناطق التي لها قيمة أثرية كبيرة كحلب وحمص القديمتين حيث يقتضي الأمر تضافر الجهود لإعادة الوضع إلى ما كان عليه، وبالتنسيق ما بين وزارة الثقافة والجهات المحلية واليونسكو كما يقتضي الأمر احداث صناديق تمويل خاصة بكل من هذه المواقع ذات القيمة التاريخية والأثرية حيث ترغب العديد من الدول والمنظمات بالمساهمة في إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه.
أما بالنسبة لمناطق السكن العشوائي فإن الفرصة متاحة لتحضير ما يلزم من مصورات تنظيمية لتحسين واقع هذه المناطق وتصديق هذه المصورات وإزالة أية عقبات إدارية قد تقف بوجه منح الرخص بحيث يتم إيجاد آلية خاصة لإعادة الإعمار وتلافي النقص في الخدمات التي كانت تعاني منه هذه المناطق.
2- على مستوى القطاعات الاقتصادية:
الزراعة:
– تأمين حاجة الاستهلاك المحلي من الإنتاج الزراعي بشقَيه النباتي والحيواني.
– تأمين حاجة الصناعة من المواد الأولية للمنتجات الزراعية ما أمكن.
– تعزيز الاستقرار الغذائي الأسري وتحسين الوصول إلى الغذاء.
– توفير فائض من الإنتاج الزراعي للتصدير
الصناعة:
– تقديم كل أنواع الدعم والتسهيلات للمنشآت التي استمرت بالعمل على الرغم من ظروف الأزمة، ومعالجة ما تواجهه من مشاكل سواء لجهة توفير مستلزمات الإنتاج أو لجهة تخفيض تكاليفه أو لجهة تسويق المنتجات في ضوء صعوبة النقل والانتقال.
السعي لإعادة تشغيل المعامل والمنشآت التي توقفت عن الإنتاج بما يقتضيه ذلك من دعم وتسهيلات مادية ومالية.
–التوسع بإقامة مدن صناعية ومناطق ضمن إطار سياسة تهدف إلى تشجيع تحقيق التكامل بين الصناعة والزراعة وبحيث يتم تصنيع المنتج الزراعي في أماكن قريبة من مواقع إنتاجه حيثما أمكن ذلك.
– تحديد قوائم بالمشاريع ذات الجدوى الفنية والاقتصادية بحيث تكون جاهزة لطرحها على المستثمرين المحليين والأجانب وتسهيل إجراءات منح التراخيص
البناء والتشييد:
صيانة وإعادة تأهيل ما تم تخريبه من بنى، وهذا يقتضي توفر الدراسات التفصيلية اللازمة.
تطوير البنى القائمة، والمثال على ذلك مطار دمشق الدولي والمرافئ وغيرها.
إقامة محاور بديلة حيث أثبتت الأزمة أن الاعتماد على محور واحد كانتله آثار سلبية كبيرة.
الكهرباء:
– إعادة تأهيل ما تم تخريبه من محطات وشبكات بالتنسيق مع الدول الصديقة.
- إتاحة المجال لمن يرغب في الاستثمار في قطاع الكهرباء على أن يتم تسليم الطاقة المنتجة لوزارة الكهرباء التي تتولى توزيعها على المشتركين من خلال الشبكات التابعة لها ووفق القوانين والأنظمة المرعية.
- التوسع في استخدام الطاقات المتجددة سواء منها طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية حيث يؤمن موقع القطر امكانيات كبيرة في هذا المجال.
التربية والتعليم:
– استمرار الجهات المعنية بالعملية التعليمية باتخاذ ما يلزم من اجراءات استثنائية لاستيعاب أعداد متزايدة من الطلاب.
– إعادة تأهيل المدارس التي تعرضت للتخريب.
-وضع برامج مكثفة خاصة بالمناطق التي توقفت فيها العملية التعليمية بشكل يمكن من اختصار الزمن في مرحلة التعليم الأساسي.
– استمرار التنسيق مع اليونسكو لتأمين ما يلزم من مساعدات عينية ومادية.
– إعطاء اهتمام خاص لرواتب وأجور المعلمين والمدرسين
الصحة:
– تأهيل المشافي والمراكز الصحية التي تعرضت لأضرار سواء أكان ذلك في الأبنية أو في التجهيزات.
– منح ما يلزم من تسهيلات لإعادة تشغيل معامل الأدوية التي توقفت عن العمل.
بذل ما يلزم من جهد وتسهيلات لعودة المهاجرين والمهجرين من الأطباء والممرضين بغض النظر عن التكلفة المترتبة على ذلك.
السياحة:
– إعادة ترميم المناطق التي تعرضت لتخريب متعمد مثل حلب القديمة، حمص القديمة، تدمر، وتلك التي تعرضت لأضرار لأسباب لا علاقة لها بالأزمة مثل سوق العصرونية في دمشق.
– إعادة تأهيل المصايف والمنتجعات التي تعرضت أيضًا للتخريب مثل الزبداني ومضايا وبقين في ريف دمشق.
– بذل الجهود لإعادة المسروقات من الآثار وغيرها من مقتنيات المتاحف بالتنسيق مع الدول الأخرى وأجهزة الإنتربول.
-التوسع في إشادة الفنادق والمنتجعات السياحية على مختلف المستويات وخاصة منها الثلاث نجوم.
– الترويج بمختلف الوسائل المتاحة، وإبرام اتفاقيات مع مختلف الدول لاستقطاب الوفود السياحية.
رابعًا- السياسات والإجراءات:
لقد أفرزت الأزمة عدداً من المظاهر السلبية، وعمقت من مظاهر أخرى، ويقتضي تحقيق الانسياب في عملية التنمية إزالة جميع المظاهر السلبية والأسباب التي ادت إليها بما في ذلك تحديث التشريعات بما يتناسب مع متطلبات المرحلة وسأتناول فيما يلي بعضًا من المجالات التي لا بد من إيجاد الحلول لها مقدمتها معالجة الفساد وتطوير القوانين والتشريعات و المصالحة بين مختلف مكونات المجتمع السوري التي يجب اعتبارها عملية مستمرة وهادفة وتسخير كل الطاقات اللازمة لهذه الغاية ضمن إطار السعي الحثيث للقضاء على موروثات الأزمة من أمراض اجتماعيةوأخلاقية وغيرها.
وإعادة النظر في المناهج التعليمية بما يضمن التركيز على حب الوطن ونشر الأخوة والمحبة بين مختلف مكونات المجتمع السوري ليعود مجتمعًا متماسكًا ويتبوأ المكانة التي يستحقها عربيًا وإسلاميًا وعالميًا كونه مصدر الحضارات.
وخلصت ورقة العمل إلى أن إعادة البناء تقتضي جهودًا كبيرة في مختلف المجالات، وبصورة خاصة إعادة بناء الإنسان السوري على التوازي مع إعادة بناء الاقتصاد بمختلف مكوناته وفروعه، وهو أمر يقتضي تسخير كل الموارد والإمكانيات لهذه الغاية بما في ذلك القضاء على الفساد بكل أشكاله، وتحقيق التكافل الاجتماعي، ورفض أي منطق عشائري أو طائفي أو إثنيوذلك للحفاظ على سورية متماسكة وموحدة وقوية.
المصدر: الصناعي السوري