عندما يصل مستوى المعيشة الضروري لأسرة من 5 أشخاص إلى 260 ألف ليرة في الشهر، فإن الليرة عملياً تكون قد خسرت 88% من قيمتها منذ بداية الأزمة. حيث تضخمت تكاليف المعيشة، من 30 ألف ليرة في عام 2011 إلى 260 ألف ليرة، بنسبة 766%، ما يعني عملياً أن سعر الصرف يفترض أن ينتقل من 50 ليرة مقابل الدولار، إلى 435 ليرة.
فخسارة الليرة لقيمتها ينعكس مباشرة في قدرتها الشرائية، وتحديداً في تكاليف المعيشة الضرورية، وكلما خسرت الليرة من قيمتها ارتفعت الأسعار، والعكس صحيح.
لذلك فإن الرفع المتعمد للأسعار، كان واحدة من أكبر الضربات التي تلقتها الليرة السورية في قيمتها، وهذا الرفع المتعمد كان نتيجة مباشرة وغير مباشرة للسياسة الاقتصادية السورية طوال الأزمة، وهو ينجُم عن اتجاهين رئيسيين، الأول: إلغاء الدعم عن المواد المفصلية التي ترفع المستوى العام للأسعار، كالمحروقات وتحديداً المازوت، والثاني: الأسعار الاحتكارية للمستوردات الغذائية إلى سورية، بعد أن أصبح الغذاء هو السلعة الوحيدة مضمونة الاستهلاك في سورية..
30 ليرة لتر المازوت يخفض ثلث تكاليف المعيشة
بأخذ مادة المازوت ذات التأثير الأعلى على مستويات الأسعار، فإن ارتفاعها خلال الأزمة من 15 ليرة للتر إلى 180 ليرة للتر، أدى إلى رفع مستوى الأسعار بنسبة 440%، وفق المعادلة التقديرية التي تقول أن رفع سعر المازوت بنسبة 1%، يرفع المستوى العام للأسعار بنسبة 0,4%، ولذلك نستطيع القول، بأن ارتفاع أسعار المازوت خلال الأزمة بتأثيره على أسعار مختلف الخدمات والسلع وبالتالي على قدرة الليرة الشرائية، ساهم بنسبة 57% من تضخم تكاليف المعيشة.
442 مليون دولار دعم مازوت
وبناء عليه فإن تخفيض أسعار المحروقات الحالية سيؤدي حتماً إلى انخفاض في المستوى العام للأسعار، فما تكلفة هذا الخيار اليوم؟!
كنا قد أشرنا سابقاً إلى أن تكلفة استيراد حاجات المازوت لسورية خلال عام قرابة 260 مليار ليرة، أي حوالي 553 مليون دولار، وتخفيض أسعار المازوت بنسبة 80%، أي إعادة سعر الليتر إلى 30 ليرة تقريباً، يحمل الخزينة أعباء تقارب 442 مليون دولار.
العودة إلى سعر صرف 300 ليرة
إن تخفيض أسعار المازوت بهذه النسبة كفيل بتخفيض مستويات الأسعار بنسبة 32%، أي إعادة تكاليف المعيشة إلى ما يقارب 178 ألف ل.س شهرياً، وهي مستويات بداية عام 2016.
لتستعيد الليرة السورية جزءاً من قدرتها الشرائية، ويعود سعر صرف الدولار إلى ما يقارب 300 ليرة مقابل الدولار.
إن تحقيق أرباح من قطاع المحروقات في أوقات الحرب، هو سياسة تلغي نهائياً الأهداف المعلنة للسياسات الاقتصادية كلها، مثل حماية الليرة أو تحفيز الإنتاج والمشروعات الصغيرة، وتحديداً أن أسعار المحروقات في سورية لم تتكيف هبوطاً مع انخفاض أسعار النفط عالمياً بنسبة 50% وسطياً خلال عام منذ منتصف 2015، بل استمرت في الارتفاع. أما ذريعة الحكومة بتحصيل الموارد للخزينة، فهي غير مقبولة، لأن سحب الموارد من المحروقات عموماً ومن المازوت تحديداً، هو سحب الموارد من قدرات الإنتاج، ومن تكاليف المعيشة، ومن قدرة الليرة الشرائية، وهو يؤدي عملياً إلى تراجع في الموارد العامة..
المصدر: جريدة قاسيون - إعادة تحرير موقع بزنس2بزنس سورية