تتباين التقديرات المتعلقة بمتوسط إنفاق الأسرة السورية حالياً، لكن ثمة اتفاق بين جميع تلك التقديرات غير الرسمية أن الحد الأدنى للدخل الذي تحتاجه الأسرة لتلبية احتياجاتها الرئيسية لا يقل عن 200 ألف شهرياً. وفي استحالة توفر ذلك الدخل، فقد كان من الطبيعي أن تقفز معدلات الفقر لتشمل 85% من السوريين وفق تصنيف الحد الأعلى للفقر، منهم 35% يعيشون في فقر مدقع.
صحيح أن الحالة السورية باتت تثير الدهشة والاستغراب، لاسيما عند مقارنة الدخل الشهري للفرد أو العائلة مع التقديرات المتعلقة بالإنفاق حالياً بعد ارتفاع معدل التضخم إلى مستويات كارثية…لكن دعونا نسأل أنفسنا عن الشريحة الأعلى أجراً بين موظفي الدولة…عن الوزراء والمحافظين: كيف يدبرون أمورهم المعيشية؟ وهل الرواتب والتعويضات التي يتقاضونها كافية لمواجهة غلاء الأسعار؟.
يتقاضى الوزير اليوم راتباً شهرياً يبلغ نحو 100 ألف ليرة، ومع بعض التعويضات قد يصل إلى 120 ألف ليرة، خاصة وأن تعويضات الإيفادات الخارجية، التي كانت تمثل سابقاً “بيضة القبان” في رواتب الوزراء، متوقفة منذ بداية الأزمة لمعظم الوزراء، الأمر الذي يعني أن هناك عجزاً شهرياً ثابتاً بين دخل الوزراء وبين متوسط إنفاقهم الشهري يصل إلى 80 ألف ليرة شهرياً!!.
قبل فترة حاول الدكتور محمد غسان طيارة، وهو وزير صناعة سابق، أن يجري مقاربة أولية لدخل الوزراء وإنفاقهم، فقال إذا كان الوزير يتقاضى راتباً شهرياً قريب من مائة ألف ليرة سورية شهرياً, يضاف إليه مبلغ عشرة آلاف ليرة تعويض محروقات واستهلاك كهرباء.
وأضاف: إذا افترضنا أن فاتورة الكهرباء شهرياً هي بحدود 1500 ليرة سورية، أي بالدورة الواحدة 3000 ليرة سورية, فهذا يعني أنه يبقى من تعويض المحروقات الشهري مبلغ وقدره 8500 ليرة سورية. وبالنسبة لإنفاق على التدفئة شتاءً، فإن الوزير يحتاج للتدفئة سنوياً بمنزلٍ متواضع إلى نحو ألفي ليتر مازوت، بقيمة 270 ألف ليرة سوريةـ بناء على سعر 135 لليتر(قبل الزيادة الأخيرة التي أجرتها حكومة الحلقي قبل رحيلها). أي أن الوزير يحتاج شهرياً إلى مبلغ وقدره 22,5 ألف ليرة سورية للتدفئة، وهذا يعني أن الوزير سيكون مضطراً إلى سحب مبلغ 14 ألف ليرة سورية من راتبه الشهري لسد العجز الحاصل في بند التدفئة، وعلى ذلك فإن راتبه الشهري المتبقي يستقر عند 86 ألف ليرة، وهذا المبلغ عليه تغطية انفاق عائلة الوزير على بندين رئيسين هما الغذاء والملابس، فيما الانفاق على باقي البنود كالاتصالات والنقل قريبة من الصفر، إذ أن فاتورة الهاتف الأرضي لمنزل الوزير وهاتفه الخليوي تسدد من قبل مديرية المحاسبة في الوزارة، والنقل متوفر مجاناً في ظل تخصيص الوزير بثلاث سيارات نظرياً، وعملياً يرتفع العدد لدى البعض إلى أعلى من ذلك…فما هي الوصفة التي تجعل الوزير يوفق بين دخل شهري قدره 86 ألف ليرة ومتوسط انفاق لا يقل عن 130 ألف ليرة، على اعتبار أن التقديرات تشير إلى أن الانفاق على الغذاء يستحوذ على 65% من الانفاق على سلة الاحتياجات اليومية؟!.
وبناء على ما سبق، فإن هناك خيارات محددة يلجأ إليها الوزراء لردم الفجوة المتشكلة بين دخله الشهري ومتوسط إنفاق السوري:
-أن بعض الوزراء يمدون يدهم إلى المدخرات الشخصية لسد العجز الحاصل، أو بيع بعض الممتلكات الشخصية من عقارات وأراضي كما يفعل كثير من السوريين اليوم.
-أن بعض الوزراء أحوالهم المادية بالأساس جيدة، وبالتالي فهم لا يعولون كثيراً على راتب المنصب القليل.
-أن بعض الوزراء يعيشون فعلاً بالراتب الحالي مع بعض المساعدات، التي تأتي من الأهل أو من إيرادات قطعة أرض أومن إيجار شقة سكنية….الخ، وهؤلاء يصنفون من بين نسبة 85% الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى.
-أن بعض الوزراء يحصلون على تعويضات مالية جيدة (قانونية) تتأتى من طبيعة عمل بعض الوزارات وأنشطتها ومشاريعها. لذلك ننصح المستوزرين بالتفكير ملياً في الوزارات التي يرغبون ويتمنون مستقبلاً في قيادتها.
-الخيار الأخير يقول إن بعض الوزراء يسدون الفجوة المذكورة على طريقتهم الخاصة…كيف؟ الله أعلم. خاصة وأن فرضية العمل الثاني كمصدر أساسي لسد جزء من العجز المتشكل غير واردة بحكم منصب الوزير وخصوصيته.
ربما لو جرى تطبيق مبدأ الإفصاح عن الأملاك والثروات الشخصية للوزراء والمسؤولين الكبار، لكان من السهولة بيان كيف يعيش الوزراء براتب لا يوفر 50% من متوسط الإنفاق الشهري، والمصادر والخيارات التي يلجؤون إليها لسد الفجوة المتشكلة بين الراتب والإنفاق…!!
المصدر: صاحبة الجلالة