كشف التقرير الاقتصادي لـ " الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية" إلى أن التضخم "الزاحف" و"الكبير" لم يقضم جزءاً كبيراً من القدرة الشرائية للنقود فحسب، بل أدّى إلى "إعادة توزيع الدخل "والثروة لمصلحة أصحاب الأصول الثابتة والعقارات والأغنياء والأقوياء والمضاربين والمحتكرين وتجار الحروب، ومما زاد في هذه الاختلالات، اتساع رقعة " اقتصاد الظل" الذي كان حجمه قبل الأزمة يعادل 45% من حجم إجمالي الاقتصاد، ليبلغ اليوم حسب بعض التقديرات أكثر من 65%.
حيث اعترف الاتحاد في تقريره بمحدودية قدرة الجهات الحكومية على مواجهة التحدّيات بالمستوى الكافي من خلال التوسّع بالإنفاق الحكومي بشقيه الجاري والاستثماري بسبب ظروف الأزمة، وضعف الإيرادات وتفاقم عجز الموازنة، وخاصة مع تقلّص الصرف على المشاريع ذات الطابع الإنتاجي الفوري والاستثماري المستقبلي، وعلى الإنفاق الاستهلاكي والخدمات العامة ذات الطابع الجماعي والاجتماعي، الأمر الذي أثر وسيؤثر سلباً في الطاقة الإنتاجية الحالية والمستقبلية للقطاع العام من جهة، وفي المواطن والجانب الاجتماعي لعملية التنمية من جهة أخرى، وهو ذاته الأمر الذي سينعكس سلباً على البنية الإنتاجية وسيتسبب بالضرر الكمي والنوعي لقوة العمل الحالية والمستقبلية.
ويؤكد التقرير تدهور جميع هذه المؤشرات والمتغيّرات التي من شأنها أن تؤدّي إلى تشظي الاقتصاد السوري، بعد أن تسبّبت الأعمال الإرهابية بتدمير جزء كبير من البنية التحتية والثروات العامة والخاصة والشخصية، ما أدّى (بالمحصلة) إلى التسبّب بأضرار اجتماعية شاملة وبخسائر اقتصادية هيكلية موجعة، أضعفت القدرة الإنتاجية والتنموية الكلية للقطر. وبالوقت ذاته (وكسبب ونتيجة) أدّى ضعف الإيرادات العامة للدولة، وبالتالي العجز الشديد بالموازنة، إلى تقلّص شديد أيضاً في الإنفاق على المشاريع ذات الطابع الإنتاجي والاستثماري، الأمر الذي أثر بوجهه الآخر في الطاقة الإنتاجية.
الخلل البنيوي
واستعان التقرير الاقتصادي بتقارير (اسكوا) للدلالة على تراجع معدل النمو الاقتصادي إلى حد النمو السلبي، وتجسّد ذلك بتراجع الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الست من الأزمة وذلك نتيجة تراجع المخزون من القطع الأجنبي وتفاقم عجز الموازنة العامة للدولة وتفاقم عجز ميزان المدفوعات وتفاقم المديونية الداخلية والخارجية وانخفاض قيمة الليرة السورية والتراجع الشديد بحجم التجارة الخارجية وانخفاض الطلب العام الفعّال (تقلّص حجم السوق الداخلية) وتقلّص القاعدة الإنتاجية في مختلف القطاعات، وبالتالي انخفاض العرض السلعي والتراجع الشديد في حجم الاستثمارات الخارجية وتراجع دور وأداء القطاع المالي، والمصرفي على وجه الخصوص وارتفاع نسبة البطالة ومعدلات التضخم (رغم انخفاض الطلب).
ظاهرة التضخم
ويشير التقرير إلى أن التضخم (الزاحف) و(الكبير) لم يقضم جزءاً كبيراً من القدرة الشرائية للنقود فحسب، بل أدّى إلى (إعادة توزيع الدخل) والثروة لمصلحة أصحاب الأصول الثابتة والعقارات والأغنياء والأقوياء والمضاربين والمحتكرين وتجار الحروب، فضلاً عن أن التضخم يؤدّي إلى عدة أنواع من الاختلالات الهيكلية والبنيوية المترابطة التأثير فيما بينها مثل اختلالات في (الاقتصاد العيني أو الحقيقي) واختلالات في (المالية العامة) وفي (عرض النقود)، وبالتالي فهو يشوّه النقود كـ(مستودع للقيمة)، كما أنه يؤثر سلباً في الحصيلة الضريبية، وفي مؤشرات الادخار والاستثمار، ويضعف بالوقت ذاته الكفاءة في استخدام الموارد.
ومما زاد في هذه الاختلالات، اتساع رقعة (اقتصاد الظل)، الذي كان حجمه قبل الأزمة يعادل (45%) من حجم إجمالي الاقتصاد، ليبلغ اليوم (حسب بعض التقديرات) أكثر من (65%).
تراجع القطاع الزراعي
ويبيّن التقرير أنه حتى عام 2015 تراجع القطاع الزراعي بنسبة (35%) وانخفاض المساحات المزروعة بنسبة (40%)، وهو القطاع الذي ينتج المواد والسلع الغذائية، وباعتبار أن منتجات ومخرجات هذا القطاع تُعدّ من أهم مدخلات الصناعة التحويلية الأساسية السورية، مثل الصناعات النسيجية والغذائية، فقد أدّى تراجعه هذا إلى نقص وضعف وخلل أيضاً، في جميع فروع هذه الصناعة، وخاصةً مع تراجع الإنتاج الحيواني بنسبة (40%) وتهاوي إنتاج أهم المحاصيل الاستراتيجية (القطن والشوندر السكري والقمح والزيتون)، لتهبط مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي من (19%) عام 2009 إلى أقل من (9%)، حسب التقديرات الحالية، وذلك بدليل تراجع نتائج أعمال شركات القطاع العام الصناعي التي تستند إلى المخرجات الزراعية، في كل المؤشرات الاستثمارية والإنتاجية والتجارية والعمالية، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي لهذا القطاع (إلى أقل من الربع)، بعد أن تراجع الإنفاق الاستثماري خلال النصف الأول من عام (2015) نحو 4 ملايين ل.س فقط، بعد أن كان 5,7 مليارات عام (2010).
أثر الخسائر
ويكشف التقرير أنه نظراً لغياب الإحصاءات الرسمية المتعلقة بمساهمة (وتراجع مساهمة) القطاعات الاقتصادية المختلفة في الناتج المحلي، يمكن الاستناد إلى أرقام الخسائر التي تكبّدتها هذه القطاعات في ظل الأزمة، والاستناد بالأحرى إلى التفاوت في الخسائر بينها، حيث بلغت الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي خلال سنوات الأزمة -وفق تقارير (مركز دمشق للأبحاث والدراسات)- حوالي (4061 مليار ل.س)، وتُعادل (212%) من حجم الناتج لعام 2015 = (1915 مليار ل.س).
وعلى الرغم من تحوّل معدل النمو في كل من قطاع (التجارة) و(الخدمات الحكومية) و(البناء والتشييد) من النمو السلبي إلى النمو الإيجابي عام 2015، إلا أن نمو قطاعات (الاقتصاد الحقيقي) كالزراعة والصناعة والبناء والتشييد، استمرّ سلبياً، وما زال.
ما هو المطلوب
رغم أهمية تقرير الاتحاد العام من الناحية الاقتصادية إلا أنه بقي في إطار العموميات المدرجة في دائرة التنظير الاقتصادي، كما كنّا نتمنى أن يتضمن التقرير خلاصات لدراسات عمالية اقتصادية تبحث في الرقم الاقتصادي المعيشي بشكل تكون فيه الإحصائيات دقيقة وراصدة للتفاصيل التي تمتلك المنظمة النقابية القدرة على استخلاصها من الواقع عبر وجودها في جميع مواقع العمل والإنتاج ومشاركتها في صنع القرار هذا فضلاً عن احتضانها لأكبر شريحة إنتاجية اقتصادية في المجتمع. ومن هنا تأتي أهمية المهام الموكلة إلى الاتحاد العام لنقابات العمال والدور المنوط به الذي يحتم عليه في هذه المرحلة المفصلية المهمة القيام بخطوات فاعلة وعملية تنبع من آمال الشارع السوري وهموم الطبقة العاملة التي هي أحد أهم عوامل الإنتاج والعمال الذين هم شريحة أساسية من النسيج الاجتماعي السوري.
المصدر: صحيفة البعث