يسرد الخبراء مجموعة من الأسباب التي ساهمت بخروج القطاع العقاري عن السيطرة واستحواذ التجار عليه بما يخدم مصالحهم، يتصدرها عدم وجود العرض الكافي من السكن الاجتماعي، وانكفاء التطوير العقاري عن الدخول في هذا المضمار الذي وعد – بداية انطلاق هيئة التطوير والاستثمار العقاري – بإيلاء هذا النوع من السكن اهتماماً كبيراً، وتأمين حيز له في السوق، فضلاً عن وعود المطورين بتطوير العشوائيات التي ذهبت أدراج الرياح.
لاشك أن الأزمة الحالية زادت الطين بلة وجعلت السيولة المالية بيد المواطن قليلة، فمن يمتلك السيولة اختار ادخارها تحسباً لقادمات الأيام وما ستحمله الظروف من آثار انعكاسية، وهناك فئة قليلة توجهت لضخ المال بسوق العقارات، إلا أن العقار بهذه الحالة لم يستفد شيئاً من ذلك كنشاط له بتحريك السوق، بوقت كان هناك المزيد من الشقق السكنية الفارغة خلال السنوات السابقة للأزمة وليس هناك من يسكنها، ما فرض الجمود والركود على العقارات، وهناك سبب آخر يتمثّل بارتفاع أسعار مواد البناء خصوصاً الإسمنت والحديد نتيجة الطلب الزائد على امتداد أبنية المخالفات والمناطق العشوائية.
بالمقابل نجد أن لأصحاب المكاتب العقارية رأياً آخر يتمثل بأن السوق مصابة بالمرض نتيجة الجمود والركود، لكن نتيجة الظروف واشتدادها سكنياً، باتت بعض المناطق أفضل من غيرها بعدما شهدت العقارات والإيجارات نشاطاً منقطع النظير، وصار الطلب على العقار لجهة الإيجار أكثر مما هو متوفر ومعروض ليصل في كثير من الأحيان لعدم وجود شقة للإيجار، فالطلب أكثر من المعروض؛ وهو ما جعل بعض الأحياء تتحرك عقارياً بعد سبات عميق عاشته طوال العامين الماضيين. كما أن كثيراً من المواطنين – خاصة أولئك الميسورين مادياً – أقبلوا على الشراء في مرحلة معينة بغية جني أرباح هائلة بعد فترة من الزمن، في ظل معطيات سوق غارقٍ في الجمود والوهم، واللافت في ملاحظات بعض أصحاب المكاتب هو دخول المقامرين بسوق العقارات إلى الشراء في مناطق رسمت على المخططات التنظيمية حدائق ومدارس؛ لأنهم يملكون القدرة على تغيير تلك المخططات…!
وفي سياق متصل يبدو أن أسعار الأراضي لا تزال عصية عن أي تغيير لأسباب عزاها بعض المعنيين لتمسك أصحابها بها لمرحلة ما بعد الأزمة، حيث يحدوهم الأمل بتدفق العديد من الاستثمارات العقارية والاقتصادية، خاصة الأراضي المتاخمة لدمشق والقريبة منها، مع الإشارة هنا إلى أن كثيراً من المستثمرين يملكون مساحات شاسعة استحوذوا عليها بحجة إقامة منشآت صناعية وزراعية، لكنهم آثروا المضاربة بها وتحقيق أرباح طائلة انعكست بشكل أو بآخر على ارتفاع أسعار الوحدات السكنية والتجارية.
وتبدو إمكانية التدخّل الرسمي في القطاع ممأسسة، عبرالهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري ولاسيما أن القانون 15 الناظم لعملها ينص على تأمين السكن الاجتماعي لذوي الدخل المحدود.
ثمّ المؤسسة العامة للإسكان المعنية بتأمين السكن لمحدودي الدخل بشروط ميسرة
عاملان يتيحان تدخل الحكومة في هذه السوق؛ لأن اليد الخفية فيه يجب ألا تترك وحدها لأنها لا تسعى لصالح المجتمع، وهذا ما أثبتته التجربة، ويجب أن يكون هذا التدخل فعال وحقيقي بحيث يفعل الطلب وينشطه ويزيد من المعروض، وذلك من خلال التدخل المباشر وطرح مشاريع عقارية جديدة بغية ألا يبقى العرض محصوراً بيد التجار وأصحاب العقارات، وذلك عن طريق شركات مدعومة من قبلها ما يحقق المنافسة الشريفة ويضبط الأسعار، إضافة إلى فرض ضرائب متزايدة على ملاك العقارات خاصة غير المسكونة وفق نظام الشرائح، وهذه تعتبر وسيلة ضغط لتحريك السوق، إلى جانب تفعيل التمويل السكني بحيث يتناسب مع تركيبة وخصوصية طبقات المجتمع السوري.
الثورة