خاص B2B-SY
الكاتب: ثامر قرقوط
ما يقوم به وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك طلال البرازي لايختلف جوهرياً عما نفذه ستة وزراء سابقون تسلموا حقيبة المستهلك منذ 2011، ولم يدافعوا عن هذا المستهلك، ولم يمثلوا مصالحه بشكل حقيقي.
انتقل البرازي من حمص كمحافظ إلى إدارة أصعب الملفات المتعلقة بمعيشة الناس، وخلال الفترة المنصرمة تمثل عمله بمحاورة التجار ببيتهم العريق غرفة تجارة دمشق، قبل أن يذهب وفد منهم لتقديم التهنئة له، كما نقل عدداً من مراقبي حماية المستهلك إلى مؤسسات أخرى، وأعاد تدوير بعض المناصب، بطريقة نقل الطرابيش من رأس مدير حالي لفرع السورية للتجارة بريف دمشق ( علي صيوح) إلى مدير سابق لحماية المستهلك (باسل الطحان)، إضافة إلى جولات ميدانية، وكبسات ليلية، على الأسواق. هذه ليست منجزات، ولا تبشر بثمار يمكن قطفها لاحقاً، لأن هكذا إجراءات استخدمت سابقاً، بل وأقسى منها بإحالة المخالفين إلى القضاء العسكري، ولم تنضبط الأسواق على المارش الحكومي، وظلت الأسعار في اتجاه جنوني صاعد، وزاد الاحتكار.
وبهذا الشكل، قد يتوقف (تسونامي) البرازي خلال الفترة القادمة، بعد أن يكون أنجز ما يجب على وزير إنجازه في الفترة العصيبة الأولى لتسلمه ملفاً شائكاً ومعقداً كحماية المستهلك والتجارة الداخلية. وسينضم الوزير كما بقية زملائه الأخرين بإدارة شؤون وزارته الاعتيادي. وثمة حقائق، تكبل وزارة التجارة الداخلية، ولاتبشر بحل معضلة الأسعار لمصلحة المستهلك أولاً، ومنها: إن السورية للتجارة لاتغطي سوى 3% من حاجة السوق وفقا للبرازي، ما يعني أن التدخل الايجابي في أدنى مستوياته. بلغ الرقم القياسي لأسعار المستهلك خلال شهر آب الماضي 880.23% ( وهو آخر احصائية رسمية منشورة) مقارنة ب 146.14% للفترة ذاتها 2011، وفقاً للمكتب المركزي للاحصاء. انخفضت قيمة الأجور وقدرتها الشرائية بالنظر إلى فقدان الليرة أكثر من 90% من قيمتها مقارنة بالعملات الأجنبية. والعنصر الأهم أن ما يفوق عن 85% من السوريين فقراء، غالبيتهم الساحقة يعيشون تحت خط الفقر.
لم تعد ذات قيمة أية دراسة تتناول مستوى الأسعار والعلاقة مع الدخول، فالهوة العميقة بينهما دون أي إجراء مناسب لردمها، يجعل هذه الدراسات ترفاً، وهو هدف حكومي بحت، وخطة ممنهجة تدفع إلى اليأس من تدخل حقيقي يعيد التوازن لمعادلة ربط الأجور بالأسعار. القضية تتعلق بجوهرها، بدخول منخفضة جداً، وأية معالجة لا تستهدف الدخول لن تنفع، ومن يتهم مُنتِّج الفجل أو بائع البقدونس بأنه يُسعِّر مادته على سعر السوق الرائج، فهو لا ينظر إلى الشق الأساسي بموضوع التسعير بأن السوق تصحح نفسها تلقائياً، شاء من شاء وأبى من أبى، وأن القرارات الادارية عبر العقود الماضية شوّهت الأسعار وجودة المنتج معاً، وخلقت حلقات فساد مخيفة. فمن حق بائع البقدونس، بيع منتجه بسعر السوق، لأنه يشتري احتياجاته من الأسواق بالسعر الرائج.
لم تحظ الأسعار بمعالجة حقيقية، استخدمت الحكومات صلاحياتها ورفعت "العصا الغليظة" أحيانا في وجه التجار، لكن ذلك التسونامي لايدوم، يؤدي إلى تهدئة الأسواق وأسعارها الجامحة بشكل مؤقت، ومن ثم تعود إلى حالتها الاعتيادية. يمكن للحكومة أن تكون صادقة مع مواطنيها، وتعالج قضية أجورهم المنخفضة، وتتدخل بالأسواق عبر مؤسساتها بشكل فاعل، وبدلاً من تمويل مستوردات يذهب ريعها لقلة من التجار الذين لايتجاوز عددهم أصابع اليدين، فلتستورد هي وتبيع بهامش ربح معقول ومجز في مؤسساتها، وبذلك تدفع من يتاجر بلقمة عيش الناس إلى التخلي عن فساده، وبدلاً من أن تحدثنا عن الضبوط التموينية التي تطال صغار تجار المفرق، تخبرنا عن أرباح لمؤسسات الدولة. وهذا الإجراء لن يكون تسونامي إطلاقاً، بل عملية اقتصادية حقيقية.