عندما تشاهد مركبك يبدأ بالغرق وأنت في عرض المحيط، فإن أول ما يجول بذهنك هو تخفيف الحمل ورمي الكماليات الموجودة على متنه، خصوصاً تلك التي بإمكانك المتابعة دونها، فالظرف الجديد الذي اعترضك ستقوده غريزتك للتنفيذ مجبراً بسبيل البقاء.
وإذا ما أشرنا بأسى إلى واقع الحال.. يمكننا القول إن هذه المقدمة معبّرة حرفياً عما يحصل في سورية مع زحف فلسفة الاستغناء على ضروريات المعيشة، حيث تبدلت عادة شراء السوريين لمقتنياتهم بشكل مبالع ووصل بهم الحال ليبادروا بشراء البقوليات والخضر والفواكه بالقطعة والغرامات حسب حاجتهم لطبختهم اليومية بدلاً من شرائها بالكيلو غرامات مع غياب اللحوم والفروج والفواكه عن موائدهم إلا فيما ندر.
غذاؤنا أعلى من السعر العالمي!
ورغم تراجع أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم إلا أنها على العكس ترتفع في سوريا؛ فحسب التقرير الشهري عن الأسعار العالمية الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» عن شهر فبراير /شباط، 2022م، فإن هناك تراجعات كثيرة في أسعار العديد من السلع، حيث بلغ انخفاضها بشكل عام بنسبة 19% من المستوى القياسي الذي سجله في مارس/ آذار الماضي في أعقاب اندلاع الحرب في أوكرانيا.
المنظمة ذكرت أن مؤشرها، الذي يرصد أسعار السلع الغذائية الأولية الأكثر تداولا على مستوى العالم، بلغ 129.8 نقطة في المتوسط الشهر الماضي انخفاضا من 130.6 في يناير الماضي. وهذه هي أقل قراءة للمؤشر منذ سبتمبر أيلول 2021.
إذاً... بما أن الأسعار تسجل تراجعها عالميا فلماذا تتكبر عن انخفاضها محليا...!! هذا الوضع المقلوب دفعنا إلى البحث عن أسبابه، حيث أرجع عضو غرفة تجارة طرطوس عاصم أحمد سبب الأزمة إلى السماح بتصدير مختلف الخضروات والفواكه إلى الخارج رغم احتياجها محليا، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعارها.
واعتبر أحمد في تصريح لـ "بزنس 2 بزنس" أن السوق المحلية لا تستجيب بشكل فعال لتطورات الأسعار في الأسواق العالمية إلا في حال صعود الأسعار، مشيراً إلى أن التجار يجيدون استغلال المستهلك في حال ارتفعت الاسعار العالمية، إلا أنه حين تنخفض الأسعار فإنهم لا يهتمون بالأمر وكأنه لا يعنيهم.
وبيّن أحمد أنه من أهم أسباب ارتفاع الاسعار هو ضياع البوصلة الاقتصادية، مضيفاً أن السياسات والقرارات الحكومية التي يتم اتخاذها لمعالجة الوضع الاقتصادي موزعة بين الارتجال والتسرع أو التأخر والتباطؤ، لأسباب -لا يعلمها الا الله- وكأنه هناك تحالف موضوعي بين قانون قيصر وهذه الإجراءات" بحسب تعبيره.
ونوّه أحمد إلى أن ما يحقق الانخفاض في السوق المحلي هو المنافسة -المنافسة فقط – وأشار إلى أهمية إلغاء قرار المصرف المركزي 1070 – 1071 المتعلق بتمويل مستوردات القطاعين الخاص والمشترك ودورهما السيء في وقف دوران العجلة الاقتصادية وشلل للاقتصاد.
البوصلة الاقتصادية مفقودة
وبحسب عضو غرفة تجارة طرطوس فإن الاقتصاد السوري يعاني من فقدان الهوية حيث "لم يعد معروف إن كان اقتصاد اجتماعي أم رأسمالي أم اشتراكي".
وفي مطلع الشهر شباط الفائت، قال بيان لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إن 70% من السوريين ربما لا يتمكنون في المدى المنظور من توفير الطعام لعائلاتهم.
وأكد البيان أن هناك 12 مليون سوري لا يعرفون من أين ستأتيهم الوجبة التالية من الغذاء، وأن هناك 2.9 مليون آخرون معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع.
وتعيش سوريا موجة من الغلاء وسط فوضى تداعيات الزلزال وازدياد الطلب على مختلف السلع الغذائية لإغاثة المنكوبين في مناطق متفرقة من سوريا، وتزامنا مع أسوأ واقع معيشي يواجهه السوريون منذ اندلاع الأزمة قبل نحو 11 عاما.
وتراوحت نسبة ارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية من 20 إلى 40%، في حين ارتفعت أسعار بعض السلع إلى 80 و100% في ضوء ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة؛ ليسجل سعر صرف الدولار 7350 ليرة (بتاريخ 5 مارس/آذار الجاري).