لم تتغير مؤشرات القطاعات الاقتصادية قبل عيد الفطر، عما قبله، فهي في انحدار متواصل، وتصل إلى حدّ المأساة في القطاع السياحي، في ظل غياب السيّاح العرب من دول الخليج، نتيجة قرار هذه الدول التحذيري لرعاياها من المجيء إلى لبنان، وفي ظل إحجام بعض العائلات اللبنانية الموجودة في الدول الخليجية من الاقدام على الاصطياف في بلدهم، وبقائهم في حال تردد وترقب للأوضاع اللبنانية السياسية والأمنية، وفي ظل احجام رعايا الدول الأجنبية عن السياحة في لبنان بسبب الأوضاع الأمنية المتنقلة بين منطقة وأخرى.
هذا الوضع أرخى بثقله على القطاع السياحي الذي شهد عصرا ذهبيا في العام 2010، بات نقطة مقارنة بين القيمين على القطاع السياحي، في تلك الفترة، وما يشهده القطاع من جمود يكاد يصل إلى ما يسمى «الموت البطيء» في الوقت الراهن.
ويصف القيّمون على القطاع السياحي، في مقدمهم رئيس «نقابة أصحاب الفنادق» بيار الأشقر، الوضع بـ«السيئ، نظرا لغياب السيّاح العرب، خصوصا الخليجيين، موضحا لـ«السفير» أن «الحجوزات قبل عيد الفطر تقتصر على السوريين والعراقيين واللبنانيين العاملين في الخليج، ما أدى إلى تراجع الإشغال في فنادق بيروت، إلى 36 في المئة وفي الجبل بين 12 و 20 في المئة».
أما رئيس «نقابة المؤسسات السياحية البحرية» جان بيروتي، فيشير إلى «انخفاض أعداد الإيرانيين إلى نسبة 80 في المئة، نظرا لوضع البلد ووضع اقتصادهم بالتحديد، والسعوديين ما بين 60 إلى 70 في المئة، وأردنيين بنسبة 40 في المئة».
في هذا السياق تشير التقارير إلى تراجع معدل اشغال الفنادق في بيروت من 10 في المئة في شهر حزيران الماضي إلى 53 في المئة مقارنة مع 63 في المئة في الفترة نفسها من العام الماضي.
ووفق تقرير «س.ت.ر غلوبال» الأخير، سجلت العاصمة بيروت المعدل الأدني في اشغال الفنادق على صعيد منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في شهر حزيران الماضي. بينما، ووفق التقرير، ارتفعت نسبة إشغال فنادق الإمارات العربية المتحدة 8 في المئة إلى 72.7 في المئة في الفترة نفسها.
ولحظ التقرير الذي أعيد نشره في «التقرير الاقتصادي الأسبوعي لبنك الاعتماد اللبناني»، أن معدل التعرفة اليوميّة لكلّ غرفة (ADR) انخفض 18.4 في المئة على صعيد سنوي إلى 162.54 دولارا، مع انكماش في الإيرادات اليوميّة عن كل غرفة متوفرة (RevPAR) بلغ 20.4 في المئة إلى 88.80 دولارا.
وفي هذا الإطار أيضاً، يلحظ التقرير أن «بيروت سجلت أعلى نسبة تراجعٍ في المنطقة لجهة المعايير المذكورة أعلاه خلال حزيران 2013»، مؤكدا أن «الاضطرابات القائمة حاليّاً في سوريا لا تزال تؤثّر سلباً على قطاع الفنادق والاستجمام في لبنان».
في المقابل، ذكر التقرير أن «منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا حققت ارتفاعا سنويّاً في معدّل إشغال الفنادق بلغت نسبته 5.9 في المئة خلال حزيران 2013 إلى 61.8 في المئة، في حين سجّلت المنطقة زيادة في معدّل التعرفة اليوميّة بنسبة 4.0 في المئة إلى 141.21 دولارا لكلّ غرفة، وتطوراً في مستوى الإيرادات اليوميّة المحقّقة عن كلّ غرفة متوفرة بنسبة 10.1 في المئة إلى 87.21 دولارا».
يؤكد الأشقر وفقا لصحيفة " السفير " اللبنانية أن «الوضع في القطاع السياحي من سيئ إلى أسوأ، وهو الآن يحافظ على وضعه العاطل»، ويوضح أن «الحجوزات التي لا تغني ولا تسمن، لا تتعدى 3 أو 5 أيام خلال مناسبة عيد الفطر. ومعظم هذه الحجوزات من سوريا، العراق ولبنانيين يقيمون في الخليج، يفضلون اقامتهم في الفنادق على فتح بيوتهم لهذه الفترة القصيرة»، ويلحظ في هذا السياق أن العرب سابقا «كانوا يأتون مع عائلاتهم، وتمتد إقامتهم ما بين 8 و12 يوما، ما يعني أن الإقامة القصيرة للبنانيين المغتربين في الخليج لا تعوّض إقامة العائلات من مختلف الأقطار العربية وغيرها».
وعن التخفيضات التي تقدمها الفنادق، يؤكد الأشقر أن «أسعار اليوم هي أقل بـ50 في المئة عن أسعار 2009 و2010»، لافتا الانتباه إلى أن «مداخيل أول ستة أشهر من العام الحالي تراجعت إلى 36 في المئة عن العام 2012، وهي أقل بنسبة 54 في المئة عن 2012. وقد بتنا نشهد اقفالا جزئياً في بعض مرافق القطاع».
هذا في بيروت، أما في الجبل، «فالوضع مختلف تماما»، وفق الأشقر، مشيراً إلى أن «الحركة شبه معدومة، حيث قسم كبير من الفنادق لم يفتح أبوابه».
وبعدما يكشف أن «حجوزات بيروت حالياً، تقتصر على حوالي 36 في المئة، وفي الجبل تتراوح بين 12 و18 في المئة»، يشير إلى أن «الحجوزات كانت في الفترة نفسها في السنوات السابقة، تتعدى 50 و60 في المئة».وإذ يصف الأشقر «بعض أصحاب الفنادق بالشهداء»، يشير إلى «أمرين أساسيين: الأول يتمثل بتحمل بعض الفنادق الكبيرة بعض الخسائر، بعدما انتشرت في بعض الدول العربية، وافتتحت لها فروعا في الخارج، وإذا كان رأسمال الفندق الكبير ما يوازي الـ800 مليون دولار، فلن يقف عند خسارة 40 أو 50 مليون دولار في موسم ما».
على الرغم من التخفيضات والعروضات التي تقدمها المؤسسات السياحية البحرية، ومحاولات عروض بيع محافظها من أجل تأمين رواتب مستخدميها، أو من تبقى لديها من المستخدمين، وفواتير الكهرباء، يؤكد بيروتي لـ«السفير» أن» لبنان لم يشهد أسوأ من الحالة التي تمر بها هذه المؤسسات، حتى إبان الحرب الأهلية وما بعد حرب تموز وخلال أعوام ما قبل 2010»، مشيرا إلى أن «الحسومات التي تقدمها المؤسسات، تصل في معظم الأحيان إلى 50 في المئة وما فوق».
لم ير بيروتي فائدة من الحملات السياحية، معتبراً أن «ما يجري على هذا الصعيد هدر للمال، لأننا مرتبطون بالوضع السياسي الإقليمي والمحلي المدمر. ولم تعد الدعايات تجدي نفعا. وما يقال عن استخراج النفط في العام 2020 لا يمكن الركون إليه، لان الأهم راهنا، أن يبقى البلد لكي تحيا وتعيش مؤسساته في جو آمن ومستقر»، معتبرا أنه «نتيجة المناكفات السياسية والاهتزازات الأمنية، ندمر بلدنا بأيدينا، ففي العام 2010 كانت حصيلة ما دخل البلد عشرة مليارات دولار جراء الازدهار الذي شهده القطاع السياحي». ويرى أن إعادة الوضع إلى سابق عهده من الازدهار «يحتاج إلى كسر الجدار السياسي، وابتداع الحلول ولبننة الأزمة اللبنانية». وقبل أيام قليلة من حلول عيد الفطر، يشير بيروتي إلى أن «ظروف البلد المناخية والسياسية والأمنية غير مؤاتية للسيّاح العرب أو اللبنانيين ممن يتواجدون في الخليج للمجيء إلى لبنان، وهم في حال ترقب».
يلفت بيروتي الانتباه إلى أن «تراجع القطاع سجل أكثر من 60 في المئة عن العام 2012، على الرغم من سوء موسم 2012، لكن لا يمكن المقارنة بين عامي 2009 و2010 ، فإذا أجرينا مقارنة تكون النتيجة كارثية، من خلال مقارنة الذين يأتون إلى لبنان، وجلهم من الخدم وقوات الأمم المتحدة العاملة في الجنوب. ويتضح التراجع من انخفاض أعداد الإيرانيين إلى نسبة 80 في المئة، نظرا لوضع البلد ووضع اقتصادهم بالتحديد، والسعوديين ما بين 60 إلى 70 في المئة، وأردنيين بنسبة 40 في المئة». في هذه الحالة يقول بيروتي: «إن الأوروبيين لولا بعثاتهم الديبلوماسية لا نرى أحدا منهم نتيجة وضع المنطقة والوضع في لبنان».