عام 1964 حاز على الإجازة الجامعية في التجارة والاقتصاد من جامعة حلب بتقديرٍ جيد، وقبل ذلك بثلاث سنوات كان غسان القلاع يزخرُ بقسطٍ وافرٍ من الذكاء ووضوح الرؤية قاداهُ لأن يدخل الحياة العملية باكراً قاصداً في البداية محلَّ والده في سوق الحميدية عند كل عطلةٍ صيفية، ثم مديراً لتركة والده. بعد ذلك أسس عدداً من المصانع والأنشطةً التجارية بصورةٍ منفردة، أو بشراكةٍ مع الآخرين في مجالاتِ حياكةِ الأقمشة وصناعة الألبسة الداخلية والنسائية وفي صباغة وتحضير الأقمشة. أيضاً فقد أفضى باعه الصناعي لأن يؤسس معملاً للأدوات المعدنية اللازمة للصناعة. ثم أصبح عضواً في غرفة تجارة دمشق منذ العام 1973. ليرتقي لاحقاً هرم إدارة الغرفة فشغل منصب عضو مجلس إدارة وخازن عام 1977، ومن ثم نائباً لرئيس مجلس الإدارة لدورتين متتاليتين بدأت الأولى عام 2001 وانتهت الثانية عام 2008 ليصير غسان القلاع رئيساً لمجلس إدارة غرفة تجارة دمشق ورئيساً لإتحاد غرف التجارة السورية منذ العام 2009 ومؤخراً رئيساً لمجلس إدارة سوق دمشق للأوراق المالية. بالإضافة إلى عضويته في غرفة التجارة العربية الايطالية وفي جمعية العلوم الاقتصادية ونائباً لرئيسها منذ عام 2007. "المصارف والتأمين" حرصت أن تقرأ معه التفاصيل الاقتصادية الأكثر إلحاحاً منذ عامين في حديثٍ لم يبرح مساحة الاختزال اللازمة لتثبيت كل جواب. فلا يستعين غسان القلاع كما ألفناه بأي استطراداتٍ تزيد من مشٌقة تتبع الفكرة.
غياب فريق العمل المتجانس
خطر لنا أن نبدأ حوارنا بتشخيص العمل الحكومي مند عامين على مستوى المؤشرات العامة للأداء الاقتصادي. فسألنا غسان القلاع رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق ورئيس مجلس إدارة اتحاد غرف التجارة السورية عن تقيمه لهذا الأداء، وما إن تباين بين حكومةٍ وأخرى؟! وهل واكب المتغيرات الاقتصادية؟! أم بقي خلفها؟! ثم هل يمكن اعتبار أن المعالجات الحكومية قد ارتقت إلى مستوى معالجة الأزمة؟! أم أنها بقيت مجرد إجراءاتٍ وقراراتٍ وقتيّة لا تتصف بالعمق الاستراتيجي للحل. لكنه فضل هنا عدم الخوض في معادلة تقييم الأشخاص ثم قال: "كنت أتمنى أن يكون ثمة فريقُ عمل متجانس يعالج القضايا المالية والاقتصادية والنقدية بما يتفق والمتغيرات اليومية التي نعيشها، وبالتالي أن يتخذ إجراءاتٍ وقراراتٍ تتصف بالعمق الاستراتيجي من جهة، ومن جهة أخرى أن تعالج الأحداث اليومية كما يلزم".
لم يتحقق المنشود
انخفض الإنتاج السلعي الحقيقي في سورية منذ عامين، وتوقف قطاع السياحة. كما عانى قطاع الزراعة من ضربةٍ قاسية خاصةً أن القسم الأكبر من الحيازات الزراعية تقع في المناطق الساخنة، ثم أن قطاع المال والخدمات بدوره تضرر على نحوٍ بالغ، وجزءٌ من الاستثمارات في سورية بات خارج معادلات الإنتاج. هنا توقفنا مع غسان القلاع لمعرفة كيفية متابعته لأداء الإدارات الحكومية المتعاقبة لهذا المشهد المقلق. فأجاب: "إن ما يجري على الأرض السورية منذ عامين انعكس سلباً على كل القطاعات الاقتصادية السياحة والزراعة والصناعة والتجارة، وهذا الانعكاس رافقه توقفُ جزءٍ ملموس من نشاط تلك القطاعات. كما عملت الحكومات المتعاقبة جاهدةً لتلافي الإشكالات التي حصلت، ولكن لم يتحقق المنشود بسبب الظروف القائمة".
انخفاض حجم الطلب
كذلك فقد انخفضت القيمة الشرائية لليرة السورية أمام سعرٍ تضخميٍّ للصرف لا يعكس قيمتها الحقيقية. ذلك بالتوازي مع بقاء المستوى العام للدخول كما هو، ولم يحدث أي كساد. كيف يقرأ غسان قلاع تلك المؤشرات على مستوى حركة السوق بشقيه التجاري والاستهلاكي. أولاً يقول :"من الطبيعي أن ينخفض الإنتاج السلعي جرّاء الظروف المشهودة منذ عامين وبالتالي من الطبيعي أن ترتفع التكاليف. لكن مع ذلك بقي حجم العرض من السلع المنتجة محلياً وكذلك المستوردة متوفراً". ثم يضيف: "لكن حجم الطلب انخفض بانخفاض القدرة الشرائية حسب متوسط دخل الفرد في سورية وبات الحصول على الضروريات والأساسيات هو الأولوية القصوى على باقي السلع لا سيما الكمالية منها".
أسباب أخرى لارتفاع الأسعار
سألنا رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق لماذا يتم تحميل حلقات التجارة دوماً ارتفاع الأسعار وتحريكها إلى مستويات تضخمية بغية توسيع هامش الربح التجاري؟! لكن بموازاة ذلك يتم تحييد مؤشرات أخرى تلعب دوراً في تحديد السعر السوقي للبضائع مثل ارتفاع سعر الصرف والعقوبات الاقتصادية ودورها في تعقيد إجراءات الاستيراد ورفع كلفته. فقال: "منذ فترةٍ زمنيةٍ طويلة يحتاج الجميع بمن فيهم الصحافة إلى متهمٍ دائم يحمّلونه تبعات ارتفاع الأسعار دون الأخذ بعين الاعتبار المؤشرات والمتغيرات الأخرى. بدءً من العقوبات الاقتصادية بكل أنواعها ومروراً بإجراءات المصرف المركزي غير المستقرة وعقبات الاستيراد التي تنعكس تالياً على التكاليف".
المستوردات لم تتبدل
ربما من الجائز لنا أن نسأل ما إن كانت مكونات الاستيراد والتصدير قد تبدلت في سورية على مستوى نوعية البضائع والدول منذ عامين؟! وكيف أثّر ذلك على السوق السورية لجهة الاستهلاك والأسعار، وهنا يجيب القلاع: "لم يحصل تبدلٌ ملموس على مستوى نوعية البضائع المستوردة، ومازالت الأنواع والأصناف والعلامات التجارية المعروفة مطروحةً بالأسواق وبأسعارٍ تتفق مع تبدلات سعر الصرف وحجم التكاليف".
فريق عمل متخصص
كذلك لنا أن نسأل غسان القلاع رئيس مجلس إدارة اتحاد غرف التجارة السورية عن رصده أي دورٍ حكومي فاعل في فتح أسواق جديدة للصادرات السورية أو في تسهيل إجراءات الاستيراد؟! ومن ثم تقيمه للمقترحات الحكومية المتعاقبة في مسألة تمويل المستوردات منذ بداية الأزمة. بدايةً يقول: "المتتبع للعمل الحكومي لا ينكر أن الحكومة قامت باتصالات وعقد اتفاقيات مع الدول التي تربطنا معها صداقاتٍ ملحوظة، ونحن بدورنا قمنا بالمشاركة بأكثر من معرض في تلك الدول" ثم يعقّب: "أما تقييم المقترحات الحكومية المتعاقبة في مسألة تمويل المستوردات منذ بداية الأزمة وحتى الآن فمن الممكن أن يتابع هذا الموضوع فريق عمل متخصص عالي المستوى يقترح الأسس المناسبة ومن ثمَّ تتبناها الحكومة".
غياب استقرار القرار
كيف تابع غسان القلاع أداء مصرف سورية المركزي وحاكمه ومجلس النقد والتسليف منذ عامين مع معادلة سعر الصرف، وإلى أي درجة يمكن تحميل إدارة المصرف المركزي التشوّه الحاصل في سعر الصرف؟!، وكذلك نسأل هنا عن دور تلك الإدارة في المحافظة على قيمة الليرة السورية. يجيبنا القلاع: "يفترض أن يكون مجلس النقد والتسليف هو صاحب الصلاحية في معالجة قضايا المصرف المركزي، وهذا المجلس برئاسة الحاكم يملك القرار في هذا الاتجاه. لكنني لم أجد استقراراً في قرار واضح النص سهل في التطبيق وتلمس نتائجه يومياً على سعر القطع".
ضد تعويم سعر الصرف
هل يعتقد غسان القلاع أننا ذاهبون حتماً باتجاه تعويم سعر الصرف وجعله خاضعاً لقوى السوق في ظل تراخي الدور المفصلي لمصرف سورية المركزي؟! وما تأثير حدوث ذلك على قيمة الليرة، وعلى مجمل العملية الاقتصادية؟! إجابته تأتي دقيقة حين يقول: "لا يجوز أن نذهب باتجاه تعويم سعر الصرف وجعله خاضعاً لقوى السوق، وأنا ذكرت في أن أحداً لم يقدّم أي تحليل وتعليل وتبرير للمواطن حول تبدلات سعر الصرف من 45 ليرة سورية عند بداية الأزمة وصولاً إلى 145 ليرة سورية بتاريخ الإجابة عن هذه الأسئلة. كما لا يجوز أن يترك ذلك لتحليلات غير مسؤولة. بل هي مهمة الجهة الرسمية الوحيدة صاحبة الصلاحية أي المصرف المركزي وأجهزته".
سلم أولويات لتمويل المستوردات
"ترشيد الاستيراد بغية ترشيد استهلاك القطع الأجنبي" أحد العناوين الحكومية المقترحة خلال الأزمة، هل يتفق القلاع مع هذا العنوان، وهل يعتقد فعلاً أن مغالاةً حدثت في الاستيراد؟! والى أي مدى استنزف القطع الأجنبي؟! أم ثمة أقنية أخرى قد استنزفته؟! وهنا يقول: "نعم أنا اتفق مع ذلك، واقترحت وأنا عند قولي حول ضرورة وضع سلم أولويات لتمويل المستوردات بدءً من المواد الأولوية للمصانع ومعامل الأدوية ومستلزمات الإنتاج والمواد الغذائية، وصرف النظر مؤقتاً عن الكماليات وأنا أقول وبإصرار أننا لا نريد استعمالاً جائراً للاحتياطي القطع الأجنبي في المصرف المركزي، ولا يجب أن يغيب عن بالنا أن تدفقات القطع الأجنبي لم تعد كما كانت قبل بدء الأزمة".
الذعر بين المدخرين
سألنا غسان القلاع أيضاً عن متابعته حركة الكتلة النقدية في سورية خلال العامين الماضيين بين أقنية الادخار المصرفية أو الاكتناز أو تحويلها إلى قيمٍ أخرى كالذهب أو في استبدالها بالقطع الأجنبي، وأثر هذه الحركة على قيمة الليرة وعلى المستوى العام للأسعار. فأجاب: "لو صدر كما ذكرنا تحليلٌ وتعليلٌ واضحٌ وضامنٌ حول تبدلات سعر الصرف لما حدث هذا الذعر بين المدخرين غير المتعاملين في عملية الإنتاج والاستيراد والتصدير. هؤلاء المدخرين الذين انصرفوا لاستبدال مدخراتهم بالقطع الأجنبي أو بالمعادن الثمينة، ولكن كثيرٌ من المصارف تصرّح أن حجم الإيداعات لديها بالليرة السورية جيدة خاصةً الإيداعات لأجل بسبب الفوائد المجزية".
رأس المال العامل في السوق السورية
تقول بعض الأرقام عن خروج رؤوس أموال سورية ربما بقيمة 20 مليار دولار منذ عامين. هل شكل خروج جزء من رأس المال السوري سواء كان سيولةً نقدية أم استثمارات عاملاً مقلقاً بالنسبة لرئاسة مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق وبالتالي اتحاد غرف التجارة السورية؟! وهنا يرّد القلاع: "لا أعرف من أين جاء هذا الرقم الذي أحصى خروج رؤوس الأموال السورية لأن الموضوع يحتاج إلى تحويل عن طريق أقنية نظامية تضبط حجم التحويلات، ولكن تعدد أساليب التحويل لا يمكن أن يعطي إلا مجرد تكهنات حول قيمة الرقم هذا من جهة، ومن جهة أخرى لاشك أن توقف بعض المشاريع والأنشطة الاقتصادية انعكس على حجم رأس المال العامل في السوق السورية".
مكانة المنتج المحلي
كذلك سألناه عن كيفية دخول المنتج السوري المحلي في المعادلة الجديدة للسوق منذ عامين؟! وهل استفاد المنتج المحلي حقاً من تبدل معادلة الاستيراد، ومن العقوبات الاقتصادية المفروضة؟! وكيف يقيّم غسان القلاع حجم المنتج المحلي في تركيب سلة الاستهلاك للمواطن السوري مقارنةً بالمنتجات المستوردة على صعيد السلع الأساسية والكمالية أيضاً. فقال: "المنتج السوري المحلي تعامل مع الحالة الاقتصادية حسب درجة اعتماده على المواد الأولية اللازمة، وعلى المناخ المناسب في مكان الإنتاج، وعلى توزّع الإنتاج بين السوق المحلي أو الأسواق الخارجية. لكن المنتج المحلي يشكل نسبة ملموسة في سلة الاستهلاك للمواطن السوري سواء كان من السلع الاستهلاكية أو الكمالية".
رفع الدعم بشرط زيادة الدخل
تشير بعض التصريحات الحكومية إلى إمكانية رفع الدعم كلياً عن أسعار المحروقات وإيجاد آلية مناسبة تعيد الدعم إلى مستحقيه. لكن كيف سيحرك هذا التحرير مجدداً المستوى العام للأسعار ويرفعها؟! وهل ستدفع الفئات المدعومة كلفة الدعم مجدداً مع المشهد الجديد لارتفاع الأسعار، وهنا يضع غسان القلاع كل ذلك في جعبة واحدة، ويقول: "أنا أتساءل هل يمكن رفع الدعم كلياً عن أسعار المحروقات وغيرها من السلع المدعومة دون تحقيق زيادة على متوسط دخل الفرد السوري، ومع ذلك فقد تم رفع أسعار المحروقات من فيول ومازوت وبنزين أكثر من مرة ووصلت إلى مستويات عالية رغم أنها مازالت مدعومة. غير أنها لا تنسجم مع قدرة المواطن السوري على شرائها أو استعمالها. كما انعكس ارتفاع سعر الفيول والمازوت على معظم المنتجات النسيجية والغذائية وغيرها من المنتجات التي تعتمد بصورة أساسية على المحروقات في عملية الإنتاج، وليس هناك من أسلوب نموذجي رغم كل الاجتهادات لإيصال الدعم إلى مستحقيه لأننا لا نملك تعريفاً وتحليلاً دقيقاً لهؤلاء المستحقين وهل هم اللذين يتقاضون رواتباً من خزينة الدولة. أم هم الفلاحون العاملون في حقولهم. أم هم باقي فئات المواطنين. هذا أمر ليس باليسير تحديده، والأفضل عكس حجم هذا الدعم على أسعار السلع ليستفيد منها كل المواطنين".
زيادة حجم الطلب على الأسهم
سألنا غسان القلاع أيضاً وهو رئيس مجلس إدارة سوق دمشق للأوراق المالية عن توجهات إدارة السوق في التعامل مع الظرف الاستثنائي منذ عامين، وهل قرأ أي تبدل على المؤشرات العامة للسوق حال المقارنة بين العام 2011 و2012 مع الأشهر المنصرمة من العام الحالي فيما يخص وسطي القيمة السوقية للأسهم وإجمالي حركة التداول. فقال: "يقوم على إدارة سوق دمشق للأوراق المالية مجلس إدارة محدد الأعضاء بموجب النظام الداخلي، وأنا توليت رئاسة هذا المجلس مطلع العام الحالي، والمتتبع لأخبار السوق يجد أن تطوراً في حجم العمل قد حدث، وزاد حجم الطلب على الأسهم وتم تغطية الكثير من الخسائر التي حصلت سابقاً بسبب الأزمة".
عاتب على عدم تمثيلنا
أخيراً يحدثنا غسان القلاع عن الدور الذي لعبته غرفة تجارة دمشق واتحاد غرف التجارة السورية باعتبارهما شريكين غير حكوميين في اتخاذ القرار طيلة العامين الماضيين، وما إن كانت أن الغرفة شريكاً حقيقياً في اتخاذ القرار؟! أم أن دورها كان هامشياً؟! فيقول: "إن غرفة تجارة دمشق وبالتالي اتحاد غرف التجارة السورية لم يقصران عن بذل أي جهد تم تكليفهما به. هذا فضلاً عن المبادرات الذاتية التي تقدما بها على شكل مذكرات وكذلك في حضور الاجتماعات والمشاركة في الوصول إلى قرار مناسب. كما أننا نشارك في الكثير من اللجان الحكومية الاقتصادية والمالية والعمل والشؤون الاجتماعية والصناعة غير أني عاتب وبشدة على عدم تمثيلنا في اللجنة الاقتصادية وفي مجلس النقد والتسليف مع أننا طالبنا مراراً بذلك. كما أنني أنا وأعضاء مجلس الإدارة على اتصالٍ دائم بكل الأسواق لمتابعة حركة الاستيراد وتوفر المواد وتطورات أسعارها بمتابعة يومية".
نقلا عن مجلة " المصارف والتأمين "