ما هو اتجاه التطورات الحاصلة على التجارة الخارجية في ظل الأزمة الحالية، وما هي التحولات الجارية باتجاه تحرير الاقتصاد السوري وانفتاحه على الاقتصاد العالمي مع السعي نحو تحسين شروط الاندماج فيه.
أسئلة مهمة تفرض نفسها بقوة على جميع المعنيين بالشأنين الاقتصادي والتجاري، وفق ما أظهرته دراسة أعدتها هيئة تنمية وترويج الصادرات حللت من خلالها الوضع الراهن للتجارة الخارجية في سورية.
ربحية الاقتصاد المحلي
أثرت الأزمة في سورية تأثير كبيراً على التجارة الخارجية جراء تداعياتها على الاقتصاد المحلي، إذ تبين الدراسة أن ربحية الاقتصاد السوري كانت سلبية خلال فترة 2010-2014، ويفسر ذلك أن القيمة المضافة التي تحققها الصادرات السورية تنخفض مقارنة بالقيمة المضافة المستوردة، علماً أن مؤشر الربحية بانخفاض مستمر، ما يعني ضرورة اتخاذ تدابير كبيرة في مجال تطوير الاقتصاد والتجارة الخارجية لتصبح مصدر قوة على الصعيد الاقتصادي، كما أن هناك قبولاً نسبياً في الفترة الحالية لنتائج الربحية نظراً للأوضاع التي تمر بها سورية وما تسببت به من تراجع واضح على صعيد التجارة الخارجية لكن الفترة المقبلة تقتضي جهوداً تلائم طموحاتها.
الميزان التجاري
شهدت قيمة الصادرات السورية ارتفاعاً ملحوظاً عام 2010 حيث بلغت 8.8 مليارات ليرة بارتفاع نسبته 17.12% عن عام 2009، كما أثرت الأزمة في سورية والعقوبات الاقتصادية بوضوح عليها، ففي عام 2011 قاربت الصادرات السورية قيمة 7,94 مليارات دولار لكنها انخفضت عام 2012 بنسبة 37.6% لتصل قيمتها إلى حوالي 2,1 مليار دولار جراء العقوبات الاقتصادية، التي أثرت على تمويل التجارة الخارجية، والمتمثلة بتشدد المصارف بتقديم التمويل للتجارة الخارجية عبر اشتراط الضمانات المصرفية من المتعاملين لتمويل الصفقات التجارية وتقليص الفترات المتاحة لهذا التمويل وزيادة تكاليف تمويل التجارة، أما عام 2013 فقد تراجعت الصادرات السورية الإجمالية لتصل إلى 1.18 مليار ليرة بنسبة تراجع 42.9% عن عام 2012 بينما قدرت الصادرات السورية عام 2014 بحوالي 1.3 مليار ليرة بنمو طفيف بلغ 8% عن عام 2013، وهو أول نمو للصادرات السورية بعد دخول البلاد في أزمتها، إذ لعب تحسن المناخ الأمني في أماكن عديدة وعودة الإنتاج إلى بعض المدن والمناطق الصناعية دوراً في ذلك.
بالمقابل شهدت المستوردات ارتفاعاً ملحوظاً عام 2010 حيث بلغت قيمتها 17,73 مليار دولار بارتفاع نسبته 13.7% عن عام 2009، كما أظهرت الإحصاءات انخفاضاً في قيمة المستوردات عام 2011 بعد أن بلغت قيمتها 17.15 مليار دولار بنسبة انخفاض بلغت 3.2% عن عام 2010 لكن هذه النسبة تبقى قليلة مقارنة مع نسبة انخفاض الصادرات في نفس الفترة والتي بلغت 9,4% ويفسر ذلك بسعي القطاع الخاص إلى زيادة المخازين لمواجهة توقعات امتداد آثار الأزمة، وتالياً زيادة فجوة العجز في الميزان التجاري.
وفي عام 2012 تراجعت مستورداتنا كثيراً بنسبة انخفاض بلغت 56,3% عن عام 2011 بسبب العقوبات الاقتصادية وانخفاض الطلب المحلي خاصة على السلع نصف المصنعة والخام، كما استمر تراجع المستوردات عام 2013 لتصل إلى 5.86 مليارات دولار بنسبة انخفاض بلغت 21,9% عن عام 2012 واستمر التراجع في عام 2014 لتصل إلى 4.5 مليارات دولار لتراجع الطلب المحلي وسياسة ترشيد الاستيراد التي تنتهجها الحكومة خلال فترة الأزمة.
وحسب دراسة هيئة الصادرات تراجع الميزان التجاري السوري خلال فترة الدارسة الممتدة بين 2010-2014 علماً أن العجز لم ينجم عن تحسن في الصادرات وإنما في التراجع الكبير لحدي التبادل التجاري وتقلص التجارة الخارجية الكلية لسورية، وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي استقر العجز عند حدود متماثلة تقريباً في سنوات السلسلة لكنه شهد تحسناً عام 2014 نجم عن زيادة بسيطة في الصادرات مع استمرار التراجع على جانب المستوردات.
صادراتنا الزراعية الراجحة
تؤثر الصادرات الزراعية في الصادرات السلعية أكثر من الصناعية، ما يتطلب حسب دراسة هيئة الصادرات إعطاء أهمية أكبر لتطوير الصادرات الصناعية مع إيلاء القطاع الصناعي اهتماماً كبيراً لتطويره وتحقيق زيادة في إنتاجيته والانتقال من اقتصاد المواد الخام إلى اقتصاد صناعي يعتمد في تمويله على الصادرات الصناعية ذات القيمة المضافة.
في حين يدعو الارتباط القوي بين قطاع التجارة الخارجية والقطاع الزراعي إلى ضرورة تطوير الصناعات الزراعية بهدف تصنيع فائض المنتجات الزراعية مع ضرورة القيام بدراسة الأسواق الخارجية لتصريف المنتجات الزراعية لتصبح هذه المنتجات قادرة على المنافسة جودةً ونوعية وتكلفة، أما العلاقة بين قطاع التجارة الخارجية والقطاع الصناعي تفرض ضرورة زيادة نسبة الصادرات الصناعية والعمل على تغيير بنية الصادرات السورية وتنويعها عبر اتخاذ جملة قرارات لتطوير القاعدة الإنتاجية وتحديثها عبر نقل التكنولوجيا العالمية والاستفادة من خبراتها بهدف تسهيل إجراءات استيراد المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج وإزالة القيود المفروضة عليها بما يعزز القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية في الأسواق الداخلية والتصدير إلى الأسواق الخارجية كون ظاهرة نقص الإنتاج الصناعي تنعكس سلباً على التجارة الخارجية وتقلل من مقدار السلع المعدة للتصدير، وتالياً زيادة الطلب على الاستيراد من السلع الأجنبية.
أبرز الأسواق لصادراتنا
استحوذت الدول العربية على الحصة الأكبر من الصادرات السورية، إذ احتلت المرتبة الأولى خلال الفترة ما بين 2010-2014 وبلغت حصتها حوالي 69% عام 2011 وجاءت في المرتبة الثانية دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 9% بانخفاض بلغ 70% عن عام 2010 حسب دراسة هيئة تنمية وترويج الصادرات، التي أعادت السبب إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي عام 2012 وخاصة الصادرات النفطية، كما انخفضت حصة الدول الأوروبية من الصادرات المحلية انخفاضاً كبيراً عام 2012 لتصل إلى 2.75% بانخفاض بلغ 93%.
وفيما يخص الشركاء التجاريين الرئيسيين لسورية، فقد جاءت مصر في المرتبة الأولى عام 2013 بنسبة 26.1% من إجمالي الصادرات السورية بينما احتلت الأردن المرتبة الثانية بنسبة 22% ثم لبنان بنسبة 15.3% ورابعاً جاءت تركيا بنسبة 7.2% ثم إيطاليا بنسبة 3.1 %.
أسواق واعدة
بينت الدراسة وجود العديد من الفرص الواعدة في السوق العالمية لكن النتائج تبقى على المستوى الكلي وتحتاج إلى دراسة مفصلة حول مدى التوافق مع الشركاء المحتملين، ولعل من أهم الدول الفلبين وتايلاند وكزاخستان والنروج وجنوب أفريقيا وإيرلندا وباكستان والتشيك وفنزويلا ومصر وسلوفاكيا والنيجر والدانمارك والصين وإذريبجان وإيران وتونس وأندونيسا وفنلندا واستراليا وعمان وماليزيا وسويسرا وهنغاريا والسودان وتركيا والسويد وفرنسا والأردن والمغرب واسبانيا وقطر، إذ يشير التوافق التجاري إلى توافق الهيكل السلعي للصادرات السورية مع الهيكل السلعي لمستوردات عدد من الدول المقترحة المتمثلة بـ: الباكستان والأردن واسبانيا وتونس وإندويسيا وفنلندا والفلبين وجنوب أفريقيا وتايلاند وتركيا.
نتائج مستخلصة
توصلت هيئة تنمية وترويج الصادرات في ختام دراستها إلى جملة من النتائج تمثلت في:
•يعاني الميزان التجاري السوري من عجز طيلة الفترة المدروسة بسبب عدم قدرة الصادرات السلعية على تغطية المستوردات السلعية جراء الاختلال الهيكلي الذي يعاني منه الاقتصاد الوطني وانخفاض مرونة المستوردات من السلع الوسيطية والاستثمارية التي تتطلبها عملية التنمية الاقتصادية.
•التجارة الخارجية تعاني من خلل واضح يبرز من خلال تركز سلعي في الصادرات يناظره تركز سلعي في المستوردات، أي سلع أولية زراعية أو استخراجية في جانب الصادرات مقابل سلع استهلاكية واستثمارية في جانب المستوردات، ما أدى إلى ربط الاقتصاد الداخلي بالمتغيرات العالمية المتعلقة بالعرض والطلب من هذه السلع.
•عدم استقرار الدخل من الصادرات، الذي يتوقف على نوع السلعة أو السلع المصدرة، ما يتوجب أن تكون هناك درجة من النمو في الدخل في الأجل الطويل.
•القيمة المضافة التي تحققها الصادرات السورية تنخفض مقارنة بالقيمة المضافة المستوردة، وتالياً ربحية الاقتصاد السوري كانت متواضعة خلال فترة 2010-2014.
•زيادة نسبة تركيز هيكل الصادرات، بالتالي انخفاض القدرة التنافسية والقدرة على تحويل هيكل الإنتاج استجابة للتغيرات العالمية.
•ضيق مجال تسويق السلع عبر الاعتماد على سوق واحدة أكثر خطورة من الاعتماد على تصدير سلعة واحدة لعدة أسباب أبرزها احتمال بطء معدل النمو على الطلب وضعف القدرة على المساومة والتعرض للضغط السياسي.
•وجود العديد من الفرص الواعدة غير المستغلة في السوق العالمية وفق المعطيات المختلفة والمتنوعة، وقد أكد مؤشر التوافق التجاري مع الشركاء المقترحين أن إعادة تأهيل الاقتصاد السوري شرط أساسي لمواجهة التحديات التي تفرضها جماعات الضغط الاقتصادية الدولية.
استراتيجية واضحة
جملة من التوصيات أوصت بها هيئة تنمية وترويج الصادرات في ختام دراستها حول التجارة الخارجية أبرزها:
•تبني استراتيجية وطنية لتنمية الصادرات لتطوير هياكل الانتاج والدخول في الصناعات عالية التكنولوجيا والبرمجيات والبحث في زيادة حجم الصادرات ذات الميزة النسبية التنافسية كصناعة الملابس الجاهزة، وزيادة القدرات التنافسية في كل مواقع الإنتاج العام والخاص، وببساطة التركيز على الاستثمار والإنتاج والتصدير.
•إحداث مؤسسة لضمان الصادرات وبنك لتمويل الصادرات، فلا تنمية من دون تصدير فهو المورد الأساسي للقطع الأجنبي الذي نحتاجه لتمويل مستورداتنا ومشاريعنا التنموية.
•تناقص كميات النفط المصدرة يتطلب دعم وتطوير الصادرات الصناعية عبر منح حوافز إضافية لها.
•دعم صادرات الصناعات الزراعية وخاصة المنتجات ذات الطبيعة العضوية.
تفعيل دور الرقابة على الصادرات واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المصدرين المخالفين المسيئين إلى سمعة الصادرات السورية خارجياً.
•إنشاء نظام النافذة الواحدة وتطبيقه لتسهيل التجارة الخارجية في سورية، واستخدام المبادئ التوجيهية.