ترجمة عبد القادر خطاب عن موقع الإيكونوميست
والتر راسل ميد هو الشخص الأخير من طابور طويل يكاد لا ينتهي من أنصار قيادة أمريكا للعالم أجمع, من منظوره الشخصي و بغض النظر عما يبدو الأمر عليه, فإن أمريكا ليست في حال انحسار.
ونقتبس هنا عن السيد ميد الذي يقول " أمريكا ليست في حال انحدار أو انحسار لكنها الآن في وسط عملية كبيرة لإعادة التوازن. فالتحالفات التي بنتها و عززت دور أمريكا خلال فترة الحرب الباردة لم تعد تقوم بالغرض". وكما نرى هنا فإن قصد السيد ميد بمصطلح " عملية كبيرة لإعادة التوازن" أن أمريكا فعلاً في حال انحدار. وفي الحقيقة فإن السيد ميد يقول بأن "النظام الثلاثي" في انحدار.
بحسب ميد فإن تحالفاً قام بين أمريكا و أوروبا الغربية و اليابان من السبعينات و حتى الآن, وقام هذا التحالف بالسيطرة على العلاقات الدولية. و بسبب الركود الأوروبي و الياباني الآن فإن عصر هذا التحالف قد شارف على نهايته.
لم يعد هذا التحالف الثلاثي قائداً أو حتى فعالاً بالقيام بدوره بتكوين العلاقات التي تمكن أمريكا من انشاء وتعزيز نظام عالمي ليبرالي. فتركيا الآن تدير ظهرها و تبتعد عن أوروبا شاقة طريقها كقوة أكثر تأثيراً في الشرق الأوسط من أوروبا. و الصين و الهند تتصارعان الآن للحلول مكان أوروبا كأهم اقتصاد غير أمريكي فاعل في أفريقيا.
أما بالنسبة لأمريكا اللاتينية فقد بدأت الصين باحتلال المرتبة الثانية بعد أمريكا كأهم شريك اقتصادي وسياسي متغلبة بذلك أيضاً على أوروبا.
مهما حصل, ستبقى أمريكا اللاعب الأقوى, لكن عوضاً عن كونها لعبة ثلاثية الأدوار, أصبحت الآن سباعية أضيف إليها الصين, الهند, البرازيل, و تركيا. و هي الدول التي أصبحت الآن على قائمة الاتصال السريع في مقر القيادة الأمريكية ( واشنطن ). أما روسيا فلا زالت حائرة, هل تقوم باللعب أم تقطب جبينها وتذهب بعيداً. و المفاوضات لا زالت جارية.
غفل السيد ميد عن ذكر أحد أسباب نهاية الحقبة الثلاثية وهو الركود الأمريكي. وهل يعقل عدم ذكرهذا الأمر؟ إذا كان النفوذ هو عملة العلاقات الدولية, فالانحدار ببساطة هو خسارة النفوذ المؤثر. وإذا كانت أمريكا اللاعب الأقوى في لعبة ثلاثية الأطراف, و أصبحت الآن اللاعب الأقوى في لعبة سباعية الأطراف, فهذا يعني أن أمريكا في انحدار.
الجانب المشرق من رأي السيد ميد هو أن أمريكا تستطيع تحقيق أهدافها الأساسية في العلاقات الخارجية بدون أن تكون العنصر المسيطر عليها, لأن القوى الناشئة لديها أسبابها الخاصة التي تدفعها لتحقيق نفس الأهداف.
حتى فيما يخص الدول الناشئة, أمريكا لديها الأفضلية في النجاح و تمرير مخططها العالمي على عكس ما يتوقعه البعض. فواشنطن فريدة من نوعها لأنها تريد عالما متحرراً بنظام تجارة مفتوح, وحرية البحار, و وضع قواعد قابلة للتطبيق فيما يخص العقود و حماية الاستثمارات الأجنبية.
كل ما سبق كلام رائع, ومع ذلك فإن السيد ميد لا يستطيع الاعتراف بالواقع المرير لنفوذ أمريكا الآخذ في الضعف. يقول ميد بأمل كبير "واشنطن ستبقى الرئيس التنفيذي لمجلس إدارة أكبر",ولكن بعد إذنك سيد ميد أخبرني: لماذا تجد الاعتراف صعباً جداً بأن التوجه الحالي يشير أن قوة أمريكا قد تلاشت ولا زالت تتلاشى بحيث أن مكانها على رأس الطاولة بدأ يصبح مشكوكاً فيه ؟ ربما تكمن مشكلتي بأنني لا أستطيع أن أشعر بماهية السوء الكامن خلف وجودنا كقوة واحدة ضمن مجموعة من القوى, طالما أن غايات و أهداف هذه القوى متوافقة إلى حد بعيد مع غايات أمريكا, و هذا ما يبدو عليه الأمر. هل هي معضلة غرور أو حب ذات ؟ هل هو حفظ ماء الوجه أمام الشعب الأمريكي ؟ وهل سنخسر المزيد من النفوذ إذا فقد أعتى خبراء العلاقات الخارجية لدينا الرغبة في نفش ريشهم ؟ أنا لا أفهم ذلك. لكن بالتأكيد إنها نهاية العلاقات الدولية كما نعرفها الآن . فلماذا لا؟
المصدر :موقع الاقتصادي