لم يعد سوق الذهب كما كان عليه في الماضي أو على الأقل لم يعد كذلك بالنسبة إلى العاملين فيه، فلم تعد تتجاوز كمية الذهب المصاغة التي تدخل جمعية الصياغ اليوم (10 كغ)، بينما كانت في الماضي لا تقل عن (100 كغ)، وهذا هو حال سوق الصياغة بحلب حالياً، ما جعل حلب تتحول من مصدر للذهب المصاغ إلى جميع المحافظات إلى مستورد للإكسسوار، وتحول أغلب أصحاب الورش إلى سماسرة، وتخلى البعض الأخر عن المهنة برمتها.
وتلقى سوق الصاغة بحلب عدة هزات اقتصادية كان آخرها الأزمة الراهنة بسورية، الأمر الذي جعل الصاغة يدخلون منافسة البقاء حتى وصلت المضاربة إلى حد كسر العظم ليكون البقاء للأقوى، فمن يملك القوة المالية لا يرفع سعر الصياغة رغم ارتفاع التكلفة، ما تسبب بإغلاق ألف ورشة.
كما أن الظروف الاقتصادية التي أثرت سلباً على القوة الشرائية تسببت بكساد السوق، وبالأخص أن الذهب يعتبر من السلع الكمالية، أو هو لعملية الادخار، ما جعل الكثير من الحرفيين يغلقوا ورشاتهم وحتى أن بعضهم هاجر للعمل بنفس المهنة في دول أخرى.
وفي ذات السياق صرح رئيس المكتب الإداري والقانوني لاتحاد الحرفيين بحلب "رافي عقليان" لـ شبكة "مدينتنا" الإخبارية أن: "عدد المنتسبين للجمعية الحرفية للصياغة حسب الإحصائيات الموجودة يبغ عددهم 1200 حرفياً، ولكن نظراً للظروف الاقتصادية التي تمر منذ أربع سنوات انخفض العدد ليصبح 200 حرفياً فقط".
وانحسار السوق الداخلية جعل الصياغ يتطلعون لإيجاد أسواق بديلة، فقرر اتحاد الحرفيين باجتماع مع جمعية الصياغة تصدير الذهب للبلدان الخارجية لما سيحققه من فرصة جديدة لاستمرار هذه المهنة، والحفاظ على مستوى العمالة وحتى رفعها، لكن المفاجئ كان قرار وزير الاقتصاد بعدم الموافقة على القرار.
وقد تحول بعض أصحاب الورش بعد إغلاق ورشاتهم لأعمال ومهن أخرى، لكن بقي البعض ينازع ضمن مهنته ولكن ضمن مجالات أخرى، وذلك في محاولة للتمسك بمهنة الآباء، حيث يقول أحد الصاغة: "كان هناك ستة محلات لتجارة الذهب، واليوم فاق العدد العشرين محلاً، وبعض التجار يعمل بالتجارة دون أن يملك محل،وهم يقفون بشارع السوق ليبيعوا ويشتروا ليستفيدوا من فارق السعر.
لكن الأخطر بالنسبة للسوق هو استيراد الذهب المقلد أو "الإكسسوار"، فأصحاب محال الذهب يرون فيه المنافس الأقوى لوجودهم، حيث وفر البديل الأرخص بالنسبة لطبقة كبيرة من المجتمع،ويقوم تجار باستيراد الذهب مقلد من الهند، والصين، وروسيا، والبرازيل، وهو ذو جودة عالية ولمعة لا تختلف عن الذهب الحقيقي، وتدوم لأكثر من عام.
هذه الأسباب وغيرها، من تدني أجرة العمال مقارنة بالأسعار، وانخفاض نسبة الربح، جعل حرفة صناعة الذهب تهوي وتنتقل من التصدير للاستيراد،فيما يبقى الأمل في استمرار هذه الحرفة في مدينة حلب، معلقاً بالورش القليلة المتبقية حالياً، والتي لا ضمان لها للاستمرار مع الظروف الحالية.