بعد اعتماد اقتصاد السوق الاجتماعي باتت السياسات الاقتصادية تتطلب ربط المصارف بوزارة الاقتصاد، فالوزارة لديها مديرية التسعير ومديرية حماية المستهلك إضافة إلى مديرية الاقتصاد التابعة لها التي تمنح إجازات الاستيراد والتصدير، كل هذه المديريات لها تأثير كبير في السياسة النقدية لأن بياناتها تعتبر ضابطة للكثير من الأمور.
وتلعب مديرية التسعير دوراً في ضبط القوة الشرائية لليرة السورية والقدرة الشرائية للدخل ومن ثم تساعد على تثبيت سعر الصرف وتلافي التضخم فاستخراج بيانات عن تذبذب الأسعار ومدى تناغمها مع سعر الصرف يساعد في رسم السياسة النقدية. فالتسعير لا يزال غير مرتبط بالسياسة النقدية فما نعلمه أن رفع السعر يستوجب ضخ كمية من الكتلة النقدية لتسد الحاجة الناتجة عن رفع السعر ومن ثم يمكن أن تساعد في احتساب التضخم الذي سيحصل نتيجة رفع السعر ومدى تأثيره في القدرة الشرائية لدخل المواطن.
أما مديريات الاقتصاد فمهمتها القيام بضبط منح إجازات الاستيراد ضرورية جداً لرسم السياسة النقدية وتوجهاتها إن كانت انكماشية أو توسعية وهذا ينعكس على عمليات الائتمان التي تمنحها المصارف أي تؤثر في المحافظ الائتمانية التي تمنح من أجل تغطية قيمة المستوردات بالقطع الأجنبي، فحجم كثير من المستوردات التي ترد إلى سورية وبموجب هذه الإجازات أو بموجب بوالص الشحن تفوق كثيراً حاجة البلد ما يشكل هدراً لموارد القطع الأجنبي فمديريات الاقتصاد تمنح إجازات الاستيراد دون التقيد بسقف معين للمواد المستوردة يتناسب مع حاجة البلد ما يبقي الباب مفتوحاً لهدر القطع الأجنبي، فإذا حسبنا ما يتم استيراده من الحديد نجده يفوق كثيراً ما تحتاج إليه سورية وقد تم دفع ثمنه من موارد القطع السورية التي من الممكن توجيهها إلى محفظة ائتمانية أخرى تسد حاجة السوق أو تعمل على زيادة العرض لمواد مستورده تساعد في تخفيض السعر.
إضافة إلى ذلك فالخروج بنتائج بيانات عن المواد الممولة بالقطع الأجنبي يساعد على تخصيص المحافظ ويساعد على ضبط التلاعب فيما يدعى بالترانزيت الذي يدخل البلد تحت عنوان الترانزيت وهو في الواقع يبقى أغلبه ضمن البلد وبهذه الحالة يكون المستورد تهرباً من الرسوم الجمركية وأصبح أكثر قدرة على التنافسية في السوق الداخلية نتيجة انخفاض التكلفة. كما يضبط اللعب بالبوالص التي تستخدم في بعض الأحيان لتحويل مبالغ من القطع لسد استحقاقات ديون لبنوك خارجية استفاد المستوردون من تسهيلاتها الائتمانية وبالحالتين يؤثر هذا العمل في موارد القطع والسياسة النقدية. لذلك فمديريات الاقتصاد وما تملكه من قواعد بيانات ضرورية جداً لرسم السياسة النقدية ولتوجيه المحافظ الائتمانية ولضبط الكتلة النقدية الممولة للاستيراد والتي تساعد أيضاً على تثبيت سعر الصرف وضبط حركة القطع الأجنبي في الأسواق كما أنها تساعد على رسم خطوط بيانية لعمليات الإنتاج في سورية للصناعات الوطنية ومعرفة أحجام استهلاكها داخلياً وخارجياً. والأهم من ذلك أيضاً فإنها تمكننا من الوصول إلى رقم تقريبي لحجم التسهيلات الائتمانية التي يستفيد منها المستوردون من مصارف خارجية. وهذا مهم جداً لبناء العلاقات الدولية بين سورية والبلدان الأجنبية.
و نأمل أن تعود المصارف إلى وزارة الاقتصاد على أن يقود مديرياتها خبرات مصرفية مشهود لها بعملها المصرفي ونفضل أن يكون القائم على إدارة هذه المديرية عضواً في مجلس النقد والتسليف. فالخروج من الفوضى وقيام المصرف المركزي بعمل إسعافي بشكل مستمر أمر لا يمكن الاستمرار فيه بهذا الوقت بالذات.