بعد مرور أسبوع تقريبا على تدهور الريال الإيراني أمام الدولار بسبب العقوبات الغربية المفروضة على البلاد، استعاد الريال اليوم جزءا من عافيته.
وبعد أن فقد أكثر من ثلث قيمته في أسبوع واحد فقط، وتذبذبت أسعار الصرف بشدة فتراوحت بين 34 و40 ألف ريال مقابل الدولار، وصل سعر صرف الريال اليوم إلى 28 ألفا.
وقد شاب سوق العملات جو من الاستقرار الحذر وتوقفت عمليات الصرف مؤقتا.
فالحكومة الإيرانية لا تزال تقوم بتحجيم السوق السوداء، فاعتقلت الصرافين غير القانونيين، ومنعت المضاربين من التحكم بالأسعار.
وكانت الشرطة الإيرانية قد فضت الأسبوع الماضي تجمعات لتجار أعلنوا عن إضراب في بازار طهران، واحتجوا على موضوع تدهور الريال.
لكن الحياة بدأت تعود لطبيعتها بعد اتخاذ بعض الإجراءات التي لا يزال يرافقها قلق رسمي وشعبي.
العقوبات المفروضة على النفط والبنك المركزي الإيراني منعت تحويل العملة الصعبة لطهران كمقابل لصادراتها، غير أن تلك لم تكن المشكلة الوحيدة أمام الحكومة.
فالمضاربات الشديدة من بعض التجار في الداخل وتشجيعهم للمواطنين على المتاجرة بأموالهم بتحويلها إلى دولار ثم بيعها عند ارتفاع السعر زادت الطلب على الدولار، فأدت لتدهور العملة المحلية.
رئيس تحرير صحيفة سياست روز المقربة من الحكومة الإيرانية محمد بير علي لم يلق باللوم على العقوبات، بل اعتبر أن المسبب الأكبر لهذه المشكلة كان عند المتعاملين والمضاربين في السوق.
وفي لقاء مع الجزيرة نت أشاد بير علي بالخطوات التي أقدمت عليها الحكومة بالتشديد على سوق العملات ومنع عمليات الصرف غير الشرعية، معتبرا أنها إجراءات مثمرة تأتي لوضع مفاتيح السوق بيد الحكومة.
مسؤولية مشتركة
أما عن الانتقادات التي وجهت لحكومة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، بعدم اتخاذ إجراءات لتفادي تبعات الحظر السلبية، رغم أن العقوبات قد فرضت منذ مدة، رأى بير علي أن الخطوات وإن جاءت متأخرة للبعض فإن الأوان لم يفت، والنتائج بدأت تظهر على السطح، وسعر الريال في ارتفاع.
وأضاف أن البرلمان الذي ينتقد سياسات الرئيس الاقتصادية عليه الآن أن يمسك بيد الحكومة، ويضع خططا اقتصادية يتم البت فيها ثم تطبيقها بتعاون حكومي وشعبي، فالمسؤولية لا تقع على عاتق الحكومة وحدها، حسب رأيه.
البرلمان الإيراني من جهته يرى ضرورة التعامل مع الأمر بطريقة عملية، فالملف الاقتصادي للبلاد أحد أهم الملفات على الطاولة في البرلمان منذ دورته السابقة، وحتى في البرلمان الجديد الذي انتخب في مايو/أيار من العام الحالي.
عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان السابق النائب أحمد خيري يرى أن ما حدث في السوق الإيرانية جاء بفعل العقوبات، ولكن المطلوب برأيه هو إدارة أفضل وتخطيط أكثر عملية لمواجهة الهزات التي تضرب القطاع الاقتصادي.
وفي سؤال للجزيرة نت عن مدى تحمل البرلمان للمسؤولية وتخطيطه لمواجهة العقوبات، قال خيري إن اللجنة الاقتصادية لم تتوقع هذا الانهيار الحاد للريال، الذي كان مفاجئا لكثيرين، رغم أن اللجنة كانت تطالب بتحكم أكبر بسوق العملات من قبل الحكومة. لكن تم تركيز جهود أخرى على الوضع الاقتصادي الداخلي ومعالجة مشاكله ولا سيما التضخم وترشيد الاستهلاك بعد رفع الدعم الحكومي عن بعض السلع الإستراتيجية قبل عامين تقريبا، ولا يزال العمل قائما.
الإجراءات الحكومية
أما خبراء الاقتصاد فيرون أن الموضوع يقع على عاتق الجميع، مع ضرورة التركيز على إدارة محكمة لاقتصاد البلاد، في ظل توقعات بزيادة التضخم الذي بلغ -حسب المعلن رسميا- 29%.
محلل الشؤون الاقتصادية في الصحف الاقتصادية الإيرانية أمير حسين حديدي يرى أن التعامل المجدي مع الأمر يكون بخطط قصيرة وطويلة المدى.
فالإجراءات الحكومية المشددة على الصرافين تأتي ضمن الخطط القصيرة المدى رغم نجاحها، غير أن الأمر أبعد من ذلك، فيرى حديدي أن زيادة الإنتاج المحلي مستقبلا ستقلل الطلب على المواد المستوردة، وبالتالي لن يضطر كثيرون للتعامل مع التجار الذين يتحكمون بأسعار المواد الأجنبية وفق سعر الدولار.
واعتبر أن تنفيذ خطط من هذا النوع سيكون كفيلا بعودة الاستقرار الدائم للسوق، بل سيرفع قيمة الريال، بشرط تعاون كل الأطراف ولا سيما المواطنين الإيرانيين، فعليهم أن يكونوا أكثر وعيا.
فالتخوف من تدهور الريال وتحويله إلى دولار يزيد الأمر سوءا، وهذا سبب آخر لما حدث، حسب قوله.
وبدأت أسعار السلع الأساسية في إيران بالارتفاع بالفعل بعد أزمة تدهور الريال، ولكن بعد أن بدأ باستعادة جزء من قيمته لم تعد الأسعار إلى حالها، وهذا أصاب الإيرانيين بقلق أكبر.
وعن هذا الأمر يقول حديدي، إن غرفة الصناعة والتجارة الإيرانية ستوزع قائمة رسمية بأسعار السلع كما أعلنت، ويحق للمواطن أن يطالب بها في حال لاحظ رفع الأسعار تلقائيا من قبل التجار، مشيرا إلى أن تعاون الإيرانيين في تدارك الأمر سيحسن الأمور مستقبلا.
المصدر: الجزيرة