خاص B2B-SY
يُعدُّ اقتصاد التهريب أحد أشكال اقتصاد الظلِّ غير المشروع، ويتشابه مع التهرب الضريبي من حيث الدوافع والأسباب، ولكنه أكثر خطورة منه. وهو جزءٌ من الشكل الثالث من أشكال "اقتصاد الظلِّ غير القانونيّ "illegal Economy المتمثل بالأنشطة غير المشروعة والمحظورة بحكم القانون، إذ يتم توليد دخول من أنشطة إجرامية وغير مشروعة (التهريب، الاتجار بالمخدرات، الاتجار بالأسلحة، الاتجار بالبشر، الاتجار بالآثار، غسيل الأموال ....).
بالتأكيد ظاهرة التهريب ليست ظاهرة سورية وفقا لدراسة أعدتها "مداد" وإطلع عليها موقع "b2b-sy" ، بل هي ظاهرة عالمية تعاني منها كلّ دول العالم وإن بدرجات متفاوتة، ولكن ما هو أكيد، أن حجم التهريب طوال سنوات الحرب قد تضاعف مقارنة بسنوات ما قبل الحرب، وأصبح من النسب المرتفعة منسوباً إلى إجمالي حجم المستوردات، أو إلى الناتج المحلي الإجمالي. والتهريب بمعناه الواسع هو عملية إدخال السلع إلى البلاد أو إخراجها منها بشكل غير مشروع دون دفع الضرائب والرسوم الجمركية كلياً أو جزئياً، أو إخراجها، خلافاً لأحكام المنع والتقييد الواردة في القوانين، أو إدخال وإخراج منتجات ممنوعة بحكم القانون. ويأخذ التهريب شكلين: تهريب منتجات أجنبية إلى داخل سورية؛ وتهريب منتجات سورية إلى الخارج، وبخاصّة تلك التي تحصل على دعم –وفي هذه الحالة يتم تقديم دعم لمواطني الدول المجاورة من موارد الخزينة العامة للدولة السورية. والمنتجات المهربة في كلتا الحالتين، يمكن أن تمر على المعابر الحدودية الرسمية، لكنها لا تخضع للإجراءات الجمركية الرسمية (غش جمركي-جرائم جمركية مكتبية) ، أو تمرّ عبر معابر غير نظامية وغير خاضعة للرقابة الجمركية.
عملياً، ينتشر اقتصاد التهريب وفقا لدراسة نشرها "مركز دمشق للأبحاث" وحصل موقع "بزنس2بزنس" على نسخة منها، عندما تتوافر مجموعة أسباب تعود إلى أسباب تتعلق بالأجهزة الجمركية وضعف إدارتها و أسباب إقتصادية وتشريعية وإدارية ، يضاف إليها أيضاً أسباب سياسية و أخلاقية ونفسية
أما كيف يؤثر اقتصاد التهريب في بنية الاقتصاد السوري؟ فإنه تؤثر نشاطات التهريب بشكل عميق في بنية الاقتصاد وآليات عمله، ويظهر ذلك جليّاً في الجوانب الآتية:
1. التأثير السلبي والخطير في الصناعة السورية وتخريب السياسات الحمائية للصناعات الناشئة: إذ تنافس المنتجات المُهربة، التي لا تدفع ضرائب جمركية ولا تتقيد بالمواصفات والمعايير الفنية أو الصحية، المنتجات المحلية، لذلك تكون أسعارها تنافسية مقارنة بالمنتجات الوطنية التي يتراجع الطلب عليها. وبالنتيجة تؤثر سلباً في المصانع غير القادرة على الاستمرار في السوق.
2. فقدان الإيرادات السيادية للدولة: والمتمثلة بالضرائب والرسوم الجمركية. وهذا يعني تراجع في الإيرادات العامة وزيادة عجز الموازنة. ويترتب على ذلك زيادة العبء الضريبي على النشاطات الرسمية لتعويض النقص الحاصل في الإيرادات، والنقطة المهمة هنا هي أن نشاطات التهريب كافة لا تدفع ضرائب جمركية أو رسوم، وفي الوقت نفسه تستفيد من كل الخدمات العامة التي تقدمها الدولة.
3. ينجم عن التهريب منافسة غير منصفة وغير عادلة: بما أن نشاطات التهريب لا تدفع ضرائب ولا تلتزم بأية قوانين أو أطر تنظيمية أو معايير أو مواصفات، تصبح المنافسة بينها وبين الاقتصاد الرسمي غير عادلة وغير منصفة.
4. يشوه التهريب السياسات والبرامج الاقتصادية للحكومة: يصعب اتخاذ القرارات الصحيحة والمناسبة لتخصيص الموارد وكذلك القرارات الاقتصادية الفعالة والمؤثرة وإصدار التشريعات المناسبة عندما يكون حجم التهريب كبيراً.
5. تشويه السياسة النقدية: بما أنَّ نشاطات التهريب تُخفي أنشطتها وتتستر عليها ولا ترغب بالتعامل مع المصارف، أو بالأحرى يصعب عليهم التعامل عبر القنوات المصرفية أو الحصول على تمويل أو خدمات مصرفية، ما يدفعها للاحتفاظ بالنقود لإجراء المعاملات خارج القنوات المصرفية، لذلك يصبح حجم الكتلة النقدية في التداول مرتفعاً ولا يستجيب الطلب على النقود للتغيرات في سعر الفائدة (انخفاض مرونة الطلب على النقود بالنسبة لسعر الفائدة).
6. التأثير السلبي في صحة وأمن المواطنين السوريين: عدم الالتزام بالشروط والمعايير الصحية والفنية، ودخول سلع غير مطابقة للمواصفات والشروط الصحية والفنية، يعرّض حياة المواطنين للخطر ويشكل تهديداً خطيراً لأمن المواطنين السوريين وتهديداً لصحتهم.
7. التأثير السلبي في ميزان المدفوعات: عادة ما يتم تهريب الأموال الناجمة عن نشاطات التهريب إلى الخارج وهذا يؤثر سلباً في ميزان المدفوعات وسعر الصرف ومصادر تمويل الاستثمارات المحلية. ويُعد ذلك واحداً من أسباب تراجع سعر صرف الليرة السورية طوال مدّة الحرب، إذ زادت عمليات تهريب الأموال من نشاطات التهريب والنشاطات الأخرى غير المشروعة إلى الخارج.
علاقة نشاطات التهريب بالفساد
لا يُسهم الفساد في دعم نشاطات التهريب فحسب، بل ويعرقل النشاطات الاقتصادية المشروعة، وحيث تكون معدلات الفساد مرتفعة يكون حجم التهريب أعلى. إذ يُعد التهريب المولود الطبيعي للفساد، وهناك تداخل وتشابك وتفاعل بين التهريب والفساد، فانتشار الفساد يدفع مؤسسات قطاع الأعمال باتجاه التهريب
يمكن التعامل مع ظاهرة التهريب ومعالجتها؟ هل نتعامل مع التهريب كظاهرة أمنية؟ أم كظاهرة اقتصادية؟ على محورين: سياسات وقائية ذات أبعاد اقتصادية، وإجراءات عقابية ورادعة تنفذها الأجهزة الأمنية والجمركية