خاص B2B-SY
الكاتب : ثامر قرقوط
من يحاسب اللجنة الاقتصادية على مقترحها سيء الصيت برفع سعر السكر والرز التموينيين؟ اللجنة التي من المفترض أن تدرس كل الخيارات، وتضع أفضل السيناريوهات لمواجهة الغلاء والضائقة المعيشية، مضت قدماً بعقلها المحاسبي المالي إلى زيادة السعر، وتحميل الناس العبء، والتخفيف عن خزانة الدولة.
أعضاء اللجنة الاقتصادية الذين حاولوا بمقترحهم رفع الغطاء عمّا تبقى من الأمن الغذائي للسوريين هم وزراء: المالية (رئيس اللجنة) والاقتصاد والتجارة الخارجية والزراعة والتنمية الإدارية والشؤون الاجتماعية والعمل والصناعة والتجارة الداخلية وحماية المستهلك ووزير الدولة لشؤون الاستثمار والمشاريع الحيوية ورئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي، إضافة إلى ممثل نقابي وآخر عن الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء، وأمين السر. وذلك وفقاً لقرار تشكيل اللجنة الصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 12/7/2016.
يمثل هؤلاء نحو ربع وزراء الحكومة، لم ترف لهم عين، عن اقتراحهم المثير للقلق، ولم يكونوا على قدر من المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وحاولوا في الفترة التي تسبق تشكيل حكومة جديدة عقب انتخابات مجلس الشعب المقررة في 19 تموز الجاري، أن يقفوا ضد ملايين السوريين الفقراء، الذين لم يعد لديهم ملاذاً للبقاء على قيد الحياة، وتجنب الجوع، سوى بضعة سلع استهلاكية أساسية تباع في "السورية للتجارة"، بعيداً عن الابتزاز والربح الفاحش.
ارتكبت اللجنة عدة مخالفات، أولها الخروج عن المسار القانوني الناظم لعملها، إذ من أبرز مهامها: "إعداد الدراسات وتقديم المقترحات حول التوجهات والقضايا العامة في مجال قطاعها، ومناقشة القضايا الطارئة، وقضايا الساعة في مجال اختصاصها, وتقديم المقترحات والحلول". وتبين مباشرة، أنها لم تدرس مقترحها بشكل كاف، ولم تقدم المقترح المناسب، ولم تجد الحل الناجع، بل ذهبت بعيداً عن هذه المهمة المكلفة بها، ورمت مقترحها الأعرج والمرفوض شعبياً في وجه أكثر من 85% من السوريين، الذين يعيشون كفقراء بامتياز، فنزل القرار عليهم كالصاعقة.
وضع أعضاء اللجنة أنفسهم ضمن دائرة طباشير ضيقة، تركوا كل الخيارات المتاحة، وحاولوا تحقيق ربح كبير وفاحش، على حساب الناس، لترميم النقص في الموارد التي تغذي خزانة الدولة. إذ يبلغ سعر كيلو السكر عالمياً أقل من 13 سنتاً، يضاف إليه كلفة التأمين والنقل وغيرها التي لاتتجاوز السعر المذكور، ومع افتراض أن سعر تمويل الاستيراد بالقطع الأجنبي 1250 ليرة، فهذا يعني أن كلفة كيلو السكر نحو 313 ليرة، وفي حال أضفنا بعض النفقات الأخرى فإنه لن يتجاوز 350 ليرة. وعندما تقترح اللجنة الاقتصادية أن يكون السعر 900 ليرة، فهنا يبرز التساؤل: عن أي دعم تتحدث هذه الحكومة؟ ومن يدعم من، الحكومة أم المواطن؟ واللافت أن الحكومة تزعم أنها تطالب التجار بربح معقول، بينما تريد أن تربح ضعف رأسمالها هنا.
كيف للجنة، تعد العقل الاقتصادي المدبر للحكومة، أن تجانب الواقع، وتتجاهل الحقائق، وتلجأ إلى المقترح الذي يعبر عن موقف خطير في غير مكانه وتوقيته، وانتهاز الفرصة لتمرير قرار غير شعبي؟ وبدلاً من أن تعزز ثقة الناس بالحكومة وقراراتها، وتسند محاولات مواجهتهم للغلاء والفقر، كيف لها أن تسهم في تجويعهم؟ هذا الموقف ليس بريئاً، حتى وإن كان غير مقصوداً.
أما النجومية التي حاول وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك حصدها بالاجتماعات العاجلة التي عقدها، وكانت حصيلتها التراجع عن مقترح اللجنة، فهي نجومية باهتة جداً، وظهوره بمظهر المدافع عن المستهلك وحقوقه لم يكن مقنعاً، فالوزير المذكور هو عضو أساسي باللجنة الاقتصادية، وهو من وقع "بالموافقة" على الكتاب الصادر عن "السورية للتجارة" القاضي برفع سعر السكر والرز.
إن الشعب السوري يدرك آلية اتخاذ القرار الحكومي، ومدى تدخل الجهات في صوغ واتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بلقمة عيش الناس، وأمام هذه المعطيات هل خضع أعضاء اللجنة إلى إملاءات معينة، أو أنهم ذهبوا لتحقيق مصالح ما؟
قادت الحكومة تلك "اللخبطة"، ذهاباً وإياباً، هي من تلقفت مقترح لجنتها، وهي من تراجعت عنه عبر وزارة التجارة الداخلية. وبالتأكيد يخفي القرار غير الشعبي وغير الاقتصادي خلفه أشياء كثيرة، وهذا ما بحث عنه السوريون، فيما حاولت الحكومة بمسرحية هزلية لملة القضية.