بات توفر فرص العمل الهاجس الأكبر للسوريين، وبذلك يضطر الكثير من السوريين العمل في وظيفتين، وظيفة حكومية وأخرى عمل حر خاص، وبراتب واحد لا يستطيع السوري إعالة نفسه وأسرته، إضافة إلى أن يعمل فردين من أفراد الأسرة الواحدة من كل أسرة سورية.
الخبير التنموي ماهر رزق اعتبر في تصريح لصحيفة «الوطن» المحلية أن مسابقة التوظيف المركزية التي أطلقتها وزارة التنمية الإدارية جاءت في وقتٍ تعاني فيه مؤسسات الدولة معاناة مزدوجة، فهي من ناحية لديها تخمة وفائض وبطالة مقنّعة بعدد كبير منها.
وتابع أنه من ناحية أخرى لديها نقص حاد في الخبرات وخاصة أن أصحاب الخبرات من مديرين ورؤساء أقسام هُجِّروا بطريقة قسرية باعتبار أن مؤسسات الدولة طاردة للكفاءات بسبب تفضيل الولاءات على الكفاءات، أما الهجرة الثانية فهي بسبب تراجع أجور القطاع الحكومي بشكل غير طبيعي لذا هاجرت هذه الكفاءات إما إلى مؤسسات القطاع الخاص وإما إلى خارج البلاد.
وفي السياق ذاته، يرى رزق أن المسابقة فشلت في جذب الخبرات ولن تعالج مشكلة نقص الكفاءات لأن معظم الناجحين خريجون جدد ولا يمتلكون أي خبرة عملية، فيمكن أن تكون هذه المسابقة نقمة حقيقية إذا انضم الناجحون فيها إلى صفوف البطالة المقنّعة واعتبروا أن أجورهم في هذه الوظائف مجرد إعانة مادية لهم من دون تأدية أي عمل، وتآكلوا بين المكاتب والبيروقراطية السائدة، ما سيتسبب بخسائر اقتصادية كبيرة أولاً، إضافة إلى أن تضخم أعداد الموظفين على المهام ذاتها سيؤدي حتماً إلى تقاذف المسؤوليات بين من يعمل ومن يتقاعس عن عمله، وهذا يعني مزيداً من الشلل في عمل المؤسسات.
وتابع: «ولكن بما أننا أصبحنا أمام أمر واقع، فيمكن اعتبار المسابقة نعمة أيضاً بشرط إصدار قانون تقاعد مبكر للكوادر القديمة لمنع التراكم بأعداد الموظفين وخلق تنافر وحالة غير صحية من التنافس بين القدامى والجدد، وذلك بالتزامن طبعاً مع إجراء برامج تدريب فعلية لمدة 6 أشهر مثلاً تتضمن بناء قدرات لتغطية المناصب وبذلك تُعالج مشكلة نقص الخبرة بالتدريب بدلاً من الانتظار عشر سنوات لاكتساب الخبرات، ولكن بشرط امتلاك أدوات التدريب وألا يكون تدريباً نمطياً ونظرياً ونقلاً غير مترجم عن بيئات أخرى غير مشابهة لبيئة العمل السورية».
وألقى رزق اللوم على عدة جهات كان دورها مغيّباً في هذا المجال مثل مرصد سوق العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والمكتب المركزي للإحصاء الذي يجب أن يجري مسحاً للقوى العاملة، مشيراً إلى وجود ثغرة كبيرة يتم الحديث عنها منذ عشرات السنين وهي عدم المواءمة بين مخرجات التعليم ومدخلات سوق العمل.
مضيفاً: «كما أننا حتى اليوم نعيش مرحلة التوظيف الاجتماعي أي نعتبر أن الوظيفة هي مسؤولية الدولة وهذا صحيح دستورياً وقانونياً وأخلاقياً، ولكن بشرط ألا تكون مهمتها مقتصرة على القطاع العام، إذ يجب إعطاء تسهيلات للقطاع الخاص كي يتوسع بأعماله ويستوعب القوى العاملة الجديدة التي تدخل إلى السوق، ولكننا لا نرى إلا مزيداً من التضييق على القطاع الخاص بقضايا عدة كالضرائب والتأمينات وما إلى ذلك، إضافة إلى إبعاد عدد من أصحاب الأعمال من الدعم الاجتماعي مؤخراً».
وأشار في هذا السياق إلى أنه كان من الأجدى زيادة الأجور من خلال هذه الكتلة النقدية الجديدة وتحسين وضع الموظفين القائمين وإجراء دورات بناء قدرات وتدريب لتحسين الأداء، بالتزامن مع تقديم تسهيلات للقطاع الخاص لاستيعاب الخريجين الجدد.