تحدث الدكتور والباحث الاقتصادي عماد الصابوني، عن الذكاء الصنعي في الاقتصاد وعن اقتصادات الذكاء الصنعي وكيفية التعامل معها.
وأوضح الصابوني، أن العالم من حولنا يتطور بسرعة كبيرة؛ وستغير تقانات الذكاء الصنعي من طريقة تفاعلنا مع هذا العالم، تطوير المنتجات، العلاقة مع الزبائن، الاستهلاك، مؤكداً أنه ستكون لتقانات الذكاء الصنعي آثار كبيرة في المستقبل على طريقة حياتنا وعملنا وخصوصيتنا.
وأكد أن هذه التغيرات الجذرية في الحياة والأعمال تتطلب تطويراً كبيراً على المستوى الاجتماعي والإنساني من مختلف الجوانب الاقتصادية والمجتمعية والأخلاقية والقانونية والتشريعية والتنظيمية، ولا بد من التعامل معها بسرعة منذ الآن.
وأكد الصابوني لصحيفة الوطن، أن الدول اليوم تقوم بوضع سياسات وإستراتيجيات وطنية للذكاء الصنعي، تضمن تطوير البنية التحتية اللازمة لنشر تقانات الذكاء الصنعي وتحديد القطاعات ذات الأولوية، والمشروعات الوطنية. وتحديد الاستثمارات المتاحة ورصدها، إضافة إلى توفير متطلبات التعليم والتأهيل وتعزيز الابتكار في المجالات المرتبطة بالذكاء الصنعي واستعمالاته والتأهيل المستمر وتنمية الموارد البشرية. وإعادة تنظيم أسواق العمل لتعظيم الفائدة وتقليص الآثار الضارة لاعتماد الذكاء الصنعي على العمالة والأجور، إضافة إلى مواجهة الآثار الضارة المحتملة للذكاء الصنعي على مستوى أمن المعلومات والخصوصية.
أما على مستوى المؤسسات والشركات، وبحسب الصابوني، فإن الذكاء الصنعي يعمل على تطوّر الشركات وإستراتيجيات أعمالها لجهة تحديد الاستثمارات اللازمة لاعتماد واستيعاب تقانات الذكاء الصنعي، وإعادة هندسة إجراءات العمل مرة أخرى. وعلى مستوى الأفراد، يطوّر الأفراد المهارات اللازمة للعمل والتوظيف في اقتصاد «الذكاء الصنعي»، وللتأقلم مع الانتشار المتسارع للذكاء الصنعي في الحياة.
وحول التحديات والمخاطر، قال الباحث: إنه قد لا يكون توزيع المنفعة المتأتية من الذكاء الصنعي عادلاً، وقد تكون آليات عمل أدوات الذكاء الصنعي معقدة وقد يؤدي اعتماد تقانات الذكاء الصنعي إلى توسيع ما يعرف بالـ «شفافية»، وعصيّة على الفهم أحياناً لغير المختصين.
وأشار الصابوني إلى أن هناك نقاشاً واسعاً في العالم اليوم بخصوص تنظيم استعمال الذكاء الصنعي، والتشريع له، ووضع مدوّنات أخلاقية لتلافي آثاره الضارة المحتملة.
وأضاف الصابوني، إنه من المرجح أن يكون الأثر الاقتصادي لاستعمال الذكاء الصنعي في مختلف المجالات الاقتصادية والخدمية كبيراً ومتسارعاً في العقد الحالي وبعده، وقد يفوق الأثر المتوقع للذكاء الصنعي أثر التقانات الرقمية والتحول الرقمي، مفضياً إلى «الثورة الصنعية الخامسة» وسيكون الذكاء الصنعي أهم عوامل تحسين إنتاجية المؤسسات والعاملين في المرحلة القادمة، مؤكداً أنه سيكون هناك إلغاء للكثير من الوظائف بفعل «الأتمتة» الذكية في مقابل توليد وظائف جديدة قد تفوق في عددها الوظائف الملغاة على المدى البعيد أي إن هناك تغييراً شاملاً في طبيعة الوظائف باتجاه الوظائف المؤهلة معرفياً.
وأشار الصابوني إلى أن النسبة الصافية للوظائف المتأثرة بالذكاء الصنعي بحلول عام 2030 تصل إلى قرابة ١٠ بالمئة من إجمالي الوظائف في العالم، بالمقابل من المتوقع أن تؤدي زيادة الابتكار وزيادة النشاط الاقتصادي بفعل الذكاء الصنعي إلى زيادة الطلب على العمالة الذكية (المؤهلة معرفياً) ومن ثم توليد فرص عمل جديدة على المدى البعيد.
وعن أهمية الذكاء الصنعي عند تداول الأسهم والأوراق النقدية في أسواق المال؛ وفق توقع اتجاهات أسعارها، قال الصابوني: يساعد في دراسة حركة أسواق المال والمساعدة في تجنب حدوث الأزمات المالية. والمساعدة في تجنب المضاربات غير المشروعة والاحتيال في أسواق الأوراق المالية، كما يساعد المصارف على تقييم ملاءة المقترضين والمخاطر واحتمالات التعثر في السداد، ويساعد مؤسسات إدارة الثروة على تقديم الحلول المناسبة للمستثمرين، والمساعدة في التدقيق المالي على المؤسسات المالية، ومكافحة غسيل الأموال.
وتطرق الباحث إلى تطبيقات الذكاء الصنعي في القطاعات الحكومية، موضحاً أنه يمكن للتقانات المعرفية أن تحدث ثورة حقيقية في العمل الحكومي، مبينا أن أهم التطبيقات في مجال الحكومة والحوكمة التنبؤ بالاتجاهات الاقتصادية ووضع السيناريوهات والتنقيب في البيانات الحكومية وتعريف الأنماط والمساعدة في تنظيم الاستفتاءات والانتخابات والتنبؤ بنتائجها ومن ثم تحلیل استطلاعات الرأي وتعرّف توجهات الرأي العام. كذلك استعمال النظم الخبيرة في المساعدة على صنع القرار، إضافة إلى التواصل مع المواطن لتقديم الخدمات. والمساعدة في إنجاز الأعمال النمطية.
وبحسب الصابوني، للذكاء الصنعي تطبيقات عديدة في جميع القطاعات والنشاطات الاقتصادية أهمها، استعمال الذكاء الصنعي في الإحصاء والنمذجة والاقتصاد القياسي حيث تسمح أدوات الذكاء الصنعي بالتحقق إحصائياً من القوانين الاقتصادية. كما يستعمل الذكاء الصنعي في المناهج والدراسات الاقتصادية.
وتحدث الصابوني، عن استعمال الذكاء الصنعي في التحليل الاقتصادي ووضع السياسات، مؤكداً أن تقنيات الذكاء الصنعي تساعد الاقتصاديين في تحليل البيانات الكبيرة الحجم والتنبؤ وتسمح باستكشاف الأنماط والاتجاهات والعلاقات التي قد يكون من الصعب اكتشافها بالطرائق التقليدية.
وكشف الصابوني عن العديد من التنبؤات بقيم المتغيرات الاقتصادية الكلية، كالناتج المحلي، والتضخم، ومعدل البطالة، والتنبؤ باتجاهات البورصات وأسواق المال، وتسمح أدوات الذكاء الصنعي بتحسين إجرائيات وضع السياسات وصنع القرار.
وأضاف: يقدر حجم سوق الذكاء الصنعي العالمي بـ210 مليارات دولار في ٢٠٢٣؛ ومن المتوقع أن يصل إلى ٤٢٠ مليار دولار في 2025، وإلى 1.8 تريليون دولار في ٢٠٣٠، بمعدل نمو وسطي بأكثر من ٣٧ بالمئة سنوياً.
وأضاف: إن حجم الاستثمار في شركات الذكاء الصنعي الناشئة قد ازداد بنحو 6 مرات بين عامي 2001 و2022، ونمت نسبة الشركات التي تستعمل الذكاء الصنعي بـ270 بالمئة خلال السنوات الأربع الماضية وتطبق على ٣٥ بالمئة من إجمالي الشركات في العالم اليوم شكلاً من أشكال الذكاء الصنعي في أعمالها، وستتجاوز هذه النسبة ٧٠ بالمئة في ٢٠٣٠.
وأشار إلى أن النسبة أعلى بكثير في المؤسسات المالية ومن المتوقع أن تستند ٩٥ بالمئة من معاملات الزبائن إلى تطبيقات الذكاء الصنعي في ٢٠٢٥، حتى إنه ستكون سيارة من عشرة في العالم ذاتية القيادة بحلول ٢٠٣٠.