الأوضاع المعيشية تتضخم وكذلك معدلات التضخم وهذا يعني ثباتا في المداخيل وتراجعا في القوة الشرائية فالمشكلة المعيشية تزداد صعوبة كلما اقتربت الاستحقاقات الضاغطة الناجم أكثرها عن سوءا لأداء فيما بعض منها ناجم عن تراكمات الظروف المالية عبر السنوات الماضية التي كانت تعطل معالجتها دائما.
وبحسب تقارير جمعية حماية المستهلك فان الأسعار شهدت ارتفاعا خلال الربع الأول بنحو 60٪ وبالتالي ارتفاعا في المعدلات التضخم وسواء أخذنا بالتقديرات الرسمية أو تقديرات المراقبين فان ارتفاع الأسعار بات أزمة .
خلل السوق
ليس غريبا أن تتزايد المخاوف كل يوم من استمرار فشل المحاولات الرامية لمواجهة الغلاء والتضخم التي انعكست بشكل سلبي على أصحاب الدخول الثابتة بالرغم من طمأنة وزارة الاقتصاد المواطنين بأنها لن تسمح بتفاقم الأسعار نتيجة التلاعب بالمعايير والأخلاق.
إن غلاء الأسعار يعود إلى أننا نستورد أكثر من نصف حاجاتنا بالدولار الذي يشهد ارتفاعا ملحوظا مقابل الليرة السورية التي شهدت بدورها تراجعا في قيمتها إضافة إلى ارتفاع سعر النفط وبعض المواد الأولية كالذهب والحديد والفحم وهذا أدى إلى زيادة في تكلفة الإنتاج وقد ترافق ذلك مع تراجع القوة الشرائية للسوريين .
وإذا سلمنا أن تلك العوامل أدت إلى ارتفاع السلع عالميا لكن ماذا عن الأسباب المحلية ما مشكلة ارتفاع السلع التي يتم تصنيعها داخل البلاد .
رئيس اتحاد غرف التجارة غسان القلاع قال في حديث للثورة: أن الاحتكار عبارة تردد دائما عند الحديث عن ارتفاع الأسعار فكافة المواد سواء المنتجة محليا أو المستوردة متاحة بكميات كبيرة لا داعي لاحتكارها لكن هناك عوامل طرحت على السوق صنعت خللا كبيرا والاحتكار ليس احدها أما الجشع فهو مرض يصيب بعض الناس وسبل مكافحته متوفرة بالرقابة مع طرح كميات كبيرة وزيادة العرض واستيراد النواقص بالإضافة إلى دعم المؤسسات الاستهلاكية لتكون عاملا معدلا مع ضرورة نشر ثقافة الجمعيات الأهلية على مستوى الأحياء والمناطق.
فكل مصنع لديه قائمة تكلفة لها عدد كبير من العناصر ابتداء من قيمة المواد الأولية وصولا إلى مصاريف البيع والتوزيع وكل متغير يطرأ على أي عنصر من هذه العناصر يؤثر على سعر التكلفة وبالتالي على الأسعار .. والمتابع لتغيرات سعر الصرف وكذلك باقي العناصر كأسعار الكهرباء والأجور وغيرها يقدر الأسباب الموجبة لتغير الأسعار وأما أسعار الخضار والفواكه فلها أسبابها الأخرى التي قد تكون غير مبررة علما انه أصبح هناك فجوة كبيرة في متوسط دخل الفرد.
طروحات ولكن
ومع ما يشبه الارتباك في الآليات التي تتبعها الحكومة في مواجهة الغلاء والتضخم والارتفاع غير المسبوق للدولار تبرز اليوم طروحات من جانب عدد من خبراء الاقتصاد تشدد على ضرورة تدخل الحكومة بأدواتها المالية والنقدية للتعامل مع التضخم المالي منها ما هو على المدى القصير ومنها ما هو على المديين المتوسط والطويل على أن تتم دراسة كل عامل من عوامل التضخم لاسيما إن استقرار الأسعار من مسؤولية السلطة النقدية التي يجب التأكد من استقلاليتها وإعطاء مشورتها الفنية ما تستحقه من اهتمام فضلا عن إجراءات أخرى يمكن دراستها للحد من توقعات التضخم المالي.
وأيضا للقطاع الخاص الذي يتفاعل مع معطيات السوق بطريقة غير منظمة - دور هام يتمثل اليوم في ان يعي خطورة التضخم على بيئة العمل الاقتصادي بشكل عام والتفاعل بشكل ايجابي مع الإجراءات الحكومية التي تصب في مصلحة الاقتصاد الوطني ففي الدول الأخرى هناك مجمعات تجارية ضخمة غالبا ما يكون لها أنظمة وقوانين تحكمها ولها حصة كبيرة في السوق وتستخدمها شريحة واسعة من المتسهلكين وعادة ما تحاول الحكومات التعامل مع هذه المجمعات ومحاورتها بهدف تخفيف هوامش الربح ضمن سلسلة التوريد للعديد من السلع الاستهلاكية.
على العموم تدفع أزمة ارتفاع الأسعار والتضخم وتغيرات سعر الصرف اليوم إلى العمل على تقوية الاقتصاد الوطني بحيث يعتمد اقل على استيراد السلع والخدمات وتتوجه مؤسساته نحو زيادة الإنتاج من السلع والخدمات وزيادة الصادرات ويتطلب ذلك تشجيع الادخار والاستثمار السوري أولا ثم العربي فترتفع معه معدلات النمو مع إعادة تأهيل قطاع المؤسسات فتكتسب بإنتاجيتها قدرة على المنافسة في الأسواق الخارجية وتوسع حصتها فيها .