شركة صناعية عامة أخرى انضمت إلى مجموعة الشركات المحتضرة والتي كانت إلى وقت قريب توفر معظم حاجة البلاد من منتجاتها بل وتصدّر الفائض وبالتالي توفر فرص عمل جيدة، هي الشركة العامة لصناعة مقاطع الألمنيوم ومقرها في اللاذقية.
حول الواقع الذي آلت إليه هذه الشركة وأسباب ذلك والفرص المتاحة أمام وزارة الصناعة من أجل إعادة تشغيلها بأيدي عمالها وإدارتها أو الاستعانة بجهات أخرى عامة أو خاصة وفق مبدأ التشاركية أو الاستثمار. التقت «تشرين» المهندس محمد شوبان مدير عام الشركة حيث قال:
أحدثت الشركة العامة لصناعة الألمنيوم في العام 1977 بإنتاج تصميمي وصل إلى 3000 طن سنوياً واستمرت هذه الطاقة الإنتاجية والتسويقية لغاية 1980 حيث تراجع الإنتاج حتى عام 1990 بسبب الحصار الاقتصادي على البلاد وتعثر استيراد المواد الأولية.
ويضيف شوبان الذي أمضى بالشركة حوالى 27 عاماً وشغل وظيفة رئيس قسم الأكسدة: فيما بعد بدأت الشركة بإنتاج مقاطع الملوّن وكانت تستورد قضبان الألمنيوم الخام (مقاطع البيليت) من دول الإمارات العربية المتحدة ومصر وفرنسا والآلات من فرنسا لافتاً إلى أن رأسمال الشركة 78 مليون ل.س (عندما كان سعر الدولار حوالى 4 ليرات) فقط ولا تزال الآلات تعمل وتحتاج لبعض الصيانة فقط.
عودة إلى الإنتاج
وأضاف شوبان: عادت الشركة إلى تنفيذ خططها الإنتاجية القصوى منذ مطلع 1990 وحتى كانون الثاني 2004 حيث تراوحت كميات الإنتاج بين 2500 – 2700 طن سنوياً بقيمة تجاوزت 500 مليون ليرة أي حوالى 200 ألف ليرة للطن الواحد، وبمواصفات قياسية عالمية وسورية، وكان يعمل بالشركة 300 عامل والآن أصبح عددهم فقط 118 عاملاً وفنياً يتقاضون رواتبهم من وزارة المالية كالمعتاد.
تناسف وليس تنافس
وقال مدير عام شركة الألمنيوم: للأسف جاءت ترجمة وتنفيذ قانون الاستثمار رقم /10/ لعام 1991 لينسف هذه الشركة العامة بذخائر المواصفة!! فتشكلت شركات للقطاع الخاص وفق أحكام هذا القانون مستفيدة ومستغلة دعم الدولة للقطاع الخاص كقطاع وطني داعم للعام وكان ما حدث بأن بعضها تعامل مع القطاع العام وشركاته ومؤسساته كندّ ومصارع على حلبة واحدة لجذب المستهلك مع أن القطاع العام ومؤسساته وشركاته الأعرق والأقدم الذي يهدف كتوجه عام لتأمين حاجات الأسواق والبلد بشكل عام بالأسعار والمواصفات المحددة وليس الربح بشكل صرف، ولكن ماذا حدث؟
ماراثون المواصفة القياسية
وأضاف شوبان: إن لعبة المواصفة القياسية التي التزمت بها الشركة العامة لصناعة الألمنيوم قد سببت لها التوقف بينما معامل القطاع الخاص المماثلة لم تلتزم بتطبيق هذه المواصفة على منتجاتها رغم تشكيل لجان كثيرة في جميع المحافظات لهذه الغاية فالحد الأدنى لسماكة مقطع الألمنيوم يجب ألا تقل عن 1.5مم بينما القطاع الخاص صنع مقاطع بسماكة 0.8مم وهي مخالفة فظيعة، وباشرت الشركات الخاصة ببيع المقاطع التي تنتجها بالوزن ما حفّز المستهلكين على الشراء من القطاع الخاص بسبب اقتصاديته على حساب المواصفة، ففي هذه الحالة تكون أسعار المقاطع أرخص من إنتاج الشركة العامة، ما اضطرها إلى تخفيف سماكة المقاطع التي تنتجها إلى أقل من 1.5ملم بعد أن أخفقت عن طريق الجهات المعنية بإلزام المعامل الخاصة بالمواصفة السورية.
توقف الإنتاج
وأوضح مدير عام شركة الألمنيوم أن الإنتاج توقف في عام 2009 لتبدأ بعد هذا التاريخ صيحات الاستغاثة من قبل إدارة وعمال الشركة من أجل إعادة تشغيلها دون جدوى حيث صدر قرار بتاريخ 15/9/2009 بتوقيف الإنتاج ووعدنا مع غيرنا بإصلاح الشركة وإنقاذها ضمن مشروع إصلاح القطاع العام الصناعي ولكن لم يحصل شيء حتى الآن بشكل حقيقي وفعلي وتم توجيه كتب إلى وزارة الصناعة والمؤسسة العامة للصناعات الهندسية تتضمن إمكانية إعادة العمل للشركة وتشغيلها بالطريقة المناسبة لكن أيضاً لم نر شيئاً حتى الآن.
عرض لم يكتمل
وقال المهندس شوبان: تقدمت شركة ألمانية بعرض لتطوير الشركة وزيادة عدد عمالها وذلك أثناء الإدارة السابقة إلا أن هذا العرض لم يصل إلى الشركة إلا بعد تسعة أشهر من تقديمه للجهات المعنية بدمشق، لافتاً إلى أن العرض الألماني حظي بالموافقة الرسمية وأيضاً لم يأتِ لنا كتاب رسمي لعرض الشركة الألمانية بل شبه شفهي وعلى ما يبدو فإن الموضوع قد ألغي.
مشروع سياحي على الورق
وأضاف شوبان: اقترحت الحكومة منذ 3 سنوات تحويل أرض الشركة العامة لصناعة الألمنيوم إلى مشروع سياحي ولكن انتهى المشروع (شبه مشروع) على الفور دون تنفيذ.
وأخيراً قررت الحكومة تحويل أرض الشركة التي تبلغ مساحتها 200 دونم وتقع على طريق حلب – اللاذقية إلى مشروع سكن شعبي وتم اقتراح سعر الدونم الواحد بحوالى 17 مليون ليرة لكن الاعتراض على هذه الأسعار دفع الجهات المعنية إلى تشكيل لجنة أخرى لتخفيضها.
فشل الخبراء الفرنسيين
وأضاف شوبان: لما كانت الشركة الفرنسية وحسب العقد مكلفة بإنتاج المقاطع الملونة كأول مرة في سورية في العام 1994 بقي الخبراء الفرنسيون وعلى مدى ستة أشهر يقيمون في الفنادق الفخمة ويسافرون ويأتون ويأخذون المبالغ الضخمة بالعملة الصعبة لإنتاج مقاطع الألمنيوم الملونة كتقنية جديدة وفي النهاية تعذر عليهم واعتذروا وبكى رئيس الخبراء آنذاك (ميشكر اسكي) لفشله ومجموعته.
وأرجع الخبراء الفرنسيون فشلهم في إنتاج المقاطع الملونة إلى عدم تناسب المياه السورية لحوض الأكسدة لإنتاج المقاطع الملونة!! حجة أقبح من ذنب! وأنه يجب إحضار الماء من فرنسا!! وهنا قال المهندس شوبان: إن هذا الاقتراح لن يحقق أي ربح حتى ولو كان بإنتاج الذهب علماً أن الشركة الفرنسية هي التي ركبت الآلات واختارت المكان وتم تأمين المياه اللازمة للإنتاج من آبار محلية ومن نبع السن!! لكن المفارقة في ذلك أن فريق عمال من الشركة استطاع بعد ذلك إنتاج مقاطع الألمنيوم الملون وحصل على ثناء مقابل إبداعه.
غياب الاستراتيجية الصناعية
مدير عام الشركة قال: من المعوقات الأخرى التي تولّد الفشل هي غياب الاستراتيجية الشاملة للصناعة بل تعتمد على ارتجالية وإدارات قاصرة وليس هناك نهج علمي في هذا المجال.
وأضاف: كذلك فإن لمشكلة التسويق مساهمة أخرى في إعاقة الإنتاج والتسبب في الخسارات وليس لدينا شركات تسويقية متخصصة كما في دول العالم فالشركة لدينا تنتج وتسوق وتروج .
وأخيراً فإن الجهات المعنية وبعد أن تخلف واقعاً جديداً تضع الحلول التي تصبح مستحيلة وأشاعت فيما مضى مفهوماً بأن الدولة كرب عمل فاشلة وهي راعية فقط ما أتاح نسف القطاع العام الصناعي وغيره وأتت بالقطاع الخاص بوسيلة مخالفة المواصفة والجودة ليخسر المستهلك والدولة والعامل.