كانت تركيا الاقتصاد الأوروبي الأسرع نموا في السنة الماضية إذ ارتفع الرقم الرسمي لنمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 6.6%، علما بأن وتيرة نمو الناتج المحلي في السنة السابقة، أي 2010 كانت أعلى، حيث بلغت 8.8%. ولكن الحكومة التركية تستعد الآن وتعد المواطنين لتراجع النمو، حيال الحالة المزرية التي تبقى تواجه الاقتصاد الأوروبي، والنمو الخجول في جميع أنحاء العالم تقريبا. وتقول الحكومة إنها تهدف إلى تراجع سلس لنمو الناتج المحال الإجمالي إلى نسبة 4%، ما يسمح لها بالتركيز على تقوية دعائم الاقتصاد، بعد السنتين المثيرتين الماضتين. إلا أن البعض يتوقعون أنه لن يكون ثمة ما يجعل الهبوط سلسا.
وقد تكون هناك بعض القطاعات الاقتصادية التي يعتريها القلق من التباطؤ، إلا أن سوق العقارات ليست من بينها. ويحتمل أن تكون وراء ذلك عدد من الأسباب، ولكن ما يغذي ثقة المتداولين في هذه السوق هو قيام البرلمان التركي في الفترة الأخيرة باعتماد قانون طال انتظاره لسنوات، يسمح لملايين الأجانب بشراء العقارات في تركيا وزيادة ما يجوز لهم شراؤه من أراض دون الحصول على إذن خاص من الحكومة التركية.
وكان القانون المعمول بها في تركيا حتى الآن يقضي بمنع رعايا 89 دولة لا تجيز للأتراك شراء العقارات فيها من شراء العقارات في تركيا، وذلك اعتمادا على مادة التعامل بالمثل التي كان يشملها القانون. أما القانون الجديد فقد حذفت منه هذه المادة. ومع أن ذلك لا يعني تحريرا كاملا لسوق العقارات، لأن الحكومة التركية ستختار من قائمة الدول التسع والثمانين الدول التي ستسمح لمواطنيها بشراء العقارات التركية، ولكن من المتوقع أن يتم إخراج معظم الدول العربية المشمولة في الحظر من هذه القائمة ليسمح لمواطنيها الآن بشراء الأراضي في تركيا.
ويأتي ذلك في وقت تتمتع فيه تركيا بشعبية كبيرة جدا ي العالم العربي، ولكن ما ليس أقل أهمية كون الربيع العربي قد قضى على معظم المنافسة التي كانت تركيا تجابهها من جانب الدول العربية في مجالي السياحة والاستثمارات الأجنبية، إضافة إلى أن مواطني الدول العربية سيشعرون بالأمان وهم يقدمون على شراء العقارات في بلد مسلم مثل تركيا. ويشار إلى أن الربيع العربي قد جعل أهم المناطق السياحية في العالم العربي غير آمنة بالنسبة للإجازات السياحية العائلية، كما أن المستثمرين يحتاجون إلى توفر عنصر الثقة بالمكان الذي يستثمرون فيه، وهو ما لا يجدونه في الظروف الحالية في الدول العربية.
كما أن تركيا كانت قد وقعت على اتفاقات الإعفاء المتبادل عن الحصول على تأشيرات الزيارة مع العديد من الدول خلال فترة الثمانية عشرة شهرا التي سبقت بدء الربيع العربي، بما فيها عدد كبير من الدول العربية، ما ساعد العديد من العرب الذين يبحثون حاليا عن بدائل. ومن أهم ما زاد من شعبية تركيا في العالم العربي مواجهتها لإسرائيل. وقد انعكس تأثير العوامل المذكورة مجتمعة ارتفاعا هائلا لعدد السياح العرب الذين يزورون تركيا ولعدد المستثمرين العرب فيها، ويتوقع أنهم حين يسمح لهم بشراء العقارات في تركيا، ستتدفق على السوق مليارات الدولارات.
إلا أن سوق العقارات التركية قد بدأت فعلا بالنمو السريع قبل اعتماد القانون الجديد، حيث أظهر أحدث مؤشر لاتحاد الشركات المستثمرة في سوق العقارات أن أسعار العقارات قد سجلت ارتفاعا بنسبة 1.28% خلال شهر مارس مقارنة بالشهر السابق، وارتفاعا نسبته 11.62% مقارنة بشهر مارس من العام الماضي. وتمثل هذه الأرقام تسارعا في النمو، إذا قيست بأرقام شهر فبراير شباط التي أظهرت نموا نسبته 0.6% مقارنة بالشهر السابق و 10.42 مقارنة بفبراير شباط من عام 2011، في الوقت الذي كانت أرقام يناير كانون الثاني الماضي قد أظهرت نموا بنسبة 9.97% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
وقد أفاد الاتحاد بنمو كبير لعدد الأجانب الذين اشتروا عقارات في تركيا بين سنتي 2009 و 2010، بلغ 40%، ومع أنه لم تتوفر بعد بيانات عن عام 2011، إلا انه من المعتقد بأن النمو كان أقوى من العام السابق. وحين يتم الآن زيادة عدد الدول التي يسمح لمواطنيها بشراء العقارات في تركيا، فلا يمكن توقع سوى المزيد من التسارع في النمو.
ويقضي القانون الجديد بقصر الحاجة إلى الحصول على إذن خاص من السلطات التركية على الراغبين في شراء ما يزيد عن 300 دونم، بعد أن كان القانون السابق يلزم بالحصول على إذن من أراد شراء ما يزيد عن 25 دونما، وهو تغيير من شانه أيضا أن ينعكس زيادة في المبيعات والأموال التي تتدفق على سوق العقارات التركية.
المصدر: نقودي