خاص B2B-SY
إلى أي حد يشبه الاقتصاد السوري في زمن الحرب كوب الشاي الصيني؟، ميزة الشاي الصيني التي تحفظ له ديمومته لفترة طويلة نسبياً مقارنة بالشاي العادي، يبدو أنها كانت متوفرة في خميرة الاقتصاد السوري، ربما علينا أن نفهم كم من جرعة ماء ساخن أضيفت في فترات متلاحقة على الكتلة النقدية؟ "التمويل بالعجز"، الاقتصاد بلا لون ولا طعمة، الليرة السورية فقدت جزء كبير من قوتها الشرائية، المواطن وحده تجرع الماء الساخن "سادا"، هي الحرب يا سادة سيجيب أي مسؤول في أي من حكومات "الأزمة"، و"ميالة" لم يشذ عن هذه القاعدة.
ميالة حاكماً للمصرف المركزي
منذ العام 2004 وحتى منتصف العام 2016 الفائت كان "ميالة" حاكماً للمصرف المركزي، خميرة المركزي من القطع الأجنبي ربما حفظت له البقاء على كرسي "الحاكم"، أغلب الظن أنه تعامل في سياسته النقدية خلال سنوات الأزمة وفق ميزة الشاي الصيني الذي اعتاد على شربه، يصف الرجل عمله في ذلك المنصب على أنه "مشاور الحكومي المالي" هو منصب فني على ما يقول، يقدم مشورته للحكومة ولها أن تأخذ بها أو ترفضها، لم يكن جزء من الحكومة على حد تأكيده، كان يعنى بالسياسة النقدية كرئيس لمجلس النقد والتسليف.
بالعودة إلى العام 2004، وهو العام الذي تولى فيه أديب ميالة، منصب حاكم مصرف سوريا المركزي، فلقد فاجأ هذا التعيين الأوساط الاقتصادية، على اعتبار أن ميالة ليس هو الشخص المناسب لهذا المنصب، وكونه غير مختص بالنقد، لكن التعيين جاء بناء على اقتراح المؤسسات النقدية العالمية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
تصريحات متكررة بالسيطرة على وضع الليرة والواقع ينفي ذلك
ميالة بدوره صرح أنه لم يشعر أبداً أن وضع الليرة خرج السيطرة مع أن الواقع لا يقول ذلك، ففي صيف 2013 حدث أول انهيار دراماتيكي لليرة كانت حافظت الليرة نسبياً على سعرها مع هبوط هادئ ومتدرج أول سنتين على بداية الأزمة، بدأ الانهيار من قاعدة (دولار = 130 ل.س) وفي غضون أقل من شهر انخفضت قيمتها إلى (دولار = 330 ل.س)، كانت أسعار المستهلك مقبولة نسبياً، ولا زال المواطن يحتفظ ببعض مدخراته، تدخل وقتها المركزي بقوة وضخ كميات كبيرة من الدولار في السوق عبر شركات الصرافة فانخفض سعر الدولار إلى ما دون الـ 200 ل.س، كانت مناسبة جديدة لمنتقدي "ميالة" لاتهامه بتبديد الاحتياطي الأجنبي.
ربط الرجل كل مناسبة تراجعت فيها قيمة العملة المحلية بواقع أمني جلل، الشهر التاسع من العام 2012 مثلاً تراجع سعر صرف الليرة مرة أخرى (دولار = 225) وكانت التهديدات الأمريكية حاضرة وبقوة لضرب الدولة السورية، بعد افتعال حادثة الكيماوي، تدخل المركزي وأعاد الدولار إلى نحو 150 ل.س مع تذبذبات بحدود من 10 الى 20 ل.س، وحتى الربع الأخير من العام 2014، تقلبات سعر الصرف كانت مقبولة وضمن السيطرة، بعدها بدأت مناطق واسعة من الخروج عن سيطرة الدولة (بدءاً من الرقة ثم إدلب، مروراً بحصار المجموعات المسلحة لما بقي مع الدولة من مدينة حلب) الدولار فوق 400 ل.س.
الانزلاق الأخطر كان في الربع الأول من العام 2016 الدولار إلى 630 ل.س، الكل توقع أن فرامل المركزي تعطلت، إلا "ميالة" في كل مرة كان يبرر تراجع سعر الصرف، ويرجعه إلى المضاربين والاشاعات، ربما حدث خلل في الحالة الفنية للمركزي.
أبرز وعود ميالة كوزير للاقتصاد
وتابعت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بإشراف الوزير أديب ميالة أعمالها خلال 2017 على عدة محاور وذلك بعد مضي 6 أشهر من تعيين ميالة وزيراً للاقتصاد ضمن التشكيلة الوزارية برئاسة المهندس عماد خميس وذلك في تموز 2016 وذلك بعدما شغل المنصب خلال فترة قصيرة خمسة وزراء كان خامسهم ميالة.
كان أبرز الوعود التي قدمها الوزير للمواطنين تبسيط آليات منح إجازات الاستيراد ومنح التسهيلات اللازمة لإصدار إجازات وموافقات استيراد مستلزمات الإنتاج الصناعي والزراعي كما أعرب ميالة عن استعداد الوزارة لتذليل جميع الصعوبات التي تواجه غرف التجارة والتجار في نشاطاتهم التجارية اليومية.
كما أكدت وزارته على دعم الإنتاج المحلي عبر تشجيع عمل المشاريع الصغيرة والمتوسطة باعتبارها الداعم الاساسي لعملية النمو وتنفيذ مشاريع رائدة ذات بعد حيوي تحفز عملية النمو كمعامل الصناعات التصديرية التي تحقق إيرادات بالقطع الاجنبي وتشجيع التصدير من خلال دعم المنتجات القابلة للتصدير وإزالة عقبات العملية التصديرية.
ولكن كل هذه الوعود وغيرها الكثير في عدة نواح تجارية واقتصادية لم تحمي ميالة من قرار إقالته ليأتيه الخبر وهو متواجد في أحد الاجتماعات، ويتم تعيين بديل عنه على الفور واعتبر الكثيرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن قرار إقالته، لم يكن قراراً اعتباطياً، وإنما اتخذ بناء على *يانات فساد تتعلق بعمل هذا الوزير ليصبح "السابق" مرتين خلال فترة وجيزة.
سيل من الاتهامات إثر الإقالة!
إثر إقالة ميالة كشف معاونه عبد السلام علي عن صدور عدة قرارات «كانت تنعكس سلباً على المواطن في ظل إدارة الوزير ميالة، الذي استقدم مديرين ورؤساء دوائر من البنك المركزي ووضعهم في دوائر الوزارة وأصبح يقول إنه لا يوجد خبرات وكفاءات لدينا».
مبيناً أن الوزير ميالة «جعل التجارة الخارجية شغلاً شاغلاً للوزارة ونسي أن الاقتصاد الوطني أيضاً يقوم على مشاريع صغيرة ومتوسطة، فعندما كان ميالة حاكماً للمصرف المركزي لم يكن يوافق سوى على تمويل أكثر من 3 ملايين دولار للمستوردات يومياً، بينما أصبح يمنح موافقات وإجازات استيراد يومياً بنحو 70 مليون دولار أمريكي وأحياناً أكثر من ذلك وقد يصل الرقم إلى 100 مليون دولار، كما أن الوزير ميالة نسي موضوع الرقابة على الصادرات علماً أنه يوجد صادرات مخالفة للمواصفات».
اتهامات متبادلة ما بين المسؤولين والإعلام ومتابعين
وانتقدت وسائل اعلام كثيرة تصريحات علي التي لم يدلي بها عندما كان ميالة على رأس عمله ومع أن ميالة وجد من تحدث عنه في أكثر من نقطة لكن لم يتم التحقيق فيها و لم يتم محاسبته إلا إذا كانت هناك تحقيقات تجري بعيدا عن الأعين و إذا قرر الذهاب الآن إلى فرنسا ليلتحق بأسرته فما هي الوسيلة التي سيجري فيها استعادة الحقوق إن كانت هناك حقوق للدولة.
وعقب إعفاء ميالة بدأ ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بالمطالبة بإحالته إلى التحقيق لكشف ملفات الفساد المتعلقة به.
وطالب أحد المتابعين في “فيس بوك”، بعرض ميالة على لجنة تحرّ، لكنّه قلّل من توصلها إلى نتائج، في حين تساءل آخر عن وجهة ميالة “لكن إلى أين؟ من حق الشعب السوري أن يسأل، هذا الرجل كان مسؤولًا عن تدهور الوضع الاقتصادي للسوريين خلال ست سنوات، أم أن القصة انتهت بالإعفاء؟".
مجلس الوزراء يبرئ ميالة من تهم الفساد فما السبب الحقيقي للإقالة؟
من جهته صرح رئيس مجلس الوزراء عماد خميس أن كل ما يقال عن أنّ الحاكم السابق قد أفرغ خزائن المركزي مجرد كلام، مشيراً إلى أن ميالة كان ينفذ سياسة الحكومة السابقة والتي ارتأت أن أفضل طريقة للمحافظة على سعر الصرف هو أن يقوم المركزي بالضخ في سوق القطع عبر سياسة متبعة للتدخل المباشر في السوق تم عبرها صرف 5 مليارات و700 مليون دولار.
ويبقى سبب إقالة الوزير مجهولاً حتى الآن وبانتظار تصريح رسمي يكشف الأوراق على الطاولة.