في التقرير الذي أصدرته وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP بعنوان (تقرير سوق العمل 2009-2010)، ترد معلومات كثيرة وخطيرة من مصادرها الرسمية في تقرير يعتبر الأول من نوعه.
ومن هذا التقرير ننقل بعض الإحصائيات والمعلومات المهمة والتي تهم القطاع الاقتصادي الذي يتابعنا:
• التوزّع القطاعي للمشتغلين: يؤكد التقرير من ناحية، تراجع القطاع الزارعي الذي فقد نصف أهميته من حيث التشغيل، فهو يشغل حالياً 15% من العاملين، بينما كان يشغل 30% من أوائل العقد المنصرم، ومن ناحية أخرى الأهمية المتزايدة لقطاع الخدمات الذي أصبح يشغل أكثر من نصف العاملين.
كما يلاحظ تراجع العمالة دون أجر، وأهمية القطاع العام في التشغيل خاصة بالنسبة للمرأة، حيث أصبح نحو ثلثي النساء عاملات في القطاع العام مقارنة بالثلث في أوائل العقد الماضي. وتجدر الإشارة إلى أهمية العمل للحساب الخاص في سورية الذي يشغل أكثر من ثلث العاملين مقارنة بأقل من الربع في منطقة الشرق الأوسط، مما يعكس أهمية المبادرة الفردية في الاقتصاد السوري.
• عدم ملاءمة المؤهلات مع مواصفات العمل: يشكو منها 10% من العمال وهذه النسبة في تصاعد خلال السنوات الماضية، وخاصة لدى الرجال، حيث تبلغ نسبتهم 15%، ولعل عدم توفر الشروط الكاملة للعمل اللائق تفسّر تلك الظاهرة. • ظاهرة الأعمال الثانوية: خلافاً لما يُعتقد إن نسبة ممارسة العمل الثانوي ليست بظاهرة متفشية ولكنها تبقى غير منعدمة، فهي تخصّ 3.4% من المشتغلين (مقارنة بـ 5.8% سنة 2003) وتبين أن ظاهرة الأعمال الثانوية موجودة بشكل خاص لدى المشتغلين في القطاع الحكومي، إذ تبلغ نسبة ممارسة أكثر من عمل لديهم 6.6% مقارنة بـ 1.3% لدى المشتغلين في القطاع الخاص. • تبين نتائج المسح أن أكثر من 622 ألف مشتغل يعمل من داخل المنزل منهم نحو 593 ألف بعنوان عملهم الرئيسي ويمثلون على التوالي 13.2 و12.7% من مجموع المشتغلين، والعمل من أو داخل المنزل يكون أكثر تداولاً لدى الرجال 14.2% مقارنة بالنساء 5.8%، وفي الوسط الريفي 18.2% مقارنة بالوسط الحضري 9.3%.
كما تبين النتائج أن 83% من العاملين في القطاع الخاص يمثلون 2.593 مليون عامل غير مسجلين في مصلحة الضرائب، وأقل من 11% (340 ألف عامل) من العاملين في القطاع الخاص يتمتع بالحماية الاجتماعية (أي 2782 ألف عامل في القطاع الخاص يمثلون 84% لا يتمتع بالحماية الاجتماعية). وهذه المعطيات تبين مدى أهمية العمالة غير المنظمة في القطاع الخاص.
وتجدر الملاحظة أن عدم تسجيل العمل في مصلحة الضرائب أو في التأمينات الاجتماعية أو النقابات المهنية لا يدل على تعقد الإجراءات الإدارية أو عن تكلفة مالية كبيرة، بل هو محض إرادة المشتغلين الذين لا يعتقدون أن هنالك حاجة لتسجيلهم بالحماية الاجتماعية، وبالتالي منفعة في تسجيل عملهم. • تبين النتائج أن كثرة الإجراءات تؤدي للعزوف عن التسجيل فقط بنسبة 1% من المشتغلين غير المسجلين، أما المسائل المالية فتمثل 1.6% من أسباب عدم التسجيل، بينما أكثر من ثلثي العاملين غير المسجلين لا يرون حاجة لتسجيل عملهم. وهذا الأمر يبين أهمية العمل التوعوي والإعلامي في مجال تقليص العمالة غير المنظمة، والتعريف بأهمية تسجيل العمل والتمتع بخدمات الحماية الاجتماعية والمهنية.
• ضعف المشاركة الاقتصادية للمرأة: إذ لا يتجاوز معدل النشاط الاقتصادي للمرأة 14%، ولا تمثل القوى العاملة النسائية إلا 12.4% من مجموع العاملين.
وتجدر الملاحظة أن تقلص نسبة النساء العاملات دون أجر انخفضت من 44% في أوائل العقد الماضي إلى أقل من 10% حالياً ويمثل ذلك تحولاً جذرياً لعمل المرأة، ويجدر تعمق البحث فيه لاستنباط وتعزيز البرامج المتخصصة الموجهة لتطوير ظروف ومقومات مساهمة النساء في القطاعات الاقتصادية. • لا يهدف هذا التقرير إلى التحديد الكمي للبطالة بقدر ما يهدف إلى تحليل خصائصها وتوزعها ويجب التذكير أن هذا المسح يتعلق بفترة زمنية، واعتمدنا بعض التغيير في تحديد العلاقة مع قوة العمل. فالمعدلات والنسب الناتجة عن تحليل هذا المسح لا تعبّر عن معدلات البطالة السنوية بل تبين حالة البطالة في فترة إنجاز البحث. ولذلك فالمقارنة بالزيادة أو بالنقصان مع معدلات السنوات السابقة تبقى غير معبرة من الناحية المنهجية.
ومع أخذ التحفظ المهم بالاعتبار تبين نتائج المسح أن نسبة البطالة في أوائل 2009 كانت في حدود 13.4% موزعة بين 10.3% في الوسط الحضري و17.1% في الوسط الريفي و31.2% لدى النساء و10.1% لدى الرجال. وبالطبع تختلف نسبة البطالة إذا اعتمدنا تعريفاً مختلفاً.
فمثلاً تنخفض نسبة البطالة إلى 12.7% إذا استثنينا الباحثين عن عمل بدوام جزئي من ضمن المتعطلين. كما تبين النتائج تفاقم حالة البطالة في كل من المحافظات التالية: الحسكة وطرطوس واللاذقية والسويداء ودير الزور. وتجدر الملاحظة أن نتائج المسح السنوي لـ 2009 الصادرة مؤخراً عن المكتب المركزي للإحصاء تحدد معدل البطالة بنسبة 8.1% موزعة إلى 5.7% لدى الذكور و22.3% لدى الإناث. ويمثل ذلك تراجعاً مهماً في معدل البطالة. • الحالة التعليمية للمتعطلين: لا تختلف بصفة ملحوظة عن بقية فئات قوة العمل. أغلبية المتعطلين 59% لم يتجاوزوا المرحلة الابتدائية و30% من المتعطلين لديهم مستوى الإعدادية أو الثانوية و9% لديهم المستوى الجامعي، ويمثل هؤلاء فئة نوعية ذات خصوصية تتطلب تطوير برامج تأهيلهم العملي، وملاءمة قدراتهم مع الحاجات العملية لسوق العمل.
وتبين النتائج الفرق الشاسع في المستوى التعليمي للمتعطلين بين الإناث والذكور، إذ أكثر من ثلثي الذكور 66.8% يحملون المؤهل التعليمي الأقل من الإعدادي، بينما تبلغ تلك النسبة نحو الثلث لدى الإناث 35.4%. كما يمكن تأكيد الفرق من حيث المستوى التعليمي بنسبة المتعطلين ممن يحملون درجة تفوق الثانوية، إذ تبلغ تلك النسبة 9.7% لدى الذكور و24.3% لدى الإناث.
• وتبين نتائج المسح أن أكثر من 90% من المتعطلين الذين سبق لهم العمل ينحدرون من القطاع الخاص. وأن ثلث الانقطاعات عن العمل هي طوعية من قبل العامل لعدم رضاه بالأجر أو لأسباب صحية أو عائلية. وتؤكد نتائج المسح هشاشة العمل في عدة نشاطات في القطاع الخاص سواء كان فردياً أو في صفة شركة، فأغلبية أسباب الانقطاع عن العمل في القطاع الخاص تأتي من جراء توقف المؤسسة.
كما يمكن تفسير ذلك بآثار الأزمة الاقتصادية على عدة أنشطة وخاصة المرتبطة منها بالطلب الخارجي. كما يفسر التطلع إلى تحسين الأجر وبالتالي مستوى العيش جانباً مهماً من الانقطاع عن العمل في القطاع الخاص الذي قد يعجز عن توفير أجور أعلى نظراً لشدة المنافسة الداخلية والخارجية التي يعيشها في واقع متسم بتحرر أكثر للاقتصاد وانفتاح على الخارج. • أبرزت نتائج المسح أن مدة البحث عن عمل تستغرق فترة طويلة تتجاوز 20 شهراً كمعدّل عام، وتقضي النساء فترة أطول في البحث عن عمل: 23 شهراً مقارنة بـ 19 شهراً لدى الرجال. وبينت نتائج المسح أن ثلثي المتعطلين يشتكون من بطالة طويلة المدى، إذ طالت فترة البحث عن عمل سنة فأكثر.
وتبلغ تلك النسبة 77% لدى النساء و62% لدى الرجال. • العمل المناسب هو الذي يوفر دخلاً مرتفعاً بالنسبة لـ 31.3% المتعطلين: أكدت نتائج المسح الثقافة السائدة في الرغبة بالعمل لدى القطاع العام، حيث يعتقد الكثير من الشباب أن العمل لدى القطاع العام يتضمن مزايا غير متوفرة في القطاع الخاص على الرغم من تطور هذا القطاع بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة. فأكثر من 80% من المتعطلين (90% من الإناث و76.3% من الذكور) يحبذون العمل في القطاع العام. وينم ذلك عن ضعف المبادرة لدى أغلبية المتعطلين مما يفسر كذلك حدة البطالة طويلة المدى. • أبرزت نتائج المسح أن قرابة 82% من المتعطلين لم يتبعوا أية دورة تدريبية خلال السنة السابقة لتاريخ إجراء البحث، مما يوضح النقص الكبير في برامج معالجة البطالة وهذا ناتج عن فقدان البرامج الخاصة بتدريب المتعطلين وتأطيرهم، والرفع من قدراتهم العملية بآليات خاصة أو نوعية.
ويتركز تدريب المتعطلين على اختصاصات محدودة جداً، منها بشكل رئيسي المعلوماتية وبعض المجالات المهنية. وهذه الحالة تؤدي إلى فقدان المتعطلين للقدرات والمهارات، الأمر الذي يوجب زيادة الاستثمارات في القوى البشرية لإعادة تأهيلها. كما تبين النتائج أن النساء المتعطلات أكثر إقبالاً على المشاركة في الدورات التدريبية خاصة اللاتي سبق لهن العمل، وذلك بقصد محاولة تأهيلهن لدخول سوق العمل من جديد. فنحو ثلث المتعطلات اللاتي سبق لهن العمل شاركن في دورات تدريبية مقارنة بأقل من 14% لدى نظرائهن من الرجال. • تبلغ النسبة العامة للرغبة في الهجرة 16% من قوة العمل منهم 64% سعوا جدياً لذلك، وبينت نتائج المسح أن نحو ربع الشباب يرغبون في الهجرة أو السفر خارج البلاد، وتختلف تلك النسبة جذرياً بين الإناث والذكور، إذ تبلغ 28% لدى الذكور وفقط 5% لدى الإناث.
كما تنخفض نسبة الرغبة في الهجرة أو السفر بصفة تدريجية مع التقدم في السن. ويرغب بالهجرة خاصة الرجال المتعطلين في المرحلة العمرية الموافقة لأوج العطاء الاقتصادي بين سن 25 و35 سنة، إذ نلاحظ أن 44% من تلك الشريحة ترغب في الهجرة نظراً لتعرضهم لضغوطات الحياة التي تملي عليهم البحث عن العمل بمختلف الوسائل سواء كان داخل البلد أو خارجه.
• دراسة الطلب على قوة العمل: قام مشروع (إنشاء قاعدة بيانات من أجل سياسات شاملة للعمالة والتوظيف في سورية) خلال النصف الثاني لسنة 2009 بإجراء مسح حول الطلب على القوى العاملة بقصد معرفة حالة وحجم الطلب على القوة العاملة في القطاع الخاص المنظم والعمالة وخصائصها في ذلك القطاع والشواغر الموجودة. وخصّ المسح 1213 مؤسسة تم اختيارها من ضمن الإطار الإحصائي لمنشآت القطاع الخاص المستخدم لدى المكتب المركزي للإحصاء حسب مقياس حجم العمالة الذي حدد بعشرة عمال فأكثر. ووزعت العينة في جميع المحافظات (باستثناء القنيطرة لعدم توفر حجم العمالة في منشآتها) وتركّز أكثر من نصف العينة في قطاع الصناعة لكثرة وجود المنشآت الكبيرة فيها، وربعها في قطاع الفنادق والمطاعم والخدمات وبينت أهم النتائج مايلي:
تشغل المنشآت 91600 عامل موزعين بين 78% رجال و22% نساء، وتمثل العمالة الموسمية 10% متركزة خاصة في قطاع الزراعة وفي المنشآت الصغيرة، أما العمالة غير السورية فهي تنحصر في نسبة 1.1%. • عرفت المنشآت خلال السنة السابقة للمسح تراجعاً نسبياً في نشاطها: سواء على مستوى حجم الإنتاج أو على مستوى حجم العمالة الذي تقلص بنسبة 0.5%، وخصّ ذلك التراجع المنشآت التي تشغل أقل من 50 عاملاً والناشطة في قطاعي الصناعة والنقل والبناء، أما المنشآت العاملة في القطاعات الأخرى أو ذات الحجم الذي يفوق 50 عاملاً فعرفت تطوراً إيجابياً في حجم العمالة.
وإذا أمكن تفسير ذلك التراجع بآثار الأزمة المالية والاقتصادية، فإن أغلبية الشركات التي شملتها الدراسة تتوقع تزايداً في حجم الإنتاج وفي عدد العاملين خلال السنة القادمة، أما الذين يتوقعون تراجعاً فيفسرون ذلك بالمناخ الاقتصادي العام وبشدة المنافسة. • تمثل نسبة دوران اليد العاملة قرابة 21% وحسب تصريحات المنشآت فإن نسبة التصريح لا تمثل سوى ثلث أسباب ترك العمل التي تتعلق أساساً بأسباب شخصية للتاركين الساعين في أغلب الأحيان إلى الحصول على راتب أفضل.
• تبلغ نسبة التأطير 17.2% (نسبة المديرين والاختصاصيين من مجموع العاملين) وترتفع تلك النسبة في قطاع الخدمات وتنخفض في القطاع الصناعي. ويبلغ معدل الراتب الشهري في منشآت العينة نحو 15.800 ل.س، ويبلغ راتب الوظائف العليا أكثر من ثلاثة أضعاف الوظائف الدنيا. أما نسبة العاملين غير الماهرين فتبلغ 16% وتتراوح بين 8.2% في قطاع النقل إلى أكثر من 20% في قطاعات المال والتأمين والعقارات، وكذلك في قطاع الفنادق والمطاعم وتطرح هذه النسب المرتفعة أهمية التدريب المستمر بقصد الرفع من كفاءات ومهارات العاملين.
ويفسر مسؤولو المنشآت هذا الوضع بقلة الخبرة لدى العاملين، وكذلك قلة الدافع والحماس لديهم رغم مجهوداتهم المبذولة في ميدان التدريب الذي انتفع به ربع العمال، وترتفع تلك النسبة في المؤسسات كبيرة الحجم، وفي قطاعات النقل والمواصلات والمال والتأمين والعقارات.
• بلغ عدد الشواغر في المنشآت التي شملتها الدراسة 5185 شاغراً وتكون بالتالي نسبة الشواغر في حدود 5.7% من مجموع عدد العاملين، وتصل نسبة الشواغر إلى 21% في قطاع البناء و8.3% في قطاع المال والعقار. وتجدر الملاحظة أن الأغلبية النسبية للطلب 44% تتعلق بمستوى تعليمي دون الثانوية و22% مستوى المعهد المتوسط و20% المستوى الجامعي فما فوق.
كما أن نسبة تفضيل توظيف الذكور تفوق بكثير نسبة تفضيل توظيف الإناث: 57.6% مقابل 8.7%.
• صرحت المنشآت أن نسبة 56% من الشواغر تتصف أنها صعبة الملء أي أن المنشأة تستغرق وقتاً طويلاً لإيجاد العامل المناسب لهذا الشاغر، وذلك لأسباب مختلفة من أهمها عدم توفر الخبرات والمهارات الجيدة في السوق التي تتلاءم مع احتياجات المؤسسات!
وإن وجود الشواغر صعبة الملء يعيق توسع عمل المنشآت، ويلزمها بتدريب العاملين الحاليين، إضافة إلى القبول بمؤهلات أقل، وبالتالي لملء الشواغر تلجأ المنشآت إلى الأصدقاء والمعارف، وكذلك لوضع إعلانات في الصحف.
• بينت نتائج مسح الطلب على سوق العمل أن أغلبية المنشآت الاقتصادية تعتقد أن المواءمة بين مخرجات التعليم والتدريب وبين متطلبات سوق العمل غير مرضية، وتقترح منح فرص تدريب وإعطاء حوافز للشركات، وتكثيف التطبيقات العملية، وكذلك التعاون مع الهيئات العلمية بهدف تحسين مواءمة مخرجات التعليم والتدريب لمتطلبات الشركات من العمالة.
• كما يتبين من خلال نتائج المسح أن أقل من ثلث الشركات التي شملتهم الدراسة تقوم بتوظيف حديثي التخرج. وبلغ عدد حديثي التخرج الذين تم توظيفهم خلال السنة السابقة للمسح 1978 شخصاً أي 11% من مجموع التوظيف خلال تلك الفترة، فإذا كان ذلك يبين ميول المؤسسات إلى توظيف ذوي الخبرة، فإن هذا الأمر يدعو إلى التفكير في وضع آليات تسهّل عملية توظيف القادمين الجدد إلى سوق العمل مساهمة بذلك في تقليص البطالة وخاصة بطالة الشباب منها.