أعتبر الباحث الاقتصادي جوزيف ميخائيل، أنّ سعر الصرف ليس معبراً، بالضرورة، عن الاقتصاد، فالمهمّ هو القوة الشرائية، وإذا كانت ضعيفة حالياً، فالأمر لا يعود إلى سعر صرف الدولار، على أهميّته، لكنّ مرجع ذلك الأساسي هو ضعف الدخل، وهذا يأتي نتيجة خللٍ هيكليٍّ في الاقتصاد السوري.
مشيراً إلى أن الرواتب والأجور لا تعبّر عن قيمة العمل، فهناك كتلة نقدية للرواتب والأجور تُمنَح للموظفين، ولدينا بطالة مقنعة عالية جداً، ما يعني أنّ هذه الأجور تُمنح دون إنتاج، وبالتّالي لا يمكن تحميل تغيّر سعر الصرف المسؤولية.
ولفت الخبير الاقتصادي قيس خضر إلى أنّ انخفاض القوة الشرائية وجه من أوجه التضخم، كنتيجة طبيعية لانخفاض قيمة الليرة السورية؛ داخلياً فيما يسمّى التضخم، وخارجياً في ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، الذي أدى، بالطبع، إلى زيادة حدّة التضخّم عبر قناة تسمّى "تضخم مستورد"، ذلك أنّه عند انخفاض قيمة العملة الوطنية سيؤدي هذا إلى ارتفاع لاحق في تكاليف المستوردات، سينعكس ارتفاعاً في أسعار المنتج النهائي بين أيادي المستهلكين.
ويرى خضر إلى أنّ ظاهرة التضخّم، في أحد أسبابها، هي نتاج لأزمة الفارق بين العرض والطلب في الاقتصاد الحقيقي، وهنا تكمن المشكلة في أساسها، وهذا الخلل في معادلة السوق يعود إلى أسباب حقيقية، وهو نتيجة طبيعية للأزمة التي تعصف بالبلاد، حيث تضاءلت كمية السلع والخدمات المتاحة أمام المواطن السوري، وفي المقابل ازداد الطلب على الكثير من هذه السلع والخدمات، بسبب العوامل النفسية التي زادت الاستهلاك والتخزين، ما أدى إلى زيادة الطلب على العرض بشكلٍ لا يحتاج إلى أرقام، وإلى ارتفاع في المستوى العام للأسعار.
ويحدّد خضر المشكلة الرئيسية التي تتمثل في أن الحكومة لم تكن قادرة على رصد هوامش تحرّك التضخم لأسباب خارجة عن الحدود السورية، كعدم القدرة، مثلاً، على تأمين بعض أنواع المشتقات النفطية، أو لعدم بذل الجهد الكافي في السيطرة على السوق الداخلية، حيث برزت ظاهرة الاحتكار كمسبّب رئيسي في ارتفاعات الأسعار، وهي هنا غير مبررة.
ويؤكد خضر أنّ العمل الفعلي المطلوب هو زيادة الدخل الحقيقي للمواطن، والذي يمكن أن يتأتى عن طريقين؛ الأول زيادة الدخل الاسمي، على أن يترافق مع تثبيت للمستوى العام للأسعار، حيث لا معنى لزيادة الدخل الاسمي بنسبة 20%، إذا استتبع هذه الزيادة ارتفاع المستوى العام للأسعار بمستوى يعادلها أو يزيد عليها.
الطريق الثاني، يتمثل في تخفيض المستوى العام للأسعار، وإذا كنّا أكثر واقعية، تثبيت المستوى العام للأسعار عند المستوى الحالي مرحلياً، وذلك بغية سدّ الثقوب التي تستنزف الدخل الحقيقي للمواطن السوري، وبعدها يمكن أن تعتبر أيّ إضافة في الدخل الاسمي هي إضافة حقيقية.
واعتبر خضر بحسب صحيفة "بلدنا" المحلية، أنّ أحد الأخطاء الشائعة لدى المتحدّثين في التضخم هو اعتباره ظاهرة نقديّة تُقاس بمدى التوسّع في الإصدار النقدي، أو في مدى انخفاض قيمة العملة محلّ الدراسة، فمن الأهمية بمكان أن يُنظر إلى أصل التضخم في الاقتصاد العيني الحقيقي، والمقارنة بين العرض الكلي والطلب الكلي، هذه الفجوة لم يكن بمقدورنا، حتى الآن، السيطرة عليها وضبط حدودها، لذلك نرى أرقاماً عديدة للتضخم تتّسع أوتضيق، بحسب الناظر إليها، متفائلاً كان أم متشائماً، على أنّ الظاهرة في حدّ ذاتها ستبقى رهينة بمدى القدرة على ضبط المسافة التي تفصل حاجات المواطن ومدى قدرة الحكومة على تلبيتها، ويبقى للبعد النقدي والتسهيل الكمّي دور لا بأس به في تمشيط هذه الظاهرة.
وقال أيضاً: "في ما يتعلق بالشقّ النقدي لم تصدر بيانات دقيقة من قبل السلطة النقدية توضّح أنّه تمّ إصدار وطباعة كميّة معينة من الليرة السورية، ما يمكنه أن ينبئ بموجة تضخمية أولية تتناسب طرداً مع الكمية المصدرة، وبالتالي، في ظلّ غياب هذه المعلومات لا أعتقد أنه من السهولة بمكان تحديد نسبة التضخم التي تعزى لكميات النقد الجديدة الداخلة في السوق".
ومع ذلك، عدم وجود البيانات ليس بالضرورة أن ينفي وجود النقد الجديد لكن غياب المعطيات الرسمية، التي تشير إلى دخول عملة جديدة إلى سوق التداول، يمنع بناء معلومة عن التضخّم على أساس افتراض دخول العملة الجديدة، وإن كان ضخّ العملة صحيحاً، فهو سيسهم في حدة التضخم.
ومع أن الحديث عن التضخم، غالباً، يكون بشكلٍ سلبي، يعتقد خضر أنه إذا ما تخطّينا فكرة الإصدار النقدي الجديد من عدمه، فإنّ التضخم يعمل في بعض جوانبه بشكل إيجابي، أي ما يسمّى تضخماً إيجابياً، فالكتلة النقدية الجديدة، إذا ما تم استثمارها في الفروع الإنتاجية للاقتصاد، ستعمل على تحفيز النشاط الاقتصادي، أي زيادة الإنفاق في القطاعات الإنتاجية بشكل عقلانيّ وفاعل.
يذكر أن تقرير "المكتب المركزي للإحصاء" الشهري الأخير، أشار إلى وصول الرقم القياسي لأسعار المستهلك، إلى 220.28% في شهر أيلول، محققاً ارتفاعاً قدره 16.42 نقطة عن شــهر آب 2012، ليكون التضخّم السنوي بذلك بلغ معدل 48.10% عن العام 2011، ومعدل 8.05% عن شـــــهر آب 2012.